الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

المطلوب من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية

نشر بتاريخ: 26/02/2015 ( آخر تحديث: 26/02/2015 الساعة: 13:21 )

الكاتب: د.ابراهيم أبراش

جيد أن ينعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير ، حتى يشعر الفلسطينيون أن منظمة التحرير ما زالت موجوده كممثل لكل الشعب ، لكن المهم ليس مجرد انعقاد المجلس ، بل الهدف الحقيقي من وراء الدعوة للانعقاد بعد طول غياب ، وطبيعة القرارات التي سيتخذها . لذا نتمنى أن يكون عقد المجلس المركزي بعد أيام منعطفا وتوجها استراتيجيا ، وليس مجرد مناورة لتمرير أهداف أخرى .

أشار أكثر من مسؤول في المنظمة أن دعوة المجلس للانعقاد له علاقة بالأزمة التي تمر بها السلطة الفلسطينية ، فحيث إن السلطة الوطنية تأسست بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني في ديسمبر 1993 ، فعلى المجلس النظر في حال ومستقبل السلطة . إلا أننا نعتقد ونتمنى أن لا يقتصر عمل جلسات المجلس على مناقشة موضوع السلطة ، بل النظر في مجمل الحال الفلسطيني ، لأن أزمة السلطة جزء من الأزمة العامة ، وحل أو عدم حل السلطة لن يحل أزمة النظام السياسي ولا أزمة منظمة التحرير ولا أزمة حركة فتح ولا أزمة الانقسام ولا أزمة حصار غزة وإعادة إعمارها الخ . أزمة السلطة الوطنية ليست فقط نتيجة الممارسات الإسرائيلية ولكنها أيضا نتيجة أزمة النظام السياسي ومنظمة التحرير ونتيجة ممارسات من هم على رأس النظام السياسي الفلسطيني .

كثيرة القضايا التي تحتاج لمعالجات جذرية وعاجلة ، كإعمار قطاع غزة وحصاره ، والأزمة المالية للسلطة ومستقبلها والمصالحة الخ ، إلا أن القدرة على التصدي لهذه القضايا ومقياس النجاح في ذلك مرتبط بالقدرة على الحسم بطبيعة المرحلة وعنوانها الرئيس ، فهل سيتم التصدي لهذا القضايا في إطار وتحت عنوان سلطة الحكم الذاتي وكيفية إنقاذها من الانهيار ؟ أم يتم ذلك في إطار تجاوز السلطة واستحقاقاتها والعودة لمنظمة التحرير كعنوان لمرحلة حركة تحرر وطني ما زالنا نعيشها ؟ أم أننا تجاوزنا كل ذلك وولجنا مرحلة بناء الدولة والاستقلال ؟ ، دون الاتفاق على طبيعة المرحلة وفي ظل الاستمرار باللعب بالورقات الثلاثة فستكون كل النقاشات عبثية .

المجلس المركزي وحل لغز السلطة
أصبح الحديث عن حل السلطة الفلسطينية وكأنه لغز . فالفلسطينيون يتحدثون عن حل السلطة الفلسطينية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كالقول إنه إن استمرت إسرائيل في ممارساتها فسيتم تسليم مفاتيح السلطة لإسرائيل بمعنى تحميل إسرائيل المسؤولية عن الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ، هذا القول يوحي بأن وجود السلطة يخدم إسرائيل وبالتالي سيتم معاقبة إسرائيل بحل السلطة . ولكن في المقابل فإن مسؤولين إسرائيليين يهددون بحل السلطة وحكومة إسرائيل تعمل على إضعافها سواء من حجب أموال المقاصة أو غيرها من الطرق ، مما يوحي بأن السلطة مصلحة فلسطينية وإسرائيل تهددهم بحلها ! .

على المجلس المركزي الفلسطيني أن يناقش بعقلانية وهدوء مسألة السلطة من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية : هل وجود السلطة يحقق مصلحة للفلسطينيين ؟ أم مصلحة للإسرائيليين ؟ وهل المشكلة تكمن في وجود سلطة فلسطينية ؟ أم في وظائفها ؟ وهل حل السلطة سيؤدي لإخراج النظام السياسي من مأزقه ؟ ومن سيملأ وطنيا فراغ غياب السلطة ؟ وكيف نفكر بحل السلطة ونحن في خضم معركة قيام الدولة ، ولا دولة بدون سلطة ؟ .

لا غرو أن بعض آليات عمل السلطة ، وخصوصا التنسيق الأمني مع الإسرائيليين وعجزها عن مواجهة الاستيطان ووقفه ، أصبح مبررا لتوجيه النقد والشك حولها بل وحول جدوى وجودها، وخصوصا أن إسرائيل لم تقابل إجراءات السلطة الأمنية التي توفر لها ولمستوطناتها الأمن بإجراءات إسرائيلية مقابلة توفر الأمن للفلسطينيين في حياتهم ومعيشتهم وممتلكاتهم وحريتهم في التنقل ، و تعثر مسار التسوية الذي ارتبط وجود السلطة بوجوده بل وصوله لطريق مسدود ، ونضيف لذلك تحول السلطة لهدف بحد ذاته للأحزاب والفصائل الفلسطينية يبرر القتال الداخلي عليها وحولها .

لكن ... اختزال المأزق الوطني بالسلطة قد يصرف الأنظار عن التفكير العقلاني بواقعنا وبالأسباب الحقيقية والاستراتيجية لأزمة ومأزق المشروع الوطني الفلسطيني برمته . إن كان لا بد من حل السلطة فهذا يجب أن يكون في إطار توافق وطني على استراتيجية وطنية بديلة .
ومن جهة أخرى ، كيف نتحدث عن حل السلطة وفي نفس الوقت نناضل من أجل الدولة ، والسلطة مكوِن رئيس من مكونات الدولة ؟ ! ، مَن يناضل من اجل الدولة عليه ان يتمسك بالسلطة ويناضل حتى تقوم بوظائفها كسلطة سيادية ، وإلا فإن السعي للدولة سيصبح دون معنى ومجرد مضيعة للوقت أو إلهاء للشعب . تثبيت السلطة و تغيير وظائفها لتصبح وظائف سلطة دولاتية ، خطوة مهمة وضرورية في معركة الدولة حتى وإن أدى الأمر للتصادم الميداني مع إسرائيل.

نفهم شرعية التفكير بحل سلطة الحكم الذاتي ، إن كان البديل الوطني جاهزا ، سواء منظمة التحرير ، أو حالة ثورية تواجه الاحتلال ، أو تحويلها لسلطة سيادية لدولة فلسطين ، ولكن في ظل عدم وجود البديل فمن سيواجه الاحتلال وكيف نواجهه عندما يتم تسليم المفاتيح له ؟ وهل تسليم المفاتيح يعني هجر العمل السياسي والكفاحي نهائيا ؟ أم أن لدى المطالبين والمهددين بحل السلطة استراتيجية مقاومة سيكونون على رأسها ؟ .

في ظل عدم تفعيل منظمة التحرير وضعف الحالة الحزبية ، وفي ظل عدم الرغبة في تحيين الدولة الفلسطينية والدخول بمواجهة مع إسرائيل لفرض الدولة ، فإن التهديد بحل السلطة يعتبر مغامرة تعبر عن اليأس وليس خيارا وطنيا . ويجب لفت الانتباه أنه في الواقع الراهن فإن السلطة وبالرغم من كل عيوبها هي المؤسسة الوحيدة المنتشرة في كل ربوع الوطن وتربط أبناء الشعب في مؤسساتها المتعددة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية حتى وإن كان في إطار خدماتي .