الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

اشتية: اسرائيل قتلت اتفاقية باريس بإجراءاتها "الأمنية"

نشر بتاريخ: 23/10/2011 ( آخر تحديث: 23/10/2011 الساعة: 18:25 )
رام الله- معا- قال د. محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار-بكدار، إن اسرائيل قتلت اتفاق باريس بإجراءاتها الأمنية، مشيرا إلى أن حجم التسريبات الضريبية بلغ حوالي 200 مليون شيقل شهريا.

وأشار د. اشتية إلى أن السعي الفلسطيني لإدخال تعديلات على اتفاق باريس الاقتصادي والذي يعتبر جزءاً من اتفاق إعلان المبادئ، دون أن يكون هنالك إطار سياسي لهذا الاتفاق، سيكون بمثابة ملجأ للحكومة الإسرائيلية، وسيعمل على تخفيف الضغط الدولي عليها، حيث سيظهر نظريا بأن هناك مفاوضات جارية، بعكس الحقيقة حيث أن المفاوضات السياسية متوقفة بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي، واستمراره في مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وأن المفاوضات الاقتصادية، في ظل توقف المفاوضات السياسية قد تخدم رؤية نتنياهو ومساعيه لترسيخ فكرة ما يعرف "بالسلام الاقتصادي".

وأضاف د. اشتية أن صلاحية اتفاق باريس حُددت عند توقيعها بخمس سنوات فقط، وشكلت نصوص اعلان المبادئ حاجزا امام صياغة اتفاق اقتصادي يتوافق مع المصالح الاقتصادية الفلسطينية وحصر شكل الاتفاق بغلاف جمركي واحد مع اسرائيل، وبالرغم من أن "اتفاق باريس" نص على قضية رئيسية وهي حرية الحركة للتجارة والعمال والبضائع باتجاهين، فإن الإجراءات الإسرائيلية جعلت حركة التجارة باتجاه واحد، من خلال سيطرتها على المعابر ووضع الحواجز، والاجراءات الامنية الاخرى.

وأوضح د. اشتية أن واردات السوق الفلسطيني من البضائع الإسرائيلية تبلغ أكثر من أربعة مليارات دولار سنويا، بينما لا يدخل السوق الإسرائيلية أكثر من 300 مليون دولار وهو ما يظهر حجم العجز في الميزان التجاري بين الجانبين، ولم تقتصر اعاقة حرية البضائع على العلاقات التجارية مع اسرائيل وانما امتدت لتشمل التجارة الداخلية حيث إن دخول السلع والمنتجات الإسرائيلية إلى رام الله قادمة من تل أبيب أسهل من خروجها من رام الله إلى أريحا.

من ناحية أخرى، فقد أجبر الاتفاق الفلسطينيين على اتباع السياسات الإسرائيلية الخاصة بالتصدير والاستيراد، والمواصفات والمقاييس، والذي أعطى بدوره ميزة تنافسية للمنتجات الإسرائيلية، وأحبط قدرة الاقتصاد الفلسطيني على التصدير حيث إن اسرائيل استخدمت المواصفات والتبريرات الامنية كسلاح حماية جمركي لسلعها وأعطتها ميزة تنافسية.

كما أشار د. اشتية إلى أن اتفاق باريس الاقتصادي قيّد السياسة الجمركية الفلسطينية وربطها بالسياسة الإسرائيلية، إلى جانب تقييده حرية الاستيراد والتصدير المباشر، ونتيجة للاجراءات الامنية الاسرائيلية أصبح التجار الفلسطينيين يبحثون عن تجار إسرائيليين للاستيراد من خلالهم لتسهيل عملية الاستيراد، علما ان الجانب الفلسطيني لم يستفد من النوافذ التي اعطيت له بخصوص التبادل التجاري مع العالم العربي و الاسلامي في عدد من القوائم السلعية.

وبين د. اشتية أن بروتوكول باريس الاقتصادي نص على أن يتم تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة والمعروفة بالـ (JEC)، لمناقشة وتعديل بنود الاتفاق حسب احتياجات الطرفين، ضمن اجتماعات دورية تعقد كل 3 أشهر، لكن وبسبب السياسات الإسرائيلية لم يلتئم شمل اللجنة إلا 7 مرات خلال 17 عاما، و لم يصدر عنها اي تعديل أو تحسين جوهري على الظروف المعيشية للفلسطينيين.

واضاف أن الاتفاق بالأساس كان اتفاقا مرحليا يفترض أن يمتد لخمس سنوات، حيث انه قد بني على افتراضات لحاجات تغيرت خلال 20 عاما، وبالرغم من ذلك فقد ادخلت تعديلات اساسية على نصوص الاتفاق وآلية التعامل معه من خلال العلاقات المباشرة بين الوزرات الفلسطينية والاسرائيلية، أو من خلال قرار احادي الجانب من الطرف الفلسطيني الا انه لم يتم اعتماد هذه التعديلات من المستويات التشريعية بين الجانبين.

