الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما خفي اعظم .. التوقيت والتداعيات

نشر بتاريخ: 03/12/2019 ( آخر تحديث: 03/12/2019 الساعة: 12:46 )

الكاتب: د.علي الاعور

لقد بثت قناة الجزيرة يوم امس الأول مساء الاحد برنامج " ما خفي اعظم " يتعلق بفشل عملية الوحدة الإسرائيلية الخاصة " سييرت متكال" وتُعرف بـ "الوحدة". وهي وحدة عسكرية خاصة و منتخبة في الجيش الاسرائيلي وخاضعة مباشرة لهيئة الأركان وتصنف مع دائرة الاستخبارات العسكرية وقد فشلت تلك الوحدة في عملية خانيونس وادت الى مقتل قائدها وتدخل سلاح الجو الإسرائيلي والطائرات الإسرائيلية في انقاذ عدد من افراد الوحدة وربما جميع افراد الوحدة .
وبداية لا بد من الإشارة الى العمل البطولي الذي قدمته كتائب القسام وأجهزة الاستخبارات في حركة حماس وتمكنها من كشف افراد الخلية والتحقيق معهم لمدة أربعين دقيقة والاشتباك معها قبل وصول وتدخل سلاح الجو الإسرائيلي بالإضافة الى سيطرة كتائب القسام على كم هائل من أجهزة التنصت والكاميرات والأسلحة التي تم عرضها من خلال برنامج وتحقيق " ما خفي اعظم" والذي بثته قناة الجزيرة وهذا يؤكد مدى قدرة حركة حماس وكتائب القسام العسكرية والاستخباراتية من خلال كشفها للوحدة الخاصة الإسرائيلية وهذا في حد ذاته انجاز وطني فلسطيني لا يمكن تجاهله امام مقولة القادة العسكريين الإسرائيليين " الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر" وبالتالي سجلت حركة حماس انتصار عسكري على الجيش الإسرائيلي والوحدة الخاصة الإسرائيلية واعترف الجيش الإسرائيلي بفشل العملية وعقد كبار القادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي عدد من الاجتماعات لاستخلاص العبر والدروس من تلك العملية الفاشلة والاعتراف بقوة حماس العسكرية مع الفرق في التكنولوجيا والأسلحة وترسانة الأسلحة لدى الجانبين .
اعتقد ان هذا البرنامج وبثه بكل تفاصيله والكشف عن المعلومات بالصوت والصورة شكل ضربة قوية لدى دائرة الاستخبارات ودائرة المعلومات في الجيش الإسرائيلي والرقابة على نشر المعلومات للجمهور الإسرائيلي وبالتالي كشفها من قبل حركة حماس وكتائب القسام كانت لها تداعيات على الشارع الإسرائيلي والشارع الفلسطيني وربما على المنطقة الإقليمية وعدد من دول الشرق الأوسط بشكل عام.
اما في الشارع الإسرائيلي فقد تم تداول برنامج ما خفي اعظم في جميع وسائل الاعلام الإسرائيلية المرئية والمسموعة والمكتوبة بالإضافة الى جميع أعضاء المنتديات والمفكرين والباحثين الإسرائيليين لدراسة وتحليل الفيديو الذي بثته قناة الجزيرة لكي يعرف الجهور الإسرائيلي وعناصر الجيش الإسرائيلي ما حصل في تلك الليلة لدى أعضاء الوحدة الخاصة الإسرائيلية واعتقد ان تأثير هذا البرنامج كان له صدى وتأثير كبير على جميع فئات الجمهور الإسرائيلي وفي مقدمتهم كبار القادة العسكريين واعترافهم بفشل العملية والامكانيات التي تمتلكها كتائب القسام وحركة حماس على الصعيد العسكري والاستخباراتي وبالتالي الضغط على حكومة إسرائيل ونتنياهو لمنح مزيد من التسهيلات الى قطاع غزة والالتزام بالتفاهمات بين حماس وإسرائيل نحو تخفيف الحصار والضغط على الجهات والقوى الإسرائيلية المعارضة لسياسة نتنياهو تجاه التهدئة طويلة الأمد مع حماس ومنحها تسهيلات اقتصادية كبيرة.
اما تأثير بث ذلك البرنامج على الشارع الفلسطيني وتوقيت بث هذا البرنامج فإنني اعتقد ان حركة حماس ارادت ان ترسل مجموعة من الرسائل السياسية الى عدد من اللاعبين في الساحة الفلسطينية والى الجمهور الفلسطيني بشكل عام وجماهير غزة بشكل خاص.
وهنا يبرز سؤالين مركزيين في هذا الاطار :
السؤال الأول : لماذا اختارت حركة حماس هذا التوقيت بالذات وما هي الرسائل التي ارادات ارسالها ؟
السؤال الثاني: هل تملك حماس مزيدا من أجهزة التنصت والكاميرات والتسجيلات الأخرى التي تركتها الوحدة الإسرائيلية الخاصة خلفها ومتى سوف تبث الفيديو الثاني ؟
اما السؤال الأول : فقد ارادت حركة حماس ان ترسل رسالة الى الجماهير الفلسطينية والى جماهير غزة " بان حركة حماس مازالت تقود حركة المقاومة ومازالت تتبنى استراتيجية المقاومة من خلال هذا الفيديو وإبراز جاهزية كتائب القسام وعناصر القسام لأية معركة مستقبلية مع الجيش الإسرائيلي . وفي الجولة الأخيرة بين الجيش الإسرائيلي وحركة الجهاد الإسلامي بعد اغتيال القائد بهاء أبو العطا واتخاذ حركة حماس قرار بعدم المشاركة والبقاء على الحياد للحفاظ على التفاهمات والتهدئة مع إسرائيل ظهرت حماس في موقف لا تحسد عليه من قبل جماهير الشعب الفلسطيني بانها تخلت عن حركة الجهاد الإسلامي وتخلت عن المقاومة وطرد الزهار من بيت عزاء " أل أبو العطا" شكل ضربة معنوية الى حركة حماس وأكدت الجماهير في غزة ان حماس ذهبت بعيدا في التسوية مع إسرائيل وفي مفاوضات التهدئة طويلة الأمد فكان الرد من حركة حماس لإسكات كل الأصوات التي تشكك في تبنيها للمقاومة او تخليها عن المقاومة فقامت بنشر هذا الفيديو في هذا التوقيت بالذات.
اما الرسالة الثانية التي ارادت حركة حماس ارسالها الى حركة فتح خصوصا بعد تبني حركة حماس وموافقتها على المستشفى الأمريكي في قطاع غزة حيث اكدت حركة فتح وجميع فصائل المقاومة ان المستشفى الأمريكي هو قاعدة أمريكية إسرائيلية للمخابرات الامريكية والموساد والشاباك الإسرائيلي ويمكن غرس عملاء أجانب تابعين للشاباك في هذا المستشفى ، فقد ارادت حماس ان ترد على تلك الأصوات والبيانات من خلال عرض هذا الفيديو في برنامج " ما خفي اعظم" وتؤكد للجميع ان عيون كتائب القسام ساهرة على كل حركة للافراد وعلى كل نملة تدخل قطاع غزة وبالتالي لا يمكن زرع عملاء في ذلك المستشفى.
والرسالة الثالثة : هناك أصوات فلسطينية اكدت ان المستشفى هو جزء من صفقة القرن ومن خطة ترمب للسلام في الشرق الأوسط وبالتالي جاهزية وقبول حركة حماس لخطة ترمب خصوصا ان حركة حماس قبلت بالمستشفى الأمريكي بينما السياسة الأمريكية وقرارات ترمب تطعن الشعب الفلسطيني من الخلف " نقل السفارة من تل ابيب الى القدس – الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل و مساهمة فريدمان السفير الأمريكي بهدم أجزاء من البلدة القديمة في القدس لحفر الانفاق وتهويد القدس وأخيرا اعلان بومبيو وزير خارجية أمريكا " المستوطنات في الضفة الغربية شرعية ولا تشكل انتهاك للقانون الدولي " فأرادت حماس من خلال هذا الفيديو ان ترد على تلك الأصوات بان حماس وكتائب القسام مازالت تملك الكثير للرد على سياسة أمريكا وإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
اما السؤال الثاني : فإنني اعتقد ان حركة حماس وكتائب القسام تملك مزيدا من كاميرات وتسجيلات حول عمل تلك الوحدة الخاصة الإسرائيلية وربما فيها المزيد من المعلومات حول افراد الوحدة الخاصة وعملهم ورتبهم ومناطقهم الجغرافية وربما معلومات عسكرية واستخباراتية مهمة جدا مازالت كتائب القسام تحتفظ بها ربما للضغط على حكومة إسرائيل ونتنياهو في المستقبل وفي عملية تبادل الاسرى أيضا ومن اجل اهداف سياسية في الداخل الفلسطيني ربما تتعلق بالانتخابات الفلسطينية واعتقد ان الفيديو الثاني لن يتأخر كثيرا حسب التطورات في الساحة الإسرائيلية من جهة والتطورات السياسية في الساحة الفلسطينية من جهة أخرى.