الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

دراسة - التعليم الاكاديمي أداة للتنمية أم لتكريس التسرب والبطالة

نشر بتاريخ: 07/07/2015 ( آخر تحديث: 08/07/2015 الساعة: 04:20 )
دراسة - التعليم الاكاديمي أداة للتنمية أم لتكريس التسرب والبطالة
بيت لحم - معا - أعد أ.دمحمود الجعفري عميد كلية الأعمال والإقتصاد في جامعة القدس- أبو ديس دراسة حملت عنوان "التعليم الاكاديمي الفلسطيني أداة للتنمية، ……..أم لتكريس التسرب والبطالة".

وفيما يلي نص الدراسة:

توجه هذا العام حوالي ثمانون ألفاً منِ الطلبة الفلسطينين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة،لأداء إمتحان الدراسة الثانوية العامة وشكل عدد المتقدمين من طلبة الضفة الغربية حوالي 45 ألفاً (51%) ومن قطاع غزة 34 ألفاً (43%). ويبلغ عدد ونسبة المتقدمين من الفرع العلمي حوالي 16.5 ألفاً (19%), اما الطلبة المتقدمين من فروع العلوم الانسانية فإن نسبتهم وصلت إلى (78%). بالمقابل، فإن نسبة الطلبة المتقدمين من الفروع المهنية ( صناعي, تمريض, زراعي ) لم تتجاوز ( 2% ) من مجموع الطلبة المتقدمين لامتحان الثانوية العامه في كل من الضفه الغربية وقطاع غزة.

وتشير البيانات الأحصائية المتوفرة من وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية إلى أن عدد المتقدمين لأمتحان الثانوية العامة للعام الدراسي 2014/2015 قد إنخفض بنسبة 8% مقارنة مع السنوات السابقة ، وفي ظل هذه المعطيات ،ووفقاً لنسب النجاح المتوقعة في الفرعين العلمي والعلوم الانسانية وتوزيع الطلبة الناجحين، بالنسبة لمعدلات النجاح خصوصاً ممن تزيد معدلاتهم عن 65%، فأن الجامعات الفلسطينية ستواجه مشكلة حادة تتعلق بعدد ونوعية الطلبة الذين سيلتحقوا بها في العام الدراسي القادم ، 2015/2016 ،حيث أن عديداً منها لم يحصل على العدد الكافي من الطلبة الملتحقين في العام الماضي والذين كانوا أقل من الطاقة الاستيعابية للجامعات من طلبة السنة الأولى . وفي حالة أستمرار الوضع على ما كان عليه في العام الماضي 2014/2015 فأنه سيكون له تداعيات وخطيرة على الكفاءة التشغيلية وعلى نوعية المدخلات المتوقعة من الناجحين من الثانوية وبالتالي على نوعية مخرجات الجامعات من الخريجين بعد أربع سنوات.

التحديات التي تواجه التعليم الأكاديمي الفلسطيني:
أعلنت وزارة التربية و التعليم العالي الفلسطينية في العام 2014 ، عن خطتها الاستراتيجية، 2014-2019 للنهوض بقطاع التعليم . وتستهدف هذه الخطة تحديث قطاع التعليم وفقاً لرؤية معمقة واضحة المعالم ، تمكن الطلبة من إستخدام التكنولوجيا في عمليتي التعليم والتعلم والوقوف أمام التحديات التي تحد من الارتقاء بنوعية مخرجات التعليم ،وفي ضوء ذلك، فإن هناك عديداً من الاختلالات الهيكلية التي يقتضي معالجتها بدلاً من الإستمرار في تجاهلها حتى لا تبقى المبادرات التي تستهدف إصلاح التعليم في اطار التوقعات. لذلك ، فإنه يتوقع من تلك الإستراتيجية معالجة التشوهات والاختلالات التالية التي يعاني منها التعليم الاساسي والثانوي والعالي الفلسطيني :

1- تزايد معدلات التسرب للطلبة الملتحقين بالتعليم الأساسي والثانوي، حيث يعاني التعليم الفلسطيني من نوعين من التسرب . أما النوع الأول فيطلق عليه تسرب أو تناقص اعداد الطلبة الملتحقين بالتعليم الاساسي والثانوي، ويمكن حسابه من طرح عدد الطلبة المتقدمين للثانوية العامه من عدد الطلبة الدين إلتحقوا بالصف الأول الإبتدائي قبل 12 سنه, ، ويلاحظ أن نسبة التسرب آخدة في التزايد من 13% عام 2009/2010 الى 18% عام 2014/2015.أما حجم التسرب الكلي فيساوي عدد الطلبة الدين تسربوا من الدراسة خلال 12 عاماً من إلتحاقهم بالتعليم الأساسي والثانوي مضافاً إليه أعداد الطلبة الدين رسبوا في إمتحان الثانوية العامة، حيث تصل نسبة التسرب الكلي إلى حوالي 45. ويبين الشكل رقم 1 تطور أعداد الطلبة الملتحقين بالصف الأول الإبتدائي في الأعوام 1998/1999-2003/20004، وعدد الطلبة الدين تقدموا ونجحوا في إمتحان الدراسة الثانوية العامة بعد 12 عاماً في الأعوام 2009/ 2010-2014/2014.وتعكس هذه المؤشرات إحدى مظاهر الأزمه التي يعاني منها التعليم الفلسطيني والشكل رقم (1) المرفق يبين الفجوات في أعداد الطلبة الملتحقين بالصف الأول الإبتدائي وعدد الطلبة الناجحين في الثانوية العامة.

الشكل رقم (1) :عدد الطلبة الناجحين في إمتحان الثانوية العامة.(بالآلاف) وعددهم قبل 12 عاماً عند إلتحاقهم بالصف الأول الإبتدائي

- انخفاض نسبة الناجحين في إمتحان الثانوية العامة بمعدل 65% فأعلى خلال الفترة 2009 -2014 ، فلم ترتفع تلك النسبة عن 50% ، وهذا يعني ان معدل عدد الناجحين سنوياً بمعدل 65% فأعلى لم يتجاوز 35 الفا وهذا اقل بكثير من الطاقه الإستيعابيه للطلبة الجدد في الجامعات التقليدية والكليات الجامعية وكليات المجتمع والتعليم المفتوح والتي تقترب من 60 الفاً، ويشير هذا الأمر إلى أن مؤسسات التعليم ستعاني من عدم الحصول على العدد المطلوب من الطلبة الجدد, وهنا يتم اللجوء الى قبول طلبة بمعدلات منخفضة,من 50% فأعلى لإستغلال الطاقة الاستيعابية لتلك المؤسسات.وفي العام الدراسي 2014/2015 لجأت بعض المؤسسات الاكاديمية الى تقديم عروض للطلبة الجدد لجذبهم للإلتحاق بها عبر تقديم حوافز مادية ومعنوية والتي تحاكي في بعض الاحيان العروض التي تقدمها شركات السفر والسياحه والطيران لجذب المسافرين.
3-أما بالنسبة لمخرجات الثانوية العامة، فإن 70% من الطلبة الناجحين والحاصلين على 65% فأعلى سيلتحقون بكليات العلوم الانسانية والباقي سيلتحقون بكليات العلوم والهندسة والعلوم الصحية وغيرها ،وبعد اربع سنوات من التحاقهم بكليات العلوم الانسانية فإن نسبة الخريجين من هذه التخصصات تشكل أكثر من 75% من مجموع الخريجين في سوق العمل حيث تشكل نسبة البطالة في صفوفهم أكثر من50% لتصل إلى ضعف معدل البطالة السائد في الضفة الغربية (20% ). وفي شهر إبريل/ نيسان من العام الحالي أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي عن توفر 1200 فرصة عمل في المهن التعليمية وقد تقدم لملىء هذه الشواغر حوالي 44 ألفاً وهم الذين تقدموا لاجراء الإمتحان الكتابي. وهذا يعني أن القطاع العام لا يستطيع توفير إلا جزءاً بسيطاً من الشواغر بنسبة لا تزيد عن 2.7% من حاجة الراغبين في العمل في مجال المهن التعليمية.أنظر الشكل رقم 2.والذي يبين مدى إرتفاع مستوى البطالة في صفوف الخريجين عن المعدل العام للبطالة في صفوف ا لذين تتراوح أعمارهم بين 15-65 عاماً.
الشكل رقم (2) : معدل البطالة% في صفوف الخربجين في فلسطين مقارنة مع البطالة لمجموع الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15-65.
وتبدو المشكلