الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

رومانيا- شرق الغرب لكنها غرب الشرق

نشر بتاريخ: 13/07/2010 ( آخر تحديث: 13/07/2010 الساعة: 13:23 )
بوخارست - تقرير ناصر اللحام- لا تزال رومانيا غير واضحة من ناحية التعريف الاقتصادي والجيوسياسي بالنسبة للغرب، وفي حين يراها الغرب مجرد دولة شرقية نامية، يراها سكان الشرق الاوسط دولة اوروبية جميلة تحمل سحر الشرق وجمال اوروبا. ولربما في هذا المقام يطيب القول الذي ينطبق على الرومان (بفكر في يلي ناسيني وأنسى يلي فاكرني".

ورومانيا ذات الـ 25 مليونا تقريبا يشق صدرها الجميل نهر الدانوب الشهير، وتمتاز بطبيعة خلابة خضراء ومرتفعات تصل الى 2544 مترا فوق سطح البحر مثل قمة مولدوفينو، ويبدو لي من خلال تاريخها المعاصر انها دولة غير محاربة، وأهلها لا يميلون للعنف ولا حتى للفروسية بل هم منشغلون بالجمال والفن والنحت والرسم، حتى أجيز لنفسي القول انهم صوفيون سياسيون.

تراهم اصحاب سحنة مميزة، شعر رجالهم اسود ولكن عيونهم زرقاء يشبهون جيرانهم في بلغاريا، بينما في مناطق الشمال شعرهم اشقر واكثر قربا من سحنة جيرانهم اوكرانيا، ورغم الازمة الاقتصادية التي تعصف بهم لم يخرجوا في تظاهرات مثل اليونان الاغريقية، ورغم ان الحكومة خصمت مؤخرا ربع مرتب كل الموظفين فيها تراهم يبحثون عن حلول ولا يضيعون اوقاتهم في التظاهرات واغلاق الشوارع، شعب هادئ لدرجة تستفز خصومهم، لكنهم يفهمون في السياسة مثل افضل الدول اذا لم يكن افضل من الاخرين.

على ضفاف بحيرتها تستحضرك المواقف، وتبدأ بمقارنة غير ضرورية ما بين رومانيا والدول الاخرى، وتقريبا نحن سكان الشرق الاوسط نراها جميلة ودافئة مثل عصفور من نور يهفهف بريشه على شجيراتها الملونة.

يمر الزائر من شوارعها فلا يعرف الفرق بين الصخب والهدوء ولا الفرق بين الماء والخضراء والوجه الحسن... بلاد فتية رغم أصالة تراثها وقد حافظت الحكومات الجديدة على قصور تشاوتشيسكو وان كانت مظاهر الخصخصة طغت على كل شارع وزقاق، وعلى كل قصر منيف وتحت كل ظلال وارفة.

رئيس السلطة محمود عباس اصطحب معه في زيارته الى هنا وزير الخارجية رياض المالكي ووزير العمل احمد مجدلاني وعضو اللجنة المركزية نبيل ابو ردينة والمستشار نمر حماد.

وفيما انشغل سفير فلسطين في رومانيا ابو نديم عقل في تحضير لقاءات الرئيس مع القادة الرومان، كان يشغلنا السؤال: ما هو مستقبل الاقتصاد في هذه الدولة التي لم تنضم بعد الى قائمة الشنجن الاوروبي مثل جارتها بلغاريا؟ وما هي خططها الاقتصادية لا سيما وان 5 مليون روماني قد غادروا بلدهم للعمل في اوروبا او دول العالم؟ ولماذا يعتبر الاستثمار الاسرائيلي هنا يوازي كل الاستثمار العربي مجتمعا؟.

رومانيا اعترفت بجواز السفر الفلسطيني عام 1998 وتربطها علاقة جيدة بالسلطة، لكن تربطها علاقة ممتازة باسرائيل كما قال لي الرئيس الروماني تريان باسيسكو حين سألته عن رأيه برئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو؟.

وقال الرئيس باسيسكو انا اعرف نتانياهو جيدا كما اعرف شمعون بيريس، واعتبر ان نتياهو قادر على توقيع اتفاق سلام مع السلطة اذا حصل على ضمانات الامن اللازمة على المدى البعيد، ونحن علاقتنا ممتازة مع اسرائيل ومع الدول العربية، فهناك نصف مليون يتحدثون اللغة الرومانية في اسرائيل ( يقصد ما بين عمال ومهاجرين) وهناك 500 عائلة فلسطينية مختلطة بالرومانيات.

وبعد ان جرى توقيع اتفاقيات اقتصادية وعلمية وتربوية بين السلطة ورومانيا، قال الرئيس عباس في المؤتمر الصحافي بحضور الرئيس الروماني: "نريد بالاساس دعما سياسيا من رومانيا وخصوصا ان لها علاقات طيبة مع اسرائيل ومع الدول العربية"، داعيا الى تفعيل اتفاقية تشكيل لجان مشتركة رومانية فلسطينية وفورا للبدء في التعاون والتبادل.

ومن المقرر ان يزور وفد روماني رام الله قريبا لدراسة سبل الاستثمار والتعاون على الصعيد الرسمي او على صعيد رجال الاعمال.

كما قررت رومانيا رفع حصة المنح الدراسية للطلبة الفلسطينيين من 7 حاليا الى 30 منحة ويمكن ان يبدأ العمل بذلك في العام الدراسي 2011 – 2012 كما سترسل رومانيا خبراء لتدريب الفلسطينيين في السلك الدوبلوماسي.

ورغم اننا نحن الفلسطينيون يشغلنا الجانب السياسي، الا ان الرومان يشغلهم الاقتصاد والاستثمار، ومن هنا تتفوق اسرائيل في التغلغل اكثر واكثر في هذا البلد في السنوات العشرة الاخيرة.

الرئيس اجتمع بعدها مع رئيس الوزراء اميل بوك وقد تشجع الطرفان على ترسيخ التعاون اكثر واكثر، وقال الرئيس امام بوك: "لقد درس الاف الفلسطينيين هنا وتعملوا من جامعاتكم وثقافتكم وافكاركم وتزوجوا من نسائكم ايضا"، وضحك رئيس الوزراء الروماني وقال: "ان هذا يرسخ التعاون اكثر وافضل"، وقال: انه درس في القدس وله اصدقاء كثر هناك.

وقد دعاه الرئيس لزيارة رام الله في أي وقت يشاء علما ان الرئيس الروماني زار رام الله السنة الماضية.

وقد علمنا ان حجم الاستثمار الاوروبي في رومانيا يبلغ 8 مليارات يورو مع انها تحتاج الى 30 مليار يورو لتتعافى، وان وفدا اماراتيا ومن ابو ظبي سيزور بوخارست قريبا لدراسة امر الاستثمار هنا.

ونختفي في شوارع العاصمة بوخارست ونبتعد عن اشجار قصر الرئاسة، وفي الطريق الى المطار حيث نستقل الطائرة باتجاه العاصمة البلغارية صوفيا، ظل في خاطري: رومانيا شرق الغرب وغرب الشرق- والشرق عكس الغرب الا في موازين الرأسمالية، فالشرق والغرب والشمال والجنوب في كفة واحدة، والمسيحي والمسلم والاشقر والاسود كلهم واحد في ميزان العولمة الجديد!.