السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حنين إلى ياسر عرفات

نشر بتاريخ: 11/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: محمد البريم

في الذكرى الخامسة عشر لرحيل الشهيد المؤسس ياسر عرفات، كان من الأجدر فلسطينياً الاستفادة من تجربته الثورية الفريدة وحنكته السياسية والسير على نهجه، وإجراء مراجعة سياسية شاملة، بما يتمثل بمراجعة الاستراتيجيات الفلسطينية، عبر أسئلة من نوع: أين نجحنا وأين أخفقنا؟ وأن لا تكون مجرد توصيات، بل العمل على وضع اليد على الأخطاء التي كان لها دور، بشكل أو بآخر، بتعقيد المشهد الفلسطيني، وإيصاله إلى وضعه الحالي، والخروج من الواقع واستبداله بحالة تنقلنا من ردة الفعل إلى الفعل.
تستحق تجربة الرئيس ياسر عرفات الإنصاف والتقييم، كان يمكن الاستعانة بها في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخ شعبنا وقضيتنا والبناء عليها، في
ظلّ حالة من التردي العربي والخذلان الذي تمرّ به القضية الفلسطينية.

كان عرفات محافظاً على أن لا يقطع شعرة معاوية مع أحد من أبناء شعبه، وكان يحتوي كل تيارات شعبنا، وجميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني بدون تمييز، وكان الأب والأخ والصديق والإنسان والموقف، وهذا ما نفتقده اليوم.

من الصعب أن نعثر على عرفاتية جديدة، وأن نرى ما كان يفعله الزعيم، حينما يتعلق الأمر بحال الناس. وهنا أورد قصة من آلاف القصص: كان الشهيد الرئيس ياسر عرفات، يقرأ الصحيفة فشاهد مناشدة لطفل مريض وحالته حرجة جدا يدعى محمد فضل السلطان، فلم ينتظر أن يوّقع على كتاب لعلاج الطفل، وقام بالتوقيع على الصحيفة التي يقرأها مخاطبا وزير الصحة الدكتور، رياض الزعنون، بعلاج الطفل فورا، ووقع على الصحيفة أيضا، آمراً المسؤولين بتوظيف والد الطفل، حتى يوفر لهم حياة كريمة.

كان الطفل رضيعا يهدّده الموت، مصاب بمرض خطير ونادر، ويحتاج لعلاج خارج فلسطين، وخرج للعلاج بأمر الرئيس، ياسر عرفات، آنذاك. الآن هو متزوج، ويحتفظ بالصحيفة التي خطّ عليها أبو عمار قبل 22 عاما قرارات علاجه وأنقذ حياته.

واضيف ايضا قصة ظافر النوباني الذي عمل مديرا للمساعدات الانسانية في مكتب الرئيس ياسر عرفات قائلا: "عشرة سنوات أمضيتها بقربك يا حليف الفقراء و الشهداء و اليتامى و المساكين، ستشهد أناملي كم من الاف الاسماء التي خطتها لك في رفع مظلمه أو علاج مريض أو مساعده طالب، كم كنت تغضب و تزمجر علينا حين نتأخر عن إرسال البريد اليومي الخاص بالقضايا الانسانيه، ذات يوم صرخت بنا لعدم وجود كشف مرضى ( الإخصاب ) و لقنتنا درساً قاسياً غاضباً حول التمدد الديموغرافي و أهميه التكاثر الفلسطيني في الأرض المقدسة، حتى أصبحنا نُعد كشوفات يوميه لمساعده المتعثرين من الزواج لمساعدتهم، كم من الابتسامات صنعتها على وجوه أهل المرضى حين تأمر وزاره الصحه و الماليه لتغطيه نفقات علاجهم في المكان المناسب حتى لو بعواصم العالم. الصحه و التعليم و أبناء الشهداء و الاسرى كانوا أصحاب الحذوه و الاهتمام في تقديم كل ما يلزم، لم اذكر يوماً أن أُعيد إليّ بريداً إنسانياً دون توقيعك الجميل و عباراتك الانسانيه و ملاحظاتك الهامه الداعيه إلى المتابعة و إعلامك، كان الفرح و الدعاء يعم قلعتك الجميلة و الابتسامات الصادقة تعلو الوجوه حين اخبرهم بانك أمرت بصرف الرسوم الجامعية لأبناءهم، آلاف من البيوت التي كانت عامره في زمانك يا والدي، الأخ أبو عمار هي احب ما كنت تسمعه من شعبك فلا فخامة و لا دوله و لا معالي و لا سياده بل أصدرت مرسوماً بمنع إضافه أي لقب أمام اسم أي موقع سوى الأخ أو الرفيق، و كنت تصف من يخاطبك بكلمات التفخيم بالمنافق، بذكرى وفاتك يا والدي تبتهل قلوب الناس بالدعاء لك، و أطمئنك بأن حلفاءك من الفقراء و البسطاء و الغلابا و أسر الشهداء و الاسرى لا زالوا يأمون ضريحكم للدعاء لك و لا زالوا على العهد"

هذا الاهتمام الكبير بذكرى رحيل الزعيم الخالد يعبّر عن حنين لزمن العرفاتية، زمن لم يغلق بابه فى وجه أحد، زمن لم يصل فيه الناس إلى حد الموت جوعا، زمن غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى، زمن الوحدة الوطنية والقرار الوطني المستقل.