وشدد د. اشتية على أن تفعيل عمل اللجنة الاقتصادية المشتركة، واجتماعاتها الدورية هو ليس استحداثا، ذلك أن الاتفاق ينص على ضرورة اجتماعها: "يجب التركيز على موضوع اخذ حقوقنا على الأقل من هذا الاتفاق، حيث إن إجبار إسرائيل على تطبيق بنود هذا الاتفاق المجحف أصلا، سيكون له آثار ايجابية على الاقتصاد الفلسطيني، ونموه الحقيقي، حيث إن النمو الحاصل في الاقتصاد الفلسطيني غير حقيقي وناجم بالأساس عن أموال المساعدات والمنح الدولية، والتي تشكل ما نسبته 30% من إجمالي الإيرادات."

وأكد أن سياسة إسرائيل الانتقائية في تنفيذ بنود الاتفاقية اولا، وكبر حجم الاقتصاد الاسرائيلي ثانيا، جعلت من الاقتصاد الفلسطيني رهيناً تحت سيطرتها لأكثر منذ توقيع الاتفاق أي منذ 17 عاماً، منوها إلى أنه وتحت ذريعة الاحتياطات الأمنية، أفرغ الجانب الإسرائيلي، اتفاق باريس من محتواه، وعزز تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي بحيث لم تعد اتفاقية باريس تلبي المتطلبات الوطنية للشعب الفلسطيني، ولا تستجيب لرؤية فلسطين الدولة ولا لتطوير العلاقات الاقتصادية مع دول العالم".

وأكد د. اشتية بأن الفلسطينيين بحاجة لاتفاق سياسي جديد ينهي الاحتلال، ويكون الاتفاق الاقتصادي جزءاً منه، حيث إن التعديلات المتجزئة لن تسهم في حل المشكلة على اعتبار أن هناك خللا بنيويا بالاتفاق القائم، مضيفا أن السبب الاساسي للخلل نتج عن القيود التي فرضها اتفاق اعلان المبادئ حيث اعتمد عدم وجود حدود بين البلدين.

وأشار د. اشتية إلى أن نص الاتفاق الذي يشمل بندا يحرم على الفلسطينيين إقامة علاقات اقتصادية مع دول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حرم السلطة الفلسطينية من إقامة علاقات اقتصادية مباشرة مع 48 دولة بينها دول عربية كالسعودية، كما اجبرهم على احترام الاتفاقيات والالتزامات الموقعة بين إسرائيل والعالم.

ونوه إلى خطورة قيام إسرائيل بحجز أموال الضرائب التي نصت الاتفاقية على أن تقوم هي بجبايتها على معابرها الدولية ومن ثم نقلها للسلطة الفلسطينية ضمن عملية المقاصة بعد أن تحصل رسوم 3 %، كـ"مصاريف إدارية"، معتبرا أن هذه هي من أكثر الأمور إجحافا بشأن اتفاقية باريس والعلاقة مع إسرائيل حيث إن هذه الأموال تشكل أكثر من 65% من الإيرادات المحلية التي يمكن أن تجبيها السلطة الفلسطينية، وبذلك سعت إسرائيل إلى ابتزاز الفلسطينيين متى أرادت، وهذا مخالف للاتفاق.

وشدد على ضرورة أن تقوم السلطة بوضع آليات لتطوير العائدات بما هو مسموح بالاتفاق، حيث إن هناك العديد من القضايا المتاحة بين أيدينا، والتي كان بالإمكان تفعيلها مثل تشكيل مؤسسة للضمان الاجتماعي، لأخذ حقوق العاملين في إسرائيل، حيث نص الاتفاق على تحويل حقوق العاملين بعد قيام السلطة بتأسيس مؤسسة ضمان اجتماعي، كما أكد د. اشتية على ضرورة توثيق الانتهاكات الإسرائيلية، وفرض غرامات على الاستيراد غير المباشر، حيث يلجأ بعض التجار للاستيراد عن طريق تجار إسرائيليين وبوجهة نهائية الى اسرائيل، والبعض الآخر إلى إدخال بضائع اجنبية إلى السوق المحلي مستوردة اصلا من إسرائيل، بالتالي حرمان الفلسطينيين من الإيرادات الضريبية.

وأشار د. اشتية إلى أن الاتفاق حرم الجانب الفلسطيني من استخدام بعض ادوات السياسات المالية بما يتناسب مع حاجاتها، وبخاصة في موضوع الضرائب غير المباشرة وسياسة تحديد أسعار بعض السلع كالمشتقات النفطية وغيرها.

واختتم حديثة بالقول: "بناء على كل ما قلناه سابقا، فلا يجب أن يتم فتح الملف الاقتصادي بمعزل عن إطار واتفاق سياسي ينهي الاحتلال، لأن أي اتفاقات جزئية هي تجميلية أكثر منها جدية، وكذلك بالتفكير الجدي بتفعيل العمق العربي للاقتصاد الفلسطيني خاصة مع مصر والأردن من أجل الانسلاخ تدريجيا عن التبعية للاقتصاد الاسرائيلي."

وجاءت هذه التصريحات خلال ندوة عقدها المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار-بكدار شارك فيها عدد من المختصين الذين شاركوا في صياغة اتفاق باريس، وأكاديميين، وممثلين عن قطاع العمال والقطاع الخاص والوزارات ذات العلاقة.