السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نبيل عمرو يكتب عن دوّاس العتمة

نشر بتاريخ: 13/07/2019 ( آخر تحديث: 13/07/2019 الساعة: 22:18 )
نبيل عمرو يكتب عن دوّاس العتمة
كتب ناصر اللحام - في روايته الجديدة ( وزير اعلام الحرب - عبد الشقي ) ياخذنا نبيل عمرو في طريق بإتجاه واحد ولا يوجد فيه أية انعطافات أو رجوع، يأخذنا الى قراءة الذات ومعالجتها وهي أصعب انواع القراءة كونها تحمل مخاطر وأضرار جانبية قد تعطي نتيجة سلبية اذا كان الكاتب ليس محترفا .
يعود في الرواية الى هزيمة حزيران عام 1967 ، وتدور رحى الرواية في عدة أيام فقط . كيف انتشى العرب بالحرب وكيف تحطّموا بالهزيمة ؟ ومن دون أن يتعالى على القراء ومن دون ان يتباهى كثيرا ، يكتفي الدكتور نبيل عمرو بوضع لمساته الثقافية ومخزونه الهائل من التجربة والوعي في خدمة القارئ طواعية ، ولا يؤثر ذلك في تلقائية سرد الاحداث .
الجمهور العربي ضحية التلقين في مناهج التعليم ، وهو يحفظ ولا يفهم حفظ المناهج وان كل حرب لا بدّ ان يفوزوا بها ولا بد أن يهزموا الاعداء . فكانت حرب 67 نتيجة حتمية لمناهج التلقين وأشعار المعلّقات وفخر المتنبي وعمرو بن كلثوم .
من حاول أن يستخدم عقله في مقهى ( كفر عرب ) زجره العوام ورفضه الدهماء وإستقوى عليه الجهلاء حتى لاذ بالصمت .. وحين إنتصرت الصهيونية على القوميين العرب وعلى الناصريين وعلى الشيوعيين ، ظل وكلاء المملكة الاردنية الهاشمية والمخاتير والأعيان في الضفة الغربية مخلصين للملك . وحتى يهربوا من سجال النقاش مع الشيوعيين والناصريين كانوا يقيمون الصلاة هربا من المواجهة وحفاظا على وحدة القبيلة .
لن أحرق الراوية ولن أكتب ما فيها ، بل سأكتب عنها . وقد شدّني اليها :
- نبيل عمرو عاد بنا الى أيام هزيمة 1967 ليقول لنا ان هذا التاريخ مستمر وأن انفعالات الشارع العربي في هذه الأيام في التعامل مع الربيع العربي لم تختلف أبدا عن ايامنا تلك . نفس الجمهور ونفس الاحزاب ونفس الاخطاء ونفس الهزيمة ونفس النتيجة ونفس العدو ونفس الزعامات .
- حين خرجت الجماهير تتظاهر وتطالب الملك حسين توزيع السلاح على الشعب لمحاربة الصهاينة فتح الملك مخازن السلاح للشعب. الملك طاوع الجمهور وفتح مخازن السلاح ولكن اتضح ان غالبية المثقفين لا يعرفون كيف يحملون البندقية ولم يشاهدوا في حياتهم رشاشا من نوع برن ولا حتى بندقية انجليزية . وأن مهارتهم الوحيدة هي النقاشات والصراخ والانتقادات في المقاهي .
- الذين يعرفون كيف يحملون السلاح ويقاتلون بكل قوة ويقتحمون المستوطنات هم دوّاسي الظلمة . هم الاكثر جراة وقوة وجبروتا واحترافا .
- حين اندلعت الحرب أطلق الحكام العرب سراح المعتقلين من المعارضة من السجون وأطلقوا سرح " المجانين " من مشافي الامراض العقلية . فأية رسالة هذه التي وصلت للجمهور حين وقفت شاحنة نزل منها الشيوعيون واليساريون الخارجين من سجن الجفر الصحراوي ، وبعدها وفي نفس الساحة وقفت شاحنة ونزل منها المرضى العقليون !!!!
- تربطني علاقات طيبة مع دوّاسي العتمة منذ زمن طويل . فقد تعرّفت عليهم شخصيا في سجن الرملة بداية الثمانينيات ، وتعرفت عليهم في سجون اسرائيل وبعدها ، وكانوا هم الأقدر على مساعدة خلايا الثورة في إستخدام السلاح وتنفيذ العمليات وتهريب السلاح والانتصار . وهي قصة تتماهى تماما مع رواية " اللاز " للكاتب الجزائري الكبير الطاهر وطار ، وتتماهى اكثر مع " قصدية تربوية " لمكارينكو .
دوّاس الظلمة أكثر قوة من الجيوش العربية وأكثر صبرا وأكثر مواظبة وأكثر خبرة على الارض . هم لا يقولون شيئا ولا يعترفون في التحقيق ويفعلون كل شئ . ومعظم المثقفين يقولون كل شئ ولا يفعلون أي شئ .
- حين نسف الصهاينة منازل بيت عوا ، وهاجروا .. قام شيوخ العشائر بمنح الناس حلولا منطقية للتثبت بأرضهم والعودة اليها . وان العشائر مكوّن أساسي من مكونات المجتمع الفلسطيني .
- حين سقطت القدس واحتل الصهاينة الضفة الغربية، نزلت مجندة من سيارة عسكرية وسط ساحة البلدة ونادت على عبد الشقي مثلما يلفظ اليهود ( فين عبد الشكي ) . فضحك أهل البلدة على طريقة لفظها الاسم ، وعبد الشكي رفض الانصياع لأوامر المجندة و" راخ البيت" !!
نبيل عمرو عاد بنا لمراجعة الذات ولكنه لم يعد بنا لجلد الذات ونجح في تخطّي خطر التشاؤم ، وعوضا عن الغضب مما حدث ، تجد أنه زرع الامل في نفوسنا في أخر صفحات الرواية .. زرع الامل بطريقة مذهلة ولو على شكل بنبدقية مهرّبة في يد دوّاس العتمة .