الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف نخلق الطلب من خلال العرض في سوق العمل الفلسطيني

نشر بتاريخ: 30/11/2019 ( آخر تحديث: 30/11/2019 الساعة: 14:16 )

الكاتب: سامر سلامه

جدلية العلاقة بين العرض والطلب في سوق العمل الفلسطيني كثيرا ما تضع الإقتصاديين أمام تحديات كبيرة في إيجاد أفضل الطرق والممارسات الفعالة نحو إحداث التوازن المطلوب. وبالرغم من كل المحاولات التي تبذلها كافة أطراف الإنتاج نحو إحداث ذلك التوازن المنشود إلا أن النتائج غالبا ما تكون أقل من التوقعات والسبب يعود إلى الخلل الحاصل في هيكلية الإقتصاد الفلسطيني الذي يعاني الكثير من التحديات المتمثلة في إستمرار الإحتلال أولا وإستمرار الزيادة السكانية التي تعتبر الأعلى في العالم وإستمرار عدم مواءمة مخرجات التعليم وإحتياجات سوق العمل. أضف إلى ذلك التغير والتطور السريع الذي يحدث على طبيعة التخصصات والمهارات والكفايات المطلوبة للقرن الحادي والعشرين الأمر الذي يفرض على واضعي السياسات الإقتصادية تحديات إضافية نحو إحداث التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل الفلسطيني. ولكي نعطي الموضوع حقه فإن هذه المشكلة وهذا التحدي المتمثل بإحداث التوازن بين العرض والطلب يعتبر تحديا عالميا تواجهه معظم الدول في العام والتي تعتبر ظروفها السياسية مستقرة نوعا ما أو على الأقل هي دول ذات سيادة وليست دول ترزح تحت نير الإحتلال كما هو الحال في الحالة الفلسطينية. فالمشكلة تصنف على أنها مشكلة عالمية ولكن الحلول يجب أن تكون محلية أو وطنية.
في محاضرة له حول التخطيط الاستراتيجي المستقبلي قال "بيتر هو" كبير المستشارين في مركز الاستراتيجية المستقبلية بجمهورية سنغافورة "أن الإستثمار في راس المال البشري هو أول وأهم هدف إستراتيجي نسعى إليه. فسنغافورة ليست دولة نفطية أو دولة لديها موارد طبيعية نعول عليها وإنما لدينا رأس مال بشري ونريد أن نستثمر بالأدمغة البشرية". وهذا ما فعلته سنغافورة وهكذا حققت سنغافورة معجزة القرن. ومن هنا فإنني أعتقد جازما أن الإستثمار في رأس المال البشري هو الطريق الوحيد لقلب معادلة التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل وبالتالي خلق الطلب من خلال العرض. فقد أصبح واضحا ومعروفا للمتتبعين لتطور الأعمال في القرن الحادي والعشرين، فإننا نرى أن إكتساب المهارات والكفايات والمعارف الخاصة بهذا القرن قادرة على خلق فرص عمل جديدة، وخاصة أننا قد بدأنا في ملاحظة موت العديد من المهن التقليدية لصالح مهن عصرية لم نكن نعرفها من قبل وذلك بفعل التطور التكنولوجي الحاصل. فعلى سبيل المثال لا الحصر مهن الأتمته وورقمنة الأعمال وتطور الأدوات والمعدات الذكية وإستخدامها بشكل واسع في كافة مناحي الحياة أصبحت هي المهن ذات المستقبل الموعود الأمر الذي يتطلب إكساب الأشخاص مهارات خاصة للتعامل معها وإستخدامها وتوظيفها وصيانتها، مما يضع كافة المؤسسات التعليمية ومؤسسات الأعمال أمام تحدي من نوع آخر الا وهو تغيير نمطية الإستثمار في رأس المال البشري نحو كوادر بشرية ذات مهارات عصرية تناسب متطلبات العصر. والسؤال المطروح علينا في كيفية الوصول إلى هذا الهدف بالسرعة المطلوبة حتى لا نجد أنفسنا نعيش في زمن ما قبل القرن الحادي والعشرين؟!.
ففي طريق بحثي المستمر لإيجاد أفضل الطرق والوسائل للوصول إلى إستثمار أمثل في رأس المال البشري الفلسطيني وبعد تتبع تجارب بعض الدول المتقدمة والتي حققت الكثير من الإنجازات على هذا الصعيد مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان وألمانيا والهند والبرازيل والتي تشبه ظروف بداياتها ظروفنا الحالية في فلسطين فإنني قد خرجت بأربع مبادرات أو توجهات إذا أحسنا تنفيذها فإننا سنصل إلى مستوى لا بأس به من التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل. وهذه التوجهات تركز على جانب العرض أي على جانب الإستثمار في رأس المال البشري الفلسطيني نحو تطوير معارف ومهارات وكفايات الشباب الفلسطيني لتتناسب ومتطلبات القرن الحادي والعشرين وبالتالي خلق فرص عمل جديدة غير تقليدية. وهذه المبادرات أو التدخلات هي: الإدماج (Inclusion) وتطوير المهارات والكفايات المعاصرة (Skills & Competences) وتشجيع الإبداع (Innovation) وتطوير الصناعة (Industry). إن تنفيذ هذه المبادرات أو التدخلات ليست بحاجة إلى تدخل حكومي رسمي أو عبر النظام التعليمي الرسمي وإنما يمكن أن يكون عبر المبادرات المجتمعية التي تقودها مؤسسات المجتمع المدني أو مؤسسات القطاع الخاص ولكن بتوجيه وتشجيع من الحكومة أو المؤسسات الرسمية.
فالإستثمار الفعال في رأس المال البشري يتطلب أولا التكامل والإدماج بين جيمع المبادرات والبرامج التي تستهدف الموارد البشرية في فلسطين وأقصد هنا ضرورة إشراك جميع فئات المجتمع من شباب ونساء وأطفال في عملية تصميم البرامج التعليمية والتدريبية وتنفيذها وتقييمها وتطويرها بالإضافة إلى خلق تناغم قوي بين المؤسسات والوزارات الحكومية والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في عملية رسم السياسات الخاصة بتطوير الموارد البشرية الفلسطينية وفتح الأبواب على مصراعيها لأصحاب المبادرات الخلاقة في هذا المجال.
وثانيا يأتي تطوير المهارات والكفايات الخاصة بالقرن الحادي والعشرين من خلال دعم وتطوير ومساندة وشرعنة التعليم غير النظامي والتركيز على تطوير رغبة الأطفال والشباب لتعلم العلوم والرياضيات عن طريق إستخدام طرق تعليمية تفاعلية مشجعة ومسلية في نفس الوقت وتنظيم بطولات خاصة في هذا المضمار وتشجيع الإبتكار في أساليب التدريس وجعلها أكثر تفاعلية ومسلية والتركيز على الأطفال والبدء مع الصفوف الأولى وليس الإنتظار إلى الصفوف العليا أو التعليم الجامعي. كما أن الإستثمار في التعليم والتدريب المهني والتقني وخاصة المهن العصرية أصبحت ضرورة ملحة من خلال زيادة الإستثمار في التدريب المهني المستمر والتدريب المهني في مكان العمل. مع ضرورة فتح الأبواب أيضا على مصراعيها للإبتكارات في موضوع التدريب المهني وأساليب التدريب المبتكرة والتفاعلية والتدريب المهني غير النظامي الذي يركز على الهوايات وتنميتها.
وثالثا يأتي تشجيع الإبتكار والريادة في الأعمال من خلال تنمية وإحتضان الهواة والأعمال المبتكرة وتقديم كافة التسهيلات والتشجيع لها لأنه كل فكرة ريادية أو هواية شخصية يمكن أن تتحول إلى مشروع ريادي إنتاجي متميز وهذا يتطلب تأسيس وبناء قدرات مؤسسات أهلية مجتمعية خاصة قادرة على إستيعاب الهواة وإحتضانهم وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لهم.
وأخيرا تطوير الصناعة وخاصة تلك الصناعات التي لا تتطلب إستثمارات ضخمة مثل الصناعات التكنولوجية من خلال تعزيز المسؤولية الإجتماعية للشركات الكبرى وتعزيز مساهمتها في تشجيع الهواة والمبادرين ودعم الشركات الناشئة والمبادرات التي تؤدي إلى خلق فرص عمل من خلال الإبتكار في الصناعة والتكنولوجيا.
فخلاصة القول أنه عندما نذهب للتسوق في مركز تجاري كبير فإننا كثيرا ما نشتري حاجات لا نحتاجها وإنما نجد أنفسنا مغرمين على شرائها لأننا إنجذبنا لها فالحاجة ليست المعيار للتسوق وإنما الإنجذاب. وهذا المبدأ ينطبق تماما على التسوق في سوق العمل فإننا إذا إستطعنا عرض كوادر بشرية جذابة ذات مهارات وكفايات خاصة فإن الكثير من المشغلين أو رجال / نساء الأعمال ما ينجذبون نحوهم وبالتالي إستقطابهم للعمل لديهم الأمر الذي نخلق الطلب من خلال العرض الجذاب.
هذه المقالة ملخص لمحاضرة للكاتب في جامعة بولتكنيك فلسطين