الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فابيوس والمهمة الصعبة

نشر بتاريخ: 29/06/2015 ( آخر تحديث: 29/06/2015 الساعة: 13:03 )

الكاتب: سمير عباهرة

هل تنجح فرنسا في ما فشلت فيه السياسة الخارجية الامريكية في احياء عملية السلام المتعثرة وصولا الى تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي من خلال المبادرة الفرنسية التي باتت ملامح فصولها معروفة وواضحة ولهذا بدا وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس متحمسا لزيارة المنطقة ولقاء الاطراف ذات العلاقة المباشرة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث التقى كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من اجل اعادة المفاوضات الى مسارها من جديد استنادا الى حل الدولتين. والتقى الوزير الفرنسي ايضا وزراء خارجية جامعة الدول العربية لاحقا في تطور جديد لإدخال عناصر جديدة على الصراع تتمثل بإشراك الدول العربية المؤثرة في الصراع، اذ لم يعد بالإمكان اخراج الصراع وعزله عن اطاره الاقليمي. وتستعد فرنسا لطرح مبادرة جديدة في مجلس الامن تدعو الى مفاوضات تؤدي لإنهاء الاحتلال محددة بسقف زمني لا يزيد عن 18 شهرا وبمرجعية دولية.

مهمة فابيوس لن تكون سهلة في اقناع الجانب الاسرائيلي بالعودة الى المفاوضات وفق الشروط المطروحة فالرد الاسرائيلي كان قد سبق اجتماع فابيوس مع نتنياهو حينما صرح الاخير بان اسرائيل سترفض الاملاءات الدولية لفرض الحل عليها وهي رسالة واضحة برفض المبادرة الفرنسية لاحياء عملية السلام ورفض الجهود الفرنسية عامة في ظل ترحيب عربي وفلسطيني في المبادرة الفرنسية التي لم يرفضها الجانب الفلسطيني واعتبر انها تحمل نقاطا ايجابية.
الصعوبات التي يلقاها فابيوس هي من الجانب الاسرائيلي حيث كان خرج متفائلا بعد لقاءه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وادرك بانه راغب فعلا في تحقيق السلام.

ويدرك نتنياهو جيدا بان العالم بات يحمله المسئولية فيما آلت اليه عملية السلام من جمود وتوقف وبات يتعرض لحملة من الضغوط الدولية وصلت الى حد الهجوم عليه. فقد كتب الكاتب الامريكي "هنري سيغمان" رئيس مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط والعضو السابق في مجلس العلاقات الخارجية الامريكية مقالاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "ينبغي تجاهل نتنياهو واللجوء إلى الأمم المتحدة"، وكذلك ما تناولته الصحيفة نفسها تحت عنوان " العالم ليس على استعداد لتقبل خداع نتنياهو بعد الآن" لهيئة المحررين. وتقول الصحيفة "أن الحكومة الجديدة لنتنياهو، تثير الاشمئزاز في العالم لأنها بعيدة كل البعد عن حل سلمي للصراع مع الفلسطينيين، وهي توجه إسرائيل على مسار تصادمي مدمر مع حلفائها الأكثر أهمية".

هذه الضغوط لم تتوقف عند هذا الحد بل اخذت منحيات ومنعطفات اخرى تمثل بهجوم اهم حلفاء اسرائيل عليها ،وكانت اول الضغوطات واردة من واشنطن وعلى لسان الرئيس الامريكي اوباما عندما اكد انه لن يتخلى عن الامل في حل الدولتين.وقالت القناة العبرية الثانية في التلفزيون الاسرائيلي ان "جهات ومسئولين امريكيين وأوروبيين بدأوا حملة للضغط على الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي من اجل اعادة احياء المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. حيث توافد المسئولين الاوروبيين الى المنطقة للغرض ذاته ووصلت في وقت سابق وزيرة خارجية دول الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني الى المنطقة والتي التقت الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي واستمعت الى مواقفهما ووجهات نظرهما بخصوص العودة الى المفاوضات.الجانب الفلسطيني لم يضع شروطا لكنه اكد على استحقاقات العودة الى المفاوضات بوقف شامل للاستيطان والإفراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى والاعتراف بحل الدولتين. لكن العالم لم يتقبل وجهات نظر نتنياهو وردوده المتناقضة فقد تخلى عن حل الدولتين في دعايته الانتخابية ثم عاد وأكد موافقته عليها من جديد لكنها موافقة مشروطة باعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية دولته، وهذا شرط رفضته القيادة الفلسطينية سابقا ولاحقا ومرفوض من المجتمع الدولي لان الاعتراف بدولة يهودية يعني مصادرة الحقوق السياسية للأقليات الاخرى في الدولة.

المبادرة الفرنسية المنتظرة تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الاوروبيين على ممارسة ضغوطاتهم على اسرائيل في ظل العلاقات التي بدأ يشوبها نوع من التوتر بين الجانبين نتيجة المواقف الاوروبية من اطلاق حملة المقاطعة التي فرضت على منتجات المستوطنات، اضافة الى ان هذه المبادرة اذا لم تأخذ الضوء الاخضر الامريكي وتحظى بموافقة الولايات المتحدة فلن يكتب لها النجاح. لكن اصرار فرنسا على ايجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي لن يتم بمعزل عن الاسرة الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. ثم ان تحركات وزير الخارجية الفرنسي نابعة ايضا من ان حل الدولتين لا زال ممكنا بعكس ما يدلي به نتنياهو من تصريحات بان حكومته ستعمل على تشجيع أي مبادرات سياسية تعكس الرغبة في السلام ، مع ان الامر لا يحتاج الى مبادرات سياسية بل يحتاج لانسحاب اسرائيلي كامل من الاراضي المحتلة عام 1967.

ان عودة الفلسطينيين الى المفاوضات لم تعد هدفا بالنسبة لهم بل وسيلة من اجل تحقيق الاهداف كاملة بانسحاب اسرائيلي كامل وإقامة دولتهم المستقلة. نعم هذه العودة الى المفاوضات التي تسعى اليها اوروبا سوف تختلف عن سابقاتها لان العالم اصبح مهتم اكثر من أي وقت مضى بتحقيق السلام بعدما ادرك ان القصور قادم من اسرائيل ويريد ان يعطي فرصة اخرى لإسرائيل وإلا فان المبادرة الفرنسية في حالة فشلها سوف تدفع فرنسا للاعتراف رسميا بدولة فلسطينية مستقلة.