الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأُمور بخواتيمها ... أشبعناهم شتما و"صواريخا" وفازوا بالإبل

نشر بتاريخ: 17/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: السفير منجد صالح

أعترف بأنّني ترددت قبل أن أكتب هذا المقال، تردّدت كثيرا وقليلا. قليلا وكثيرا. وخاصة وأن دم الشهداء، الأكارم عند ربّهم، ما زالت ساخنة، وربما لم يتم تنظيف بقع دمائهم بعد من بعض الأماكن. وأن غزة بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام حزين من ما جرى في يومي القتال الدامي بين حركة الجهاد الإسلامي وبين إسرائيل المعتدية دائما.
ولكن لا بدّ من وضع النقاط على الحروف، ولا بدّ من قرع الجرس، ولا بدّ من تحريك المياه الراكدة وهزّ القارب.
أوّلا وقبل كل شيء، أودّ أن أسجّل تقديري العالي لكل مقاتلي الجهاد الإسلامي، مقاتلين وكوادر وقيادات. وأنّ أصغر مقاتل منهم يتمنّطق برشاشه ويسهر على الثغور، يستحق أن تُرفع له القبّعة إحتراما وتبجيلا وإعتزازا.
ونترحّم على شهدائهم، شُهدائنا، المقاتلين والقادة، في غزة وفي دمشق. ونترحّم على شهدائنا من الشعب الفلسطيني المدني الأعزل الصابر، الذين باغتتهم قنابل وصواريخ الغدر الصهيونية وهم في مخادعهم، في فراشهم، في "مأمنهم"، مثل أطفال ونساء عائلة السواركة المظلومة المنكوبة.
إسرائيل دولة معتدية مجرمة مغتصبة محتلّة، بنت دولة تعجّ بالسلاح وبالقتلة، بمزاعم واهية: "شعب بلا ارض لأرض يلا شعب". هم لا يعتبروننا شعبا منذ البداية. لا يتعاملون معنا كبشر نستحق الحياة، وإنما يتعاملون معنا حسب مقولة: "العربي الجيد هو العربي الميّت"!!!
لكن قضيّتنا، معضلتنا، مأساتنا لم تأتي كلّها فقط على أيدي الصهاينة المتغطرسين المعتدين اللئماء. فبعض من أبناء جلدتنا الذين خرجوا من بين ظهرانينا أضرّوا بالقضية الفلسطينية، شدّوها الى الوراء، بعلمهم أم بجهلهم، دسّوا السم في "حجرها" وفي مسامات جسدها.
وحتى لا ننكأ جراح الماضي أو جروح الماضي، بداية من سحق الفدائيين الفلسطينيين في أحداث أيلول الأسود عام 1970 مع الجيش الاردني في الاردن، وأحداث جرش وسقوط القائد الشهيد أبو علي إياد الذي قال: "نموت واقفين ولن نركع".
ومرورا بقتل الفدائيين والفلسطينيين في الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975 وسقوط مخيم تل الزعتر تباعا بعد عام، ونحر سُكّانه على يد رجال بشير الجميل وسمير جعجع وإيلي حبيقة وبمباركة قوات الردع العربية التي كانت في معظمها من الجيش السوري حينذاك.
وإنتهاءا بمجزرة صبرا وشاتيلا لللاجئين الفلسطينيين حيث نحرت قوات الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية التابعة لسمير جعجع أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني في المخيّمين وعلى مدى ثلاثة أيام في شهر سبتمر 1982، بحماية ومباركة شارون.
من هي هذه القوّة الجهنّمية التي ترمي بالشعب الفلسطيني في أتون المجازر والمآسي؟ وهل مكتوب على هذا الشعب الصابر المكافح أن يخرج من مجزرة الى مجزرة أخرى، على أيدي الصهاينة أولا وأولا وثانيا، وعلى أيدي نفر من أبناء جلدتنا ثانيا وثالثا. لماذا يسهل وضع السكين على رقبة الفلسطيني وجزّها؟؟؟!!!
لماذا نستمر في إنتهاج سياسة "عنزة ولو طارت"، ونستمر في "القص في أثر الذئب وهو أمامنا"؟؟؟!!! أما آن لهذا الشعب الفلسطيني أن يجد حصانة، بطريقة ما، من هذه المجازر والمآسي التي تلاحقه؟!
هل توازي المكاسب الشخصية والحزبية رقابا غضّة، لأطفال ونساء لا ذنب لهم إلا أنّهم تواجدوا في مكان ما في لحظة ما من الجنون واللهب؟؟!!
إذا كان الظالمون يتكاتفون في إيقاع الظلم على شعبنا، فلماذا لا يتكاتف الفلسطينيّون حتى يدرأوا الظلم عن كاهلهم وكاهل ِأطفالهم؟؟!!
إنقلاب حماس عام 2007 على نفسها وعلى السلطة التي تمثّلها، كون رئيس الوزراء كان منها، لم يجلب إلا المآسي على الشعب الفلسطيني الصابر في قطاع غزة. يجب أن نسمّي الأشياء بأسمائها وأن لا "نبقى نطيش على شبر ماء"!!! لقد جلب هذا الإنقلاب البغيض آلام ومآسي مباشرة تمثّلت في قتل العشرات من الكوادر والمناضلين، و"تطيّر" عشرات الأرجل والسيقان لآخرين بقوا مقعدين على كراسي متحرّكة، وذنبهم أنّهم ليسوا من حماس. أي إحتكار للصواب هذا؟؟!!
وهل كان موقف حماس، القوّة التي تسيطر على قطاع غزة، وأدائها صائبا؟؟؟ في معركة "صيحة الفجر" بين إسرائيل المعتدية والجهاد الإسلامي الذي حاول بما لديه أن يصمد في وجه آلة القتل الصهيونية المرعبة، وتكبّد والشعب الفلسطيني في غزة خسائر معتبرة في الأرواح والممتلكات.
أم أنّها تصرّفت كأي نظام عربي يريد أن يحمي رأسه وأن يحافظ على كرسيه ومكاسبه؟؟!!
لقد صرّح السيد السنوار، حاكم غزة العسكري، عذرا أقصد قائد غزة العسكري، قبل حفنة ايام فقط قبيل العدوان الإسرائيلي. دفع صدره وشرب من حليب السباع وقال إن لديهم في غزة آلاف مألّفة من القذائف كفيلة بأن تُحيل المدن الإسرائيلية الى مدن خالية، أو مدن أشباح. وأن لديه 70 ألفا وربما 90 ألفا من الرجال تحت السلاح، يعني جيش جرّار وعرمرم.
لم يبان أثر للسيد السنوار ولا لجيشه العتيد خلال يومين مُرّين من القتال المتواصل بين غزة، عرينه ومهجعه، وإسرائيل. السنوار "فص ملح وذاب" في ربوع رمل غزة، إبرة ضاعت في كومة قش بين بيّارات وحواري القطاع. أم أنّ السيد السنوار يدّخر قوّته ورجاله وصواريخه كي يدافع عن "أسوار عكا وجامع الجزّار في حالة أنبعاث نابليون بونابرث ثانية من سباته ومهاجمته المدينة الحصينة"؟؟؟!!!
أصبحنا في زمن لا نفهم فيه شيء، أم أن كل شيء مفهوم لكننا لا نكاد أن نصدّق ما يجري أمام سمعنا وبصرنا!!!
بعد يوم من "وضع الحرب أوزارها"، زار نتنياهو بطارية قبة حديدية وأثنى على المقاتلين والمقاتلات، وأشاد بالجيش وبالشاباك على هذا الإنجاز العظيم الذي حققوه. "حققنا أهداف العملية العسكرية بأكملها ويمكننا الوصول لأي شخص حتى بفراشه". أضاف: "العملية كانت تسعى الى إستهداف قائد الجهاد الإسلامي وتمّت تصفيته". أهنيء مقاتلينا ومقاتلاتنا، القادة والقائدات، على الإنجاز الإستثنائي الذي حقّقته منظومة الدفاع الجوّي في تجنّب أي إصابات في طرفنا.
بالمقابل خرج علينا كاتب وسياسي فلسطيني بعنوان مقال يقول: "إستشهاد أبو العطا مدخل لإنهيار إسرائيل!!!". إنهيار إسرائيل؟؟؟!!! ماذا تقول يا رجل؟؟؟ وهل إسرائيل بيت من البسكوت ستنهار بمجرّد إطلاق كلمات مقالك عليها؟؟!!
وخرج علينا صحفي ومختص بالشأن الإسرائيلي بعنوان مقال: "رئيس الشاباك خدع نتنياهو وورّطه في نار غزة ومصيدة أبو العطا!!!! والله يا أخي ما أنا عارف مين نصب مصيدة لمين، أبو العطا أو نتنياهو؟؟؟ لكن الواضح إنّه نتنياهو هو من صاد ابو العطا مع الاسف الشديد وليس العكس. ولسان حال نتنياهو يقول لندّاف، رئيس الشاباك: "ياما أحلى هيك توريطة". "توريطة صفّوا بها القائد الشهيد أبو العطا". أم أننا سنرفع رايات النصر على مأساة حلّت بنا وعلى إنجاز حققه نتنياهو وجيشه؟؟
أمّا حركة حماس التي تعاملت مع "المعركة" "بأذن من طين وأذن من عجين"، فقد ذهبت في إجازة مدفوعة الأجر لمدة يومين، اللهم إلا من بعض الأمور المكتبية كرد باسم نعيم، أحد قيادييها، على بيان الإتحاد الأوروبي حول الأحداث وأن البيان منحاز لإسرائيل. شكرا يا سيدي على الملاحظة القيّمة!!!
أمّا السيد موسى أبو مرزوق، القيادي البارز في حماس فصرّح قائلا: "المواجهة الشاملة تحتاج الى موافقات كاملة وإستعدادات ملائمة وخطط متكاملة من البداية وحتى النهاية ومن الدخول حتى الخروج!!!".
وأنا أزيد وأقول: "نط الشيخ عالتوتة ... والتوتة بدها سلّم ... والسلّم عند النجّار ... والنجّار بدّو مسمار ... والمسمار عند الحدّاد ... والحدّاد بدّو بيضة ... والبيضة عند الجاجة ... والجاجة بدها قمحة ... والقمحة في الطاحونة ... والطاحونة مسكّرة .......