الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

رحلتي

نشر بتاريخ: 20/08/2019 ( آخر تحديث: 20/08/2019 الساعة: 10:57 )

الكاتب: خالد جميل مسمار

.. الحلقة الحادية عشرة

وصلنا باريس واستضافنا التلفزيون الفرنسي وأقام لنا مائدة غداء، وكنت الفلسطيني الوحيد بين الاعلاميين المصريين.. تجولنا في المحطة الفرنسية وكل ذلك بفضل علاقة الأستاذ فتحي رحمه الله. نزلنا في بنسيون رخيص وقمنا بجولة داخل باريس حيث ان الأستاذ فتحي يعرف بعض الأماكن الشهيرة هناك منها متحف اللوفر وبرج ايفل وكنت أحاول الاقتصاد ما استطعت في شراء الأكل البسيط بسبب (القروش) القليلة المتبقية معي حسب وصف الأستاذة سهير بركات استاذة الاعلام والمشرفة على رسالتي في دبلومي الاذاعة والتلفزيون ودبلوم السينما التي شاركتنا رحلتنا التي رتبها الاستاذ محمد فتحي.
من باريس توجهنا الى روما وكان الاستاذ فتحي قد رتب لنا الاقامة في الاكادمية الايطالية ووفر علينا بذلك مصاريف السكن في فندق.. زرنا مبنى الاذاعة والتلفزيون الايطالي والكولوسيوم وتجولنا في شوارع روما والاماكن الشعبية وسوق (بورتا بورتيزي) الشهير والرخيص ثم توجهنا الى نابولي لنستقل الباخرة الى الاسكندرية في طريق عودتنا في رحلة استمرت اسبوعين واجهت فيها التعب والصعوبة لكنها كانت تجربة هامة علمتني الكثير.
ركبنا الباخرة التي كانت تحمل جنسيات مختلفة وكان من بين الركاب عدد من الراهبات بلباسهن المميز عن غيرهن من الراهبات يضعن الطرحة المعروفة على الرأس بتشكيلة غطاء الرأس الفرعوني وفستان موحد اللون ولكن بنصف كم وطوله عند الركبة! وحذاء موحد اللون ايضا بكعب واطئ.
تحلّقنا على سطح الباخرة وهي تشق عباب البحر وكان الجو صافيا مشمساً ومعظم الركاب يأخذون مكانهم يستمتعون بهذا الجو وتشاء الصدف او بالأحرى الاقدار ان تجلس الى جانبي احدى تلك الراهبات وأخذت تقرأ في كتاب اجنبي سميك وكان من بين الزملاء في الرحلة احدى السيدات المصريات وهي مخرجة في التلفزيون المصري اذكر اسمها وهو سهام كانت تحب النكتة أسوة بغالب المصريين المشهورين بذلك. قالت سهام متسائلة: يا ترى يا خالد ماذا تقرأ هذه الراهبة خاصة وانت متخرّج من دراسة اللغة الانجليزية؟ سرقت النظر الى الكتاب الذي بحوزتها، وهي كما قلت كانت تجلس بجانبي وحاولت القراءة لكنني اكتشفت ان الكتاب بلغة غير الانجليزية غير انني استطعت ان أميز بعض الكلمات, التي على ما يبدو انه كتاب قديم باللغة اللاتينية القديمة, مثل اسم يعقوب (Jacob), قلت للسيدة سهام وعلى مسمع طبعا من الراهبة : يبدو ان الكتاب باللاتينية القديمة, وربما هو كتاب مقدس, ولكن النكتة المصرية يجب ان تأخذ مكانها خاصة وان الراهبة مكشوفة الذراعين وانا كذلك. فقالت سهام ضع يدك الى جانب يدها لنرى الفرق باللون بين اللون العربي واللون الاجنبي! وإيه رأيك تتجوزها يا خالد وتحولّها عن دينها. ضحكنا جميعا. وبقي الحال على ما هو الى ان وصلنا ميناء الاسكندرية وهمّ الجميع بتجهيز نفسه للنزول. وكانت المفاجأة لنا جميعا وهي ان الراهبة الأجنبية جاءت من تستعجلها للنزول وتخاطبها باللغة العربية وهي بدورها تجيبها بالعربي ! فأسقط بيد سهام وأخفت وجهها بيديها وهي تقول: يا لهوي! أودّي وشي منها فين؟
الغريب ان الراهبة لم يظهر عليها اثناء الرحلة اي ردّ فعل يشير أنها تفهم ما نقول وبقيت هادئة ولم تنبس ببنت شفة! طوال الرحلة, ويبدو انها كانت مرتاحة لحوارنا!
كانت الرحلة صعبة وشاقة, ولكنها ايضاً كانت ممتعة زادت من خبرتي ومعرفتي بأشياء جديدة لم اكن اعرفها وشاهدت ما كنت اسمع به من بعيد.
عدت الى القاهرة, الى الاذاعة فاستقبلني الاخ ابو صخر فؤاد ياسين (مسؤول الاذاعة) وجميع الزملاء بالترحاب ورويت لهم ما واجهته في هذه الرحلة.

مدرسة الفسطاط الثانوية:
قلت بأنني اكملت دراسة الثانوية العامة في مصر قبل التحاقي بالجامعة هناك وكانت العادة اثناء حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ان تنظّم رحلات للمتخرجين من الثانوية العامة سنويا الى المحافظات المصرية وخاصة في جنوب البلاد كالاقصر واسوان حيث الآثار الفرعونية القديمة.
ركب الخريجون زملائي من مدرسة الفسطاط في مصر القديمة قطار الرحلة وكان قطارا قديما استغرق وصولنا الى هناك (18) ساعة مرهقة ولكنها رائعة رأيت خلالها مالم أره في مصر من القرى والمدن والحقول الخضراء الغناء مما خفف من تعبنا.
كانت وسيلة التنقل ما بين الاقصر واسوان وآثارهما هي الحافلة وكان الطلاب يحبون المرح والفكاهة في معظمهم، مما ابهج القلوب وانسانا طول الرحلة وتعبها، الا ان أحد الطلاب كان هادئاً على غير عادة الطلبة المصريين المشاغبين في كثير من الاحيان.
جلسنا في الحافلة استعداداً لتقلنا الى الاثار الفرعونية والهرج والصخب والغناء يعم الحافلة التي ما زالت متوقفة فاذا بأحد الطلاب المشهور عنهم اللهو والمشاغبة يصرخ من شباك الحافلة على احد الصعايدة المارّين في الشارع هو وجواميسه ينادي عليه بكلمة جعلت الصعيدي يستشيط غيظا ويتقلّب كأنه قطّ على صفيح ساخن يريد ان ينتقم ممن ناداه بتلك الكلمة فأخذ يبحث عن شيء يقذف به الحافلة التي خرج منها ذاك الصوت, فلم يجد غير روث الجاموسة الطازج وبكل قوة وعزيمة قذف الروث الساخن فدخل من شباك ذلك الطالب الهادئ فأصابه في وجهه وامتلأت الرائحة التي تزكم الأنوف كلّ الحافلة..
حزنت على ذلك الطالب الهادئ الذي أخذ يمسح الأذى عن وجهه والكل يقهقه لما حصل! واصلنا رحلتنا الى معبد "ابو سمبل" الشهير والاعمدة العملاقة التي تمّ فيما بعد نقلها من اماكنها عند البدء ببناء السدّ العالي.