الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

مساواة توجه مذكرة جوابية لرئيس مجلس القضاء الأعلى

نشر بتاريخ: 02/03/2015 ( آخر تحديث: 02/03/2015 الساعة: 16:27 )

رام الله - معا - وجه المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء (مساواة) مذكرة جوابية لرئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس المحكمة العليا القاضي الأستاذ علي مهنا، تضمنت رؤية مساواة القانونية بشأن رده على مذكرة مساواة بخصوص التعميمات والقرارات الصادرة عن رئيس مجلس القضاء الأعلى.

جاء فيها :
سعادة رئيس مجلس القضاء الأعلى

معالي القاضي الأستاذ علي مهنا المحترم،

تحية طيبة وبعد،،،

الموضوع: مذكرتكم الجوابية المؤرخة بتاريخ 19 / 2 / 2015 والصادرة تحت رقم 35 / 236 رداً على مذكرتنا الموجهة إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى المحترمين بتاريخ 16 / 2 / 2015

نهديكم تحياتنا واحترامنا لكل من يشغل وظيفة في القضاء والنيابة العامة مؤكدين مجدداً على ما ورد في مذكرتنا المشار إليها أعلاه، ولتأذنوا لنا إبداء رؤيتنا بشأن مذكرتكم الجوابية على النحو التالي:

1. لقد وقفنا بإمعان شديد على ما ورد في مذكرتكم الجوابية موضوع هذه المذكرة وترددنا كثيراً في الرد عليها حتى لا نفهم على غير قصدنا وغايتنا، وكي لا يقع الحوار القانوني في دائرة سجال إعلامي قد يخرجه البعض عن سياقه. إلا أننا آثرنا الرد لضرورته وأهميته من الزاوية القانونية ودون المساس بقواعد وأصول النقد الموضوعي والتساؤل المشروع بشأن أداء السلطة القضائية السياساتي والإداري، والذي يخرج عن مظلة عملها القضائي، الذي سبق لنا وأكدنا المرة تلو المرة على رفضنا لأي تدخل فيه من أية جهة رسمية أو أهلية، ومن داخل القضاء وخارجه، على اعتبار أن القاضي له مطلق الصلاحية والسلطان في الفصل في المنازعات التي تعرض عليه سنداً لضميره والقانون، وبمنأى عن أي تدخل أو تأثير على قضائه، بوصف سلطانه في تطبيق القانون على الكافة حق مجتمعي، واستقلاله في عمله القضائي ضمانة أكيدة لحماية وصون هذا الحق.

2. نشكر لكم ردكم على مذكرتنا على اعتبار أن الرد في حد ذاته يحمل مؤشر ودلالة إيجابية على أهمية الحوار القانوني البناء لحماية المصلحة العامة وسيادة القانون واستقلال السلطة القضائية والقضاة في عملهما القضائي، وتمكينهما من فرض حكم القانون على الكافة حكاماً ومحكومين.

وفي هذا الصدد فإننا لا نخفي مصلحتنا في ذلك كجزء من مصلحة مؤسسات المجتمع المدني، والتي نعتز بها كونها مصلحة تستهدف ضمان حق شعبنا في قضاء مشروع، حيادي، مهني، نزيه، كفؤ، قادر ومستقل، مؤكدين مرة أخرى على أن المتفق عليه في أنظمة الحكم الديمقراطية القائمة على مبدأ الفصل بين السلطات ومبادئ الحكم الرشيد وضمانات حقوق المواطن، وجوب التمييز بين السلطة القضائية في إطار عملها القضائي والذي نتفق مع ما ورد في مذكرتكم من أن التدخل فيه أمر مرفوض ومذموم ويجب وقفه ومساءلة مرتكبيه، وبين أداء السلطة القضائية كسلطة من سلطات الدولة الثلاث الإداري والسياساتي، وهي في هذا الإطار تخضع شأنها شأن السلطتين الأخريين التشريعية والتنفيذية لمبدأ الرقابة والمساءلة إعمالاً بالمبادئ القانونية للحكم الرشيد وصوناً لحقوق المواطنين وإعلاء لمبدأ سيادة القانون. وما ورد في مذكرتنا لا يخرج ولا يتجاوز حدود النقد لأداء السلطة القضائية الإداري والسياساتي، ولا يدنو قيد أنملة من أدائها القضائي وبالتالي فإننا نعتقد بأن التعميم والخلط في هذه المجال مخالف لأحكام القانون إن لم يكن مساساً بحقوق المواطنين والسادة القضاة أنفسهم.

3. إننا نرحب باحترامكم للشراكات مع المجتمع المدني المبنية على التعاون والإيمان المشترك بالهدف، واسمحوا لنا بأن نؤكد أن هذه الشراكات يجب أن تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل والاستقلالية وحرية إبداء الرأي في الشأن الوطني العام، ولا يجب أن تفهم بأي حال بأنها علاقة تبعية وخضوع لأن مثل هذا الفهم يخرجها عن طبيعتها، فمؤسسات المجتمع المدني أثبتت أنها شريكاً إيجابياً فاعلاً في الخطة الوطنية التنموية العامة، وهي تمقت انتهاك استقلال السلطة القضائية في عملها القضائي، كما تمقت انتهاك استقلالها كمؤسسات مجتمع مدني مهنية مستقلة، وتأبى على نفسها مشاركة من يعتدون على مثل هذا الاستقلال أياً كانت صفاتهم ودوافعهم. واسمحوا لنا كذلك أن نختلف معكم في فهم المقصود بالشأن القضائي إذ أن الإطلاق والتعميم والخلط بين العمل القضائي والعمل الإداري والسياساتي وإدراجهما ودمجهما معاً تحت مسمى الشأن القضائي أمر يخل بمبدأ سيادة القانون ويجعل من السلطة القضائية كما أشرنا في مذكرتنا أشبه بالصندوق المغلق أو المملكة الخاصة وهذا ما تتأباه أنظمة الحكم المدني الديمقراطي الحديث.

4. اسمحوا لنا بأن نشير إلى أن الطعن بالقرار الإداري هو ليس السبيل الوحيد للنقد إنما هو أحد وسائله، والمطالبة الناشئة عن الحوار القانوني وإبداء الرأي يندرجان أيضاً تحت مظلة النقد لمخالفة القرار الإداري للقانون ومطالبة القائمين عليه أو مصدريه بإلغائه. واسمحوا لنا أيضاً أن نعيد الاختلاف معكم بشأن إخراجكم إدارة الشأن الإداري من دائرة النقد، دون المساس باختصاص مجلس القضاء الأعلى بها.

5. إن ما جاء في ردكم على ما ورد في مذكرتنا بخصوص الحظر على السادة القضاة المشاركة في المؤتمرات أو الندوات أو ورشات العمل مع أية وزارة أو مؤسسة يقصد منه عدم إعطاء القضاة مواقف مسبقة في قضايا قد تكون مطروحة أمامهم أو قد تطرح عليهم لاحقاً أو التسبب في الاتصال ما بين السادة القضاة وجهات تمثل قضايا منظورة أمامهم، لا ينهض سبباً لإصدار التعميم المذكور، سيما وأن مشاركة القضاة في تنمية الثقافة القانونية وتعميمها والإسهام في خلق وتكريس ثقافة احترام القانون وسواده، والثقة المفترضة في السادة القضاة، وتمسكهم والتزامهم بقواعد السلوك القضائي، هي حقوق ومبادئ دستورية، وحاجة مجتمعية، والافتراض المسبق لخروج السادة القضاة عن قواعد السلوك أمر لا يسنده قانون، ويعكس مرة أخرى النظرة الدونية، للسادة القضاة واهتزاز ثقة الإدارة القضائية بأدائهم، ما قد يبرر أو يسوغ تدني مستوى ثقة الجمهور بالقضاء.

6. أما بخصوص ردكم على ما ورد في مذكرتنا بخصوص التعميم المتعلق بإحالة القضايا إدارياً، فإن ما ورد في مذكرتكم الجوابية جاء مؤكداً لخشيتنا وليس نافياً لها، إذ قد تؤدي الإحالة الإدارية إلى ذات النتائج السلبية التي من شأنها إطالة أمد الفصل في المنازعات وتعميق أزمة التراكم القضائي. ولتأذنوا لنا أن نشير بأن محكمة النقض الموقرة سبق لها وأرست مبدأ قضائياً يقضي بضرورة أن تتم الإحالة بقرار قضائي وأبطلت إجراءات قضائية استغرقت زمناً طويلاً استناداً إلى مخالفة هذا المبدأ.

7. أما بخصوص ردكم على ما ورد في مذكرتنا فيما يتعلق بالتعميم الصادر عن سعادتكم بشأن تحديد نفقات الشهود فإننا نعتقد بأن القاضي ليس مقيداً بعمله القضائي بالأنظمة المالية لمجلسكم الموقر سيما إذا ما تعارضت وهي تتعارض فعلاً مع أحكام ونصوص القوانين السارية والتي أشرنا إليها في مذكرتنا وبخاصة الفقرة الثانية من المادة 100 من قانون البينات والمادة 257 من قانون الإجراءات الجزائية. والمعلوم قانوناً أن القوانين لا تعدل بأنظمة، وإذا ما جاءت الأنظمة على خلاف القانون توسم بعدم الدستورية وعدم الإلزامية، وبالإمكان اللجوء لتعديل نصوص القوانين الناظمة لمثل هذه المسألة من قبل السلطة المختصة بالتشريع، إذا ما توفرت مسوغات مثل هذه التعديل. مشيرين إلى أن هذا التعميم ليس مستحدثاً وقد سبق ل "مساواة" وطالبت رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق مصدر التعميم بالعدول عنه وعدم إعماله وقد استجاب مشكوراً لذلك، والعودة إلى إعماله مرة أخرى رغم عدم قانونيته وإصباغه بالصبغة الوجوبية وفرض عقوبة تتمثل بالحسم من الراتب على السادة القضاة الذين قد يجتهدوا على خلاف ما ورد فيه يشكل تعميماً مخالفاً للقانون وواجب الإلغاء. فضلاً عن أن التعميم المذكور يتجاوز نفقات الشهود التي تتحملها الخزينة ليشمل الشهود والخبراء والذين يتحمل أطراف الدعوى نفقاتهم.

8. ما ورد في ردكم على التعميم الذي تناولته مذكرتنا بشأن الحظر على السادة القضاة مخاطبة النائب العام مباشرة والذي تضمن أن التعميم صدر بناء على كتب واردة من النائب العام، فلتأذنوا لنا بأن هذا السبب يخالف أحكام القانون إذ أن السيد النائب العام بصفته ممثل للنيابة العامة لا يملك صلاحية الطلب من السلطة القضائية اتخاذ إجراء بعينه يخالف أحكام القانون ويمس بالعمل القضائي للسادة القضاة، فالسادة القضاة هم سلطة تطبيق القانون على الكافة وهم بهذه الصفة لا يأتمرون بأمر أية جهة، خاصة إذا ما كان مثل هذا الطلب يتجاوز أحكام القانون ويتدخل في صميم العمل القضائي فضلاً عن أن السادة القضاة لا يخاطبون السيد النائب العام بأي أمر إداري يخرج عن اختصاصهم القضائي. ولتأذنوا لنا أيضاً الإشارة إلى أن مثل هذا السبب يمثل مساً بهيبة ومكانة السلطة القضائية واختصاصاتها. وكذلك الحال ما ورد في ردكم على ما ورد في مذكرتنا بشأن مراسلة الإدارة العامة للرواتب من أن التعميم المذكور صدر بناء على مخاطبات صادرة عن تلك الإدارة، لا تشكل سبباً لإصداره، كون تلك الإدارة مع الاحترام الشديد ليس من اختصاصها التدخل في العمل القضائي أو المس في صلاحيات السادة القضاة ناهيك عن أن طلبات إيقاع الحجز منظمة إجراءاتها بموجب أحكام القانون ولا تصدر عدة مراسلات بشأنها إلا وفقاً لأحكام القانون ولغايات سلامة إجراءات التبليغ المعتادة، وهو أمر ليس من شأنه أن يخل بعمل أية جهة تنفيذية أو إدارية والتي عليها التقيد بالقرارات والأحكام القضائية وتنفيذها دون تأخير أو إعاقة وليس من حقها التدخل في العمل القضائي، والأمر ذاته ينصرف على التعميم الصادر بخصوص إلزام موظفي دوائر التنفيذ بتكليف المحكوم لهم بإرفاق هويات المحكوم عليهم والذي بررتم سعادتكم إصداره بناء على طلب من الشرطة وهو تبرير في حد ذاته لا تملكه الشرطة ويمثل تدخلاً في عمل السلطة القضائية والمحاكم القضائي كما ينطوي على إطالة في وصول المتقاضين لحقوقهم على خلاف حكم القانون. والغريب صدورالتعميم بناء على طلب الشرطة التي عليها التقيد بأحكام وقرارات المحاكم والقضاة وتنفيذها دون إعاقة، ما يمس بهيبة السلطة القضائية ومكانتها واختصاصها.

9. أما ما ورد في مذكرتكم الجوابية على ملاحظاتنا بشأن قراركم انتداب قاضي بعينه للنظر في قضايا تنفيذ الوكالات الدورية لدى دائرة المالية الفلسطينية فإننا نعتقد بأن هذا الأمر يخرج عن اختصاص مجلس القضاء الأعلى ورئيسه وكذلك يخرج عن اختصاص رئيس المحكمة لأنه لا يندرج بأي حال تحت عنوان القضاء المتخصص، وكذلك فإن القرار الخاص بنقل قاضي محكمة صلح جزاء جنين للعمل كقاضي تنفيذ واستبدال قاضي تنفيذ للعمل كقاضي صلح جزاء أمر يختلف عن زيادة عدد قضاة التنفيذ لمواجهة أزمة التراكم القضائي لأنه ببساطة لم يشكل أية إضافة بقدر ما مثل استبدال ونقل الأمر الذي يخرج عن نطاق الانتداب لأن القانون حصر الانتداب بانتداب السادة القضاة من محكمة أدنى إلى محكمة أعلى أو العكس ولا يدخل القرار المذكور تحت مظلة الانتداب.

10. أما ما ورد في مذكرتكم الجوابية بشأن ملاحظاتنا على التعميم الخاص بإلزام السادة القضاة بطباعة الأحكام القضائية فإن الاستناد إلى شكاوى المحامين بخصوص تسلمهم للأحكام القضائية في وقت يحول دون تمكنهم من الطعن فيها لدى المرجع القضائي المختص لا يصلح سبباً لإصدار التعميم، كون إصدار الحكم القضائي أمر وطباعته أمر آخر وإصدار الحكم القضائي يجب أن يتقيد بقواعد سرية المداولة أما طباعته فهي عمل إداري من مسؤولية واختصاص موظفي أقلام المحاكم وليس من عمل السادة القضاة الأمر الذي يمكن معالجته دون المساس بمبدأ سرية المداولات وفقاً لما جاء في مذكرتنا والمبادئ القضائية المتعارف عليها. وكذلك الحال فإن ما ورد في مذكرتكم الجوابية من أن طول مدة التقاضي سبب داعم لإصدار التعميم الملزم للسادة القضاة بالفصل في الدعاوى في موعد محدد لا ينهض سبباً للتعميم كون التعميم المذكور قد ينطوي على تدخل في صميم عمل القاضي القضائي وكذلك قد ينطوي على المساس بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الخصوم ما قد يعرض الأحكام القضائية للإلغاء ويعيد ليطيل مدة الفصل فيها بدلاً من تقصيرها، ولا داعي للإشارة إلى أن معالجة التراكم القضائي لا تتم بانتهاك أحكام القانون، ولا تعود فقط لحسن إدارة الدعوى أو دور القاضي فيها وفقاً لما بيناه تفصيلاً في مذكرتنا.

11. أما ما تضمنته مذكرتكم الجوابية من الإشارة إلى أن التعميمات المشار إليها في مذكرتنا تسهم في تطوير إدارة الدعوى وسرعة البت فيها وتساهم في تطوير مستوى الجودة فلتأذنوا لنا أن نختلف معكم لاعتقادنا الجازم المستند إلى أحكام ونصوص القوانين السارية بأن استمرار العمل بهذه التعاميم لا يحقق الغاية المرجوة بقدر ما قد يؤدي إلى عكسها تماماً.

12. نتفق معكم برفض التعاطي مع القضاء كفناء خلفي لأية جهة أو ميدان تدار فيه معارك الآخرين والذي نأبى على أنفسنا الوقوع في شركه، وتعاملنا مع السلطة القضائية تعاملاً يستند إلى القانون والضمير دون سواهما مؤكدين على أن القاضي لا يشكر على عمله، وإن كنا نقدر أي إنجاز نوعي تحققه أية سلطة أو أية جهة رسمية أو أهلية بل وأي إنجاز يحققه أي مواطن فلسطيني، ونحن على أتم الاستعداد لتسليط الضوء على مثل تلك الإنجازات حال علمنا بها ودورياتنا عين على العدالة والعدالة والقانون تشتمل عادة على الإشادة بأي إنجاز فردي كان أو جماعي.

وفي الختام، فإننا وإذ نتمسك باستقلالنا المهني ودورنا الوطني والقانوني والمجتمعي وحقنا الدستوري في الرقابة على أداء منظومة العدالة نعيد مطالبتنا بالوقوف ثانية على التعميمات والقرارات موضوع مذكرتنا وإلغائها، تفادياً للنتائج السلبية التي قد تترتب على الاستمرار في إعمالها، والنهج الذي بنيت عليه، ما قد يلحق بالقضاء ومكانته، وحقوق السادة القضاة، وحقوق المتقاضين أضراراً جدية.