الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأمة المهزومة تبحث عن نصر وهمي في اليمن

نشر بتاريخ: 30/03/2015 ( آخر تحديث: 30/03/2015 الساعة: 08:57 )

الكاتب: د. وليد القططي

عندما يتعّرض الفرد للفشل بشكل متكرر في حياته ويعجز عن تحقيق طموحاته , أو عندما يُبتلى بإعاقة ما تقعده عن الوصول إلى أهدافه التي رسمها لحياته , فإنه في كلتا الحالتين يُصاب بعقدة نقص تلجأه أحياناً إلى القيام بعملية تعويض لهذا النقص , ولكن في مجال آخر غير الذي فشل فيه أو عجز عن تحقيقه , فيُعطي لنفسه إحساساً بالنجاح وقدرة على تحقيق الإنجاز ’ فيشعر بالنصر على فشله واعاقته . وهذا التصّرف صحيح وصحي على المستوى الفردي , إلا انه خاطئ ومريض على المستوى العام , فعندما تترك الأمة المهزومة عدوها الحقيقي , وتتجاهل التحديات والأخطار الفعلية التي تهدد وجودها , وتصطنع عدواً وهمياً , وتركز على تحديات وأخطار هامشية , لتصنع لنفسها نصراً وهمياً ومجداً زائفاً يعوّضها عن إحساسها بالهزيمة المتواصلة والفشل المتراكم , فهذا لن يوصلها إلّا إلى مزيدٍ من الهزيمة والفشل .

وما يحدث اليوم في الوطن العربي خير تجسيد للحالة السابقة , فالأمة العربية المثقلة بعقود طويلة من الهزائم والتخّلف والاستبداد والفساد والفقر , ولا زالت تتلقى الهزيمة تلو الهزيمة على الرغم من امتلاكها لكل مقومات النصر والنهضة والوحدة , ما عدا ارادة النصر والنهضة والوحدة , التي ذهبت مع الريح , ريح الهزيمة النفسية وروح التخّلف وارادة التفسّخ . ومن شواهد هذه الهزيمة وأدلتها استمرار بقاء الكيان الصهيوني ووجوده وغطرسته وهيمنته في قلب الوطن العربي ككيان غريب فرض نفسه رغم ارادة العرب , واستمرار تحكم الاستعمار الغربي وعلى رأسه أمريكا على العرب سياسياً واقتصادياً وثقافياً , واستمرار تدخل الدول الاقليمية في شئون الدول العربية الداخلية وفرض ارادتها على كثير من مجريات الأمور فيها , فتركيا تعبث بالأمن القومي العربي لتحقيق مصالحها الاقتصادية في المنطقة , وإيران – التي تعتبرها بعض الأنظمة العربية عدواً لها –تمتلك مشروعاً إقليمياً في المنطقة العربية لم تستطع هذه الأنظمة إيقافه وتشعر بالهزيمة أمامه , وهو المدخل الذي اتخذته هذه الأنظمة حجة لحرب ( عاصفة الحزم ) في اليمن , واستدعت لأجله الخطاب القومي العربي , والخطاب المذهبي السني .

ففجأة عاد الخطاب القومي العربي على لسان أبواق رموز الأنظمة العربية بعد بدء عملية ( عاصفة الحزم ) العسكرية بقيادة المملكة العربية السعودية وتبعية باقي دول التحالف العشر , وهذه الرموز الرسمية وغير الرسمية من الإعلاميين والمثقفين والسياسيين المتخمين بفائض أموال البترودولار الخليجية , هي التي أصمت آذاننا في السابق سخريةً واستهزاءً بالخطاب القومي العربي الذي اعتبرته خطاباً فوضوياً وعاطفياً وخالياً من المضمون ومناقضاً للواقع , عادت للتغنى بهذا الخطاب لتخدم أسيادها وأولياء نعمتها في إظهار البطولة الكاذبة على الشعب اليمني العريق , وهو أصل العرب , الذين تشن عليهم الحرب باسم العرب ومصالحهم القومية , ولقد برز هذا الخطاب جلياً من أفواه أصحاب الفخامة والجلالة والسمو والمعالي من الرؤساء والملوك والأمراء ورؤساء الوفود في قمة شرم الشيخ العربية , واتخذوا قراراً بإنشاء قوة عربية مشتركة , سبقتهم السعودية إلى انشائها عملياً من خلال عملية ( عاصفة الحزم ) , هذه القوة ليست لتحرير فلسطين بالطبع , فهذا أصبح بعيد المنال , وربما أصبح من المُحال , أو ضرباً من الخيال , فالحديث عن محاربة إسرائيل – خارج نهج المقاومة – يُعتبر سباحة ضد التيار , وسفر عكس اتجاه الريح . فالقوة العربية المشتركة لن تكون سوى لتحقيق أهداف مموليها وعلى رأسهم السعودية المستفيدة الأولى من هذه القوة هي وأنظمة الخليج العربي , أما باقي الدول العربية فلن تكون سوى مقاولين بالوكالة بعد أن فقدوا إرادتهم أمام طغيان المال الخليجي .

والخلاصة أن هذه الأمة المهزومة التي تبحث عن نصر وهمي في مكان آخر غير مكان المعركة الحقيقي لن ينفعها هذا الوهم , ولن يفيدها هذا النصر ... ولن يكون أمامها سوى البحث عن أسباب هزيمتها ومعرفة سنن النصر وأسباب التقدم لتنهض وتنتصر , ولن يكون ذلك إلا بمعرفة أعدائها الحقيقيين ومحاربتهم . أما اليمن فستخرج من هذه الحرب والأزمة عاجلاً أم آجلاً , ولا خيار لها سوى العودة إلى ما يجمع اليمنيين ويوّحدهم , وترك ما يفرّقهم ويضعفهم , وما يجمعهم ويوّحدهم كثير يبدأ بالإسلام والعروبة والوطن , ولا ينتهي عند المصلحة المشتركة للشعب اليمني في أن يعيش في وطنٍ موحد وآمن ومستقر ومزدهر .