الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هدم وتخريب مقام الشيخ شهاب الدين بصفا

نشر بتاريخ: 27/02/2015 ( آخر تحديث: 28/02/2015 الساعة: 01:02 )
هدم وتخريب مقام الشيخ شهاب الدين بصفا
رام الله- معا - اقتحم مجهولون غرفة الضريح في مقام الشيخ شهاب الدين في قرية صفا قضاء رام الله، وقاموا بنبش قبره وقبور أفراد عائلته، وبعثرة عظامهم بين الركام، تاركين وراءهم خرابا ودمارا للهوية القومية الفلسطينية.

وقالأ.د. صلاح الهودلية إنه وبناء على زيارته للموقع يوم أمس الخميس ومعاينته له، بالإضافة إلى شهادات الشهود الثقة من سكان الحي الذي يقع فيه هذا المقام، فقد تبين أن هذا العمل مدبر، ومخطط له، وقد نفذ ما بين يوم الأربعاء الموافق 18/2 – ويوم الأحد الموافق 22/2/2015، بمعنى في فترة المنخفض الجوي الأخير الذي تعرضت له البلاد.

وأضاف أنه تم خلع الباب الحديدي لغرفة الضريح من جهته الغربية باستخدام فأس، أو "عتلة"، وأن من قام بهذا العمل هم مجموعة تتكون من شخصين على الأقل، وقد تصل إلى خمسة أشخاص، وذلك لإتمام عملية "النبش" والتخريب في أقرب فرصة، مشيرا إلى أن أفراد هذه المجموعة لديهم خبرة في سرقة المقابر الرومانية والبيزنطية المنتشرة في المنطقة، وذلك بناء على استخدامهم نفس الأسلوب في جمع الأتربة والأنقاض الناتجة عن الحفر في زوايا البناء دون إخراجها إلى الخارج.
وقالالهودلية: لقد قاموا بإغلاق النافذة الغربية والوحيدة لغرفة الضريح بإحكام باستخدام الحصير الموجود في المقام حتى لا يراهم سكان البيوت المجاورة. ولان غرفة الضريح أصبحت بعد ذلك مظلمة فمن الراجح بأنهم استخدموا "اللوكس"، والنيون المشحون للإنارة، خاصة وانه لا توجد آثار للشمع في المكان.

وتابع: أن هذه المجموعة قامت بهدم ضريح الشيخ شهاب الدين وبنبش قبره قبل قبور أفراد عائلته، وذلك لان ركام قبور العائلة جمعت فوق قبر الشيخ، ومن الواضح أن هذه المجموعة قد جمعت معظم عظام هذه القبور في مكان ما، ولكن بعض عظام القفص الصدري لطفل واحد على الأقل، وعظام الفخذ والساعد لإنسان بالغ قد شوهدت بين الركام.
ولفتالهودليةإلى أن عبوات المياه البلاستيكية، ومغلفات الحلويات "بون بون" الموجودة في غرفة الضريح تشير إلى أن أفراد هذه المجموعة قد تناولوا الطعام والشراب أثناء عملهم التخريبي.

ويقع مقام الشيخ شهاب الدين في إحدى الأحياء السكنية في قرية صفّا/ محافظة رام الله، ويبعد حوالي 21كم إلى الشمال الغربي من مدينة القدس. كما ويوجد في موقع اثري يعرف باسم الدير، ويشرف على الطريق الروماني الذي كان يربط السهل الساحلي الفلسطيني مع مدينة القدس خلال الفترة الرومانية.
واعتماداً على المسح الأثري الذي آجراه الكاتبالهودليةفي عام 2009، ضمن مشروع لجامعة القدس يهدف إلى دراسة وتوثيق هذا المعلم، فان منطقة شهاب الدين قد سكنت في الفترة الرومانية، والبيزنطية، والأموية، والعباسية، والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية دون انقطاع حتى وقتنا الحالي. تبلغ مساحة حرم المقام 2 دونم تقريباً، وهو محاط بسور إسمنتي، وتنمو فيه أنواع كثيرة من الأشجار. وتشير بعض وثائق المحكمة الشرعية إلى انه كان موقوف على هذا المقام قطعتي أرض من أراضي صفّا بمساحة إجمالية تصل إلى 100 دونم، والتي كان يستخدم ريعها لتغطية مصاريف المقام المختلفة.

وتشير نتائج المقابلات الشخصية التي أجراها الكاتبالهودليةفي عام 2009 مع كبار السن من سكان صفّا بأن أصل الشيخ شهاب الدين، والذي يعرف باسم أبو محمد، ربما يكون من اللد. ومن الراجح أيضاً بان الشيخ شهاب الدين كان جندياً مميزاً، وجسوراً، وورعاً في جيش صلاح الدين الأيوبي، وأنه حارب الصليبيين، ورابط على الثغور العسكرية، وساهم في الانتصار عليهم. منذ انضمامه إلى جيش صلاح الدين.
وعاش الشيخ شهاب الدين في صفّا، ومات ودفن فيها مع زوجته، وولديه. اعتاد سكان صفّا، والقرى المجاورة، وكثير من سكان مدينتي رام الله والقدس على زيارة المقام لتقديم النذور، وللصلاة، ولحلف الأيمان، وللاستسقاء، ولطلب الشفاء من أمراض مستعصية، ولعودة المغترب سالماً غانماً. كما كانوا في زياراتهم يقدمون له الزيت، والشموع، والحصير، والأباريق، والكساء الأخضر (الخلعة)، بالإضافة إلى مواد أخرى.

كما وأشار عدد من سكان محافظتي رام الله والقدس إلى أن حرم مقام الشيخ شهاب الدين كان بمثابة محكمة في حالات الخلاف بين شخصين أو أكثر حيث كان الناس يسارعون إلى طلب حلف اليمين في المقام. وكان يتم حلف اليمين يومي الجمعة والاثنين من الأسبوع لقداستهما في الدين الإسلامي وبحضور عدد من الناس.
كما وكان الناس من مختلف مدن وقرى فلسطين يزورون المقام سنويا – حتى بدايات القرن الماضي – ضمن مواسم الزيارات، أسوة بموسم النبي صالح، والنبي موسى. وكان التجار، وأهل صفّا ينشطون خلال هذه الزيارة لبيع منتجاتهم وموادهم الاستهلاكية المختلفة.

ويحتوي حرم المقام على بناء المقام، ومقاطع صخرية، ومعصرة عنب، وبقايا جدران قديمة، ودير من الفترة البيزنطية، وثلاثة آبار لتجميع المياه الشتوية، ومقبرة. يتكون المقام من غرفة الضريح، ورواق، وساحة أمامية مكشوفة يوجد فيها غرفة إسمنتية صغيرة. بنيت غرفة الضريح بحجارة متباينة الحجم، وسقفت بعقد نصف دائري استند على حنيات ركنية. تبلغ مساحتها حوالي ستة أمتار مربعة، وتحتوي في منتصفها على قبر الشيخ شهاب الدين، وفي جهتها الجنوبية على قبر مزدوج.
وشيد قبر الشيخ بحجارة متوسطة الحجم بطول 135سم، وبعرض 40سم، ويصل ارتفاعه عن مستوى سطح الأرضية حوالي 55سم، ويوجد في نهايته الغربية شاهد كبير. أما القبر المزدوج الموجود مباشرة إلى الجنوب من قبر الشيخ فهو بطول 1,5م وبعرض 80سم، وبارتفاع 35سم، ويعتقد بأنه لولديه. أما الرواق فتبلغ مساحته حوالي 65 متراً مربعاً، ويوجد في جداره الجنوبي محراب بارتفاع قامة الرجل، كما يوجد في جدرانه الأخرى تجاويف استخدمت قديما لوضع النذور ونسخ القران الكريم. أرضيته كانت قديما مرصوفة بالبلاط الحجري التقليدي، ومغطاة بالحصير. بالاعتماد على تقنيات البناء المستخدمة، وتخطيط البناء، وكذلك أسلوب بناء القباب، فانه من الراجح بان غرفة الضريح قد شيدت في الفترة الأيوبية – المملوكية، وان الرواق والساحة الأمامية المكشوفة قد بنيتا في الفترة العثمانية.

وقالالهودليةإننا في جامعة القدس نهيب بالكل الفلسطيني الوقوف سدا منيعا أمام من تسول له نفسه بالعبث الموروث الثقافي الفلسطيني، والى التعاون مع رئاسة الدولة، والشرطة السياحية، والأجهزة الأمنية الفلسطينية، ووزارة السياحة والآثار، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية للكشف عن مرتكبي هذه الجريمة البشعة.