الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا الكويت ؟؟ لماذا الان ؟؟

نشر بتاريخ: 29/06/2015 ( آخر تحديث: 29/06/2015 الساعة: 14:01 )

الكاتب: عصام بكر

التفجير الانتحاري الارهابي في الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك الذي وقع في مسجد الامام الصادق في العاصمة الكويت وادى الى مقتل واصابة العشرات هو التفجير الاول في احدى دول الخليج عدا العربية السعودية ، وربما لن يكون الاخير اذا ما نظرنا الى تطور الاحداث سواء على مستوى ما يجري منذ بدء عاصفة الحزم في اليمن او حتى المتغيرات التي تعصف بالعالم العربي من سوريا الى الجار الغربي الشمالي للكويت العراق ، وحتى القلاقل التي تشهدها البحرين العضو في مجلس التعاون الخليجي ايضا فالاقليم العربي الذي يسير نحو المجهول وعلى صفيح ساخن من التحولات التي تجري والتي من شانها ان تلقي بظلالها بهذه الطريقة او تلك على معظم الدول العربية وحتى تلك البعيدة عما سمي الربيع العربي وتخلخل وجدان العقل الجمعي العربي على مستوى الافراد والجماعات على حد سواء امام الصورة المذهلة لتردي الوضع العربي بكل معانيه وثقافته وبنيته المجتمعية ضمن الوضع العربي الحالي .

التفجير الانتحاري في احد المساجد التي يرتادها المسلمين الشيعة مهما كانت ديانة او جنسية او مذهب من ضغط على فتيل الانفجار اثناء تأدية صلاة الظهر لم يكن صدفة ولا ينفصل عما يجري في دول الجوار وان اختلفت الطريقة او الاخراج ، وهناك من ربط " الحادث " بموقف الكويت من عاصفة الحزم حيث شهد مجلس النواب الكويتي نقاشا حادا تجاه تأييد او معارضة الحرب السعودية على اليمن تحت يافطة اعادة الشرعية ، وايد تلك الحرب ما يقارب 50 نائبا فيما عارضها 9 نواب وهم من الشيعة ، فيما استمر ايضا النقاش في اروقة الدولة وعلى اعلى المستويات في ذات الوقت الذي تتصاعد فيه العملية العسكرية السعودية والغارات الجوية موقعة المزيد من المدنيين ، هناك من يرى ان ما يجرى في اليمن هو البداية لتقويض النظم الخليجية في ظل تباينات حتى في مواقف دول مجلس التعاون نفسها تجاه ترتيب المنطقة ارتباطا بالنفوذ الايراني فيها من جهة او هكذا تسميه ، او استمرار السعي الاميركي الاطلسي للهيمنة على مقدراتها وثرواتها بحجة الحماية من الخطر الايراني المزعوم من جهة اخرى .

التفجير الانتحاري يفتح الباب واسعا حول اسئلة صعبة تتعلق بسبل مجابهة المستقبل ؟؟ والى اين المصير في دول الخليج فهل هي مقدمة على تطورات داخلية تزعزع انظمة الحكم ؟ وتؤدي الى احداث تغيرات في هياكل هذه الانظمة بالمقارنة مع تجارب بعض البلدان العربية الاخرى ؟؟ ام انها مجرد حوادث عابرة سيتم التعامل معها والسيطرة عليها وقطع الطريق على الجهات التي تقف وراءها في تشويش سير الحياة فيها؟؟ بسبب ان الولايات المتحدة لا تريد ذلك الان !! ولن تسمح بتصدع تلك الانظمة في الوقت الحالي وستستخدم التفجير من ضمن تكتيكات معينة لنهب المزيد من الخيرات تحت عنوان توفير الحماية وتوسيع النفوذ الغربي في هذه البلدان ؟ بالمقابل ايضا يتسأل البعض هل ستشهد دول الخليج نماذج مماثلة لتصدعات انظمة الحكم فيها "معظمها عشائري" بمجلس شورى معين في احسن الاحوال على غرار ما جرى من ثورات عربية تطالب بالديمقراطية والاصلاح وتوزيع الموارد النفطية بصورة عادلة وبطريقة مغايرة لما جرى حتى الان ؟؟ هذا الباب من الاسئلة بات يطرح بقوة حتى لدى الدوائر الصغرى والضيقة لصناع القرار في العديد من الدول الخليجية ولا ادل على ذلك من اقدام العديد من الدول على وجه السرعة السعودية مثلا على جملة من التسهيلات ورفع الاجور وتقديم العديد من المشاريع لمعالجة الفقر والفوارق الطبقية داخل المملكة ، فيما حذت دول اخرى حذوها وخصصت مئات الملايين من الدولارات لاجراء الاصلاحات وتنفيذ مشاريع بنية تحتيه ومشاريع تنموية وتحسين بعض الخدمات الاخرى .

المتتبع لخط سير المعارك مع الحوثيين وما يجري في اليمن يدرك ان منطقة الخليج بعد هذا التدخل العسكري المباشر لم تعد بمنأى عن ارتداد بعض الضربات الى داخل بلدانها وهو ما قد يعمق في ذات الوقت اعتمادها على جهات غربية لحمايتها ( الولايات المتحدة ) بحكم تواجدها العسكري في العديد من الدول الخليجية فعلا ، وهو ما قد يحمل في ثناياه ايضا امكانية ايجاد مبررات لجماعات وتيارات للعمل في الساحات الداخلية لهذه البلدان ، ناهيك عن الحدود التي اصبحت نقاط عبور سهلة لتسلل الجماعات المتطرفة لما يسمى داعش والنصرة التي لا يخفى على احد اهدافها في تقسيم الدول العربية وافقادها عنصر السيادة فوق ترابها الوطني ، والعمل بشكل مباشر لاحياء النزعات الدينية والعرقية في العالم العربي وخير مثال على ذلك ما جرى ويجري في العراق ، وعندما تشعر الجماعة الاثنية في أي دولة بان الدولة المركزية فقدت القدرة على توفير الحماية لها تعمل على تشكل مليشيات لتحمي نفسها باعتباره حق "مشروع " الا ان ذلك يتعدى الحماية والدفاع عن النفس ليصل للسيطرة على منابع النفظ والثروات الاخرى في البلاد وتكوين جماعات مصالح وفقدان الدولة سيطرتها على خيراتها ومواردها وبالتالي الانتقال لعهد الوصاية الاجنبية من جديد ووضع القوى العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة يدها على هذه الموارد ، وتشجيعها لجماعات الانفصال وتلك التي تنادي بالحكم الذاتي ، وتفتيت وحدة الاراضي الجغرافية للدول العربية وتحويلها الى جماعات متناحرة ، في ظل المجازر والتفجيرات وتصاعد الفتن الداخلية والمشردين الذين تخطوا في سوريا والعراق مثلا عدة ملايين في السنوات القليلة الماضية .

كل هذا تستثمره دولة واحدة في المنطقة بالحد الاقصى وهي دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تقضم اراضي الدولة الفلسطينية صباح مساء وتمنع بالقوة اي امكانية مستقبلية لقيام دولة فلسطينية تضم الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة عبر سياسة الاستيطان وفرض الوقائع اليومية على الارض لمنع هذه الامكانية ، فاللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون اوضاعا بالغة القسوة بشكل خاص في سوريا ولبنان سيبدون حالة طبيعية وعادية اذا ما قورنوا مع المشردين الذين وصلوا للملايين في الدول العربية الذين يفرون من جحيم الموت بفعل ما يجري من حروب داخلية في بلدانهم ثم الى الغرق في البحار امام انعدام وسائل الحماية والاستقرار وهذا يقود الى صورة ان ما يجري يعزز الاعتقاد ان حل قضايا اللاجئين في العالم العربي يصبح حالة مستحيلة مع استمرار تدفق الالاف يوميا واستمرار الزيادة في اعداد المخيمات التي تأوي المزيد منهم يوميا في حالة انسانية تعيد للاذهان ما جرى في نكبة الشعب الفلسطيني قبل نحو 67 عاما ورحلة المعاناة الطويلة المحفوفة بالالم والمأسي المتواصلة حتى يومنا هذا .

وبالعودة الى التفجير الانتحاري في الكويت ظهيرة الجمعة الثانية من الشهر الكريم فان الضربات الارتدادية من المرجح ان لا تظهر سريعا فيما تؤشر على حالة عدم الاستقرار التي بدأت تشهدها دول الخليج التي كانت الى وقت قريب ترى نفسها محصنة عن هذه الاعمال رغم التظاهرات التي تشهدها البحرين منذ عدة سنوات مثلا ورغم بعض المواقف ازاء الازمة السورية وما يجري في العراق وصولا للتدخل العسكري المباشر في اليمن وهو ما فتح الباب بنظر العديد من المتابعين للشأن الخليجي بامكانية وصول القلاقل لهذه الدول ومن بينها السعودية التي شهدت ايضا عدة اعمال تفجيرية ، هذا كله يقود الى الدور الايراني المفترض في المرحلة المقبلة خصوصا في البحرين والكويت وهو الجار الذي يلعب دورا لتثبيت موقع اقليمي متقدم في منطقة الخليج والشرق الاوسط عموما كطرف قوى بعد الاتفاق مع القوى العظمى على الملف النووي الاخذ بالتبلور مع استمرار المفاوضات التي تتراجع في بعض الاحيان وتحقق بعض التقدم احيانا اخرى لكن المؤكد ان الحضور الايراني في منطقة الخليح لم يعد بالامكان تجاوزه من اية جهة كانت وحتى الولايات المتحدة تعتمد على الدور الايراني في الترتيبات المتعلقة بمجريات الامور في العراق وغيره من بلدان الجوار الاخرى وهو ما اثار حفيظة السعودية للتحرك لحماية مصالحها في المنطقة بعد الازمة اليمنية خشية تمدد النفوذ الايراني لمحاصرة المملكة التي كانت ترفل بالاستقرار وتراقب من بعيد فيما تحفظت عن التدخل العسكري المباشر طيلة الفترة الماضية قبل تدخلها في اليمن .

التفجير الانتحاري وان شهد وقوبل بالعديد من الادانات وحملات والشجب والاستنكار من اوساط وجهات عديدة عربية وغير عربية حيث ترافق مع هجوم على منشأة فرنسية للغار في نفس اليوم والهجوم في تونس ايضا وهو ما اظهر ان العالم موحد في رفض الارهاب وهذا صحيح ، ولكن للاسف المتوقع ان تشهد بلدان خليجية اعمالا اخرى مشابهة واعمال عنف داخلية لا يعرف احد الى اين يمكن ان تصل اذا لم يتم معالجة الاسباب التي تقف وراءها ومن بينها مراجعة سياسات تلك الدول تجاه المحاور الاخذة بالتشكل في المحيط وموقفها الصريح منها ، وتجاه الازمة اليمنية بشكل خاص ايضا ، ومعالجة القضايا الداخلية سواء القضايا المتعلقة بالحريات العامة والقوانين ، او على صعيد الانعاش الاقتصادي وخطط التنمية ، وايضا فيما يتعلق باستمرار الهيمنة الاميركية على مقدرات شعوب المنطقة برمتها وهي قضايا لا تحتمل التأجيل او انصاف المواقف بل تحتاج الى معالجات عاجلة قبل فوات الاوان .

ويبقى الاهم هو كيفية الحفاظ على الدول بمعناها القومي والجغرافي ووقف حالة التفتيت الجارية فالدولة الواحدة اصبحت دولا وقبائل تتحكم في مناحي حياة الناس ، الحفاظ على مقدرات وثروات هذه البلدان ليس فقط دول الخليج كحق لشعوبها ومن اجل مستقبل ابناءها وانما الدول العربية كلها ، ومنع الخطر الداهم الذي يهدد ابسط عوامل الاستقرار ، لتذهب الدولة بين عشية وضحاها الى اتون حرب داخلية لا احد يعرف الى اين تقود اذا من اندلعت امام تعطش عصابات الاجرام التي تتغذى على الفكر الجاهلي والتكفيري ونزعات السيطرة والاستعباد ولا تعرف معنى الاختلاف بل ترسم تعاليم بعيدة عن النسيج العربي والاسلامي لشعوب المنطقة العربية وتتلقى الدعم بالمال والسلاح من الدول الكبرى التي صنعتها لتقويض اسس الدول العربية كدول ذات سيادة وتتحول الى مليشيات متنازعة تتنازع على الغنائم والخيرات وتفرض اساليب وانماط حياة بعيدة عن كل القيم الانسانية والارث البشري الحديث والمدني ، فهل هذا ما نريده ؟؟ وهل هذا ما سنصل اليه ؟؟ وهل هذه نتيجة ما سمي بالثورات العربية التي رفعت شعارات التغير والعادلة الاجتماعية لشعوبها قادم الايام يحمل الكثير من الاحداث والمفاجات .