الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كسر عظم

نشر بتاريخ: 28/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: اللواء بلال النتشة

لا يمكن اعتبار الاجتياح الإسرائيلي الاخير لبقية المؤسسات المتناثرة في القدس العربية، الا بمثابة عملية كسر عظم مع السلطة الوطنية الفلسطينية والمجتمع المقدسي الذي يتلقى الخدمات من هذه المؤسسات. وهي أيضا رسالة رفض قوية لوجود مكتب ومراسلة لفضائية فلسطين الصوت الاعلامي الحر الذي يكشف الوجه القبيح للاحتلال في هذه المدينة التي تذبح في اليوم الف مرة دون ان يذرف العرب والمسلمون دمعة واحدة على اخر ما تبقى لهم من عنوان للكرامة والهوية .... انها يبوس الحزينة المذبوحة من الوريد الى الوريد على مرأى من العالم الذي يرقب دمها المسفوح بلا ادنى مبالاة .
بمعنى أوضح، هي المعركة الحاسمة التي تخوضها إسرائيل ضد كل ما هو عربي وفلسطيني في القدس مستخدمة بطشها العسكري ومستندة وفق اتفاق أوسلو الى ما يسمى ب "قانون تحديد النشاط ". 
لكن الامر تجاوز التحديد ووصل حد الغاء الوجود الفلسطيني في المدينة وذلك بالاتكاء على قرار الرئيس الأميركي اعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال . وهذا الامر حسمته الإدارة الأميركية دون تفاوض ، راضخة لتأثير اللوبي الصهيوني واذرعه الاستيطانية المتمكنة في البيت الأبيض والتي تشكل مواقف ترمب على مقاساتها وبما يؤدي الى تحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على توحيد القدس كمدينة ذات اغلبية يهودية واقلية فلسطينية وتقطيع اوصال الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان على أراضيها والسيطرة على الاغوار والإبقاء على الانقسام وبذلك يستحيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة فيما القطاع يستقل ذاتيا على جميع المستويات على شكل انفصال كامل عن الضفة مما يعني حسم الصراع لصالح دولة الاحتلال .
عطفا على ما ذكر فإن الانقضاض على القدس له معنى سياسي كبير وهو ان إسرائيل تنطلق من تصفية الوجود الفلسطيني الرسمي فيها نحو قتل حل الدولتين وانهاء الاتفاقيات السياسية الموقعة مع منظمة التحرير وفرض امر واقع جديد يتجسد في إعادة ترتيب انتشار الاحتلال في الأراضي الفلسطينية دون تكاليف مع وجود سلطة بصلاحيات محدودة جدا تنحصر فقط في تقديم الخدمات والرواتب فيما تبقى اذرع الاحتلال الأمنية منتشرة في طول الضفة وعرضها وهو ما يواجه ب" لا " واضحة من قبل الرئيس محمود عباس " أبو مازن" والقيادة الفلسطينية وحكومة د. محمد اشتية ... هذا الموقف المعبر عنه في كل المناسبات محليا وعربيا ودوليا والذي يؤكد على ان الحل الوحيد للصراع العربي - الإسرائيلي يقوم على انهاء الاحتلال بكل اشكاله وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس .
تأسيسا على ذلك فان على إسرائيل الغارقة في ازمة تشكيل حكومتها والتي مهما كانت تشكيلتها فإنها حتما ستقوم على من يوغل في سفك دما ء شعبنا اكثر ممن سبقوه ، ان تدرك بان الشعب الفلسطيني وقيادته لن يرضخوا للأمر الواقع الذي تحاول دولة الاحتلال املائه علينا فهذا الزمن قد ولى بغير رجعة . وعلى الجميع ان يدرك ان الشعب الفلسطيني لم يفقد خياراته وان الباب مازال مفتوحا على مصراعيه لكل الاحتمالات وما الاستفزازات الإسرائيلية الا الشرارة التي ستشعل النار في الهشيم والذي لن تستطيع كل مياه المتوسط اخماده .
ان مواجهة الإجراءات الإسرائيلية في القدس والمدعومة اميركا بدون خجل اذ لا يفوتنا الإشارة في هذا المقام الى قرار وزير الخارجية مايك بومبيو الذي رفضته غالبية دول العالم ، حول قانونية وشرعية الاستيطان في الأرض المحتلة الذي يتعمق بشكل غير مسبوق سواء في المستوطنات القائمة او عبر بناء مستوطنات جديدة ، سيكون على المستويات المحلية والعربية والدولية ولن يتوقف الحراك الجماهيري حتى يسقط المخطط الاحتلالي بتهويد القدس ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة .
أخيرا فإنني ابرق الى العالمين العربي والاسلامي رسالة الشعب الفلسطيني العنيد والتي ملخصها ان القدس ليست بحاجة الى من يبكي او يتباكى عليها بل هي بأمس الحاجة الى يشمر عن زنديه ويعمل بصمت لأجلها ولكل من يجند وسائل الدعم والمؤازرة لأهلها الواقفين بلا مظلة تحت هطل المطر وذلك حتى يتمكنوا من تجاوز زمن التهويد الإسرائيلي ويصنعوا زمنا مقدسيا ينبعث منه نور الامل بالخلاص من اخر احتلال في تاريخ البشرية . وفلسطينيا فانه آن الأوان لطي صفحة الانفصال والعودة الى خندق الوحدة الوطنية فما يجمعنا اكثر بكثير مما يفرقنا وليكن هناك عقد اجتماعي يجمعنا أساسه " الوطن فوق الجميع والوطن قبل كل شيء " والا سوف يلعننا التاريخ وتنبذنا الأجيال القادمة . واسرائيليا نقول : على دولة الاحتلال ان تدرك انها لن تكسب معركة كسر العظم التي تخوضها ضدنا مستغلة حالة الضعف الدولي والعربي وتمرد الإدارة الأميركية على العالم . وعليها ان تعلم ان عظمنا اصلب بكثير مما تتوقع فقد خبرتنا كثيرا في كل الحروب التي شنتها علينا في الوطن والشتات فهذا الشعب المعطاء والذي يزف شهداءه بالورود والياسمين لن يركع ولن يهزم طالما انه يتسلح بالإيمان بعدالة قضيته وبقناعاته التاريخية بان الاحتلال الى زوال مهما طال زمنه .