الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

سيدة الأبراج

نشر بتاريخ: 05/05/2015 ( آخر تحديث: 05/05/2015 الساعة: 21:46 )

الكاتب: المتوكل طه

لم يصدّق الفتى الريفي إلاّ ما قاله الشيخ ومواقد البيت ومارسُ الكلمنتينا المعطّر.

وعلى الرغم من الأفلام ورؤية صدر ابنة المدينة، فإنه ظلَّ واحداً من حكايات الديوان الدافي.. والعامر بحواضر العقود والخوابي وخلاصات الرجال المجرّبين الكبار!
ومع أنه اقترف الكثير من البراءة والضلالات، وتنفّس في الطائرات، وغفا في المترو، وصدّق الكثير من الخرافات والقصص وادعاءات النساء، فإنه لم يستطع تصديق ما لم تقله له أمّه، أو أن هذا الأمر سيحدث ذات يوم!
* * *
الأبراجُ منازل الإنسان، اختلف حولها الناس بين مكذِّب ومصدِّق، وتباينت الآراء حول تأثيرها فيهم، ولعلهم توافقوا على أن مواليد البرج الواحد يتعرّضون للمناخ والغذاء والتأثيرات المحيطة ذاتها، عدا أن التخاطب المغناطيسي بين الكواكب وتأثيرات الجاذبية والمدَّ والجزْر كلها تؤثّر، أيضاً، وبالتالي لا داعي للإنكار، والأجدى تجاوز كل النظريات التي تقول باقتصار تأثير المجتمع بكل حمولاته على أفراده للوصول إلى البحث عن سهام أخرى تصيب المخلوقات وتفعل فعلها فيها.
وقد تكون صاحبتنا التي نتحدث عنها هي من أكثر الناس انشغالاً بأمور الأبراج، وأكثرهم بحثاً وتنقيباً في حقل النجوم والكواكب والمجرّات وصِلتها بالأرض وما يدبّ عليها، حتى أصبحت محجّاً في التبصّر والاستشراف والنبوءة ، تتحدث عن مزايا هذا البرج أو ذاك، وعلاقته بالأبراج الصينية، مروراً بكل ما قيل في هذا وذاك. بل إنها تبني علاقاتها مع مَنْ حولها استناداً إلى أبراجهم وما تقول لها النجوم عنهم، فتراها متطيّرة حيناً ومنشرحة أحايين أخرى، وبالتأكيد فإنها أدرى البشر ببرج العقرب الذي تنتمي إليه، ويستطيع الرائي أن يعرف ذلك من المُعلّقة التي تترنح على صدرها، وهي عبارة عن قطعة فضيّة اتخذت شكل العقرب، ولها إطار دائري يحكمها. والواضح أنّ صاحبة المعلّقة لا تخلع هذا العِقْدَ من عنقها، حتى أنك تعرفها من هذه الميدالية التي صارت حرْزها وتعويذتها وهويتها في الحياة.
* * *
ماتت صاحبة الأبراج! وحينما كشف الطبيب على حالتها ليتبيّن سبب الوفاة لاحظ عقرباً عَقَصها في صدرها فماتت، تماماً كما فعلت أفعى كليوباترا. والملاحظ أن العقد الذي كان يتدلى على صدرها وجدوه بسلسلته وإطاره، غير أن مجسّم العقرب الفضي قد اختفى.
* * *
كانت تقول: إن الروح العليا غاضبة من ذوي الساقين، وإن زاد غضبها سيتعكر الماء، ويهجر السمك، ويجفّ الضرع، وينتشر الظلام والآفات.
وتردف: لقد بدأ الخطأ عندما توقّف الإنسان عن الاستماع لذوي النور وذوات الأربع والأجنحة والقوائم والجماد.

وتعبّر عن استغرابها بترديد: نحارب الأرواح والنجوم كأنها مَدينةٌ لنا بِدَيْنٍ كبير، أو أنها قاصرة ونحن آباؤها!!
وعندما يردّ عليها أحدهم بأن الحكمة والقوة والمستقبل تأتي من داخل المرء، وأن المركز موجود في كل منا، والسرّ كذلك، كانت تجيب: هذا يوم غير مناسب للكلام والجدل، ولا تعقّب، وتصمت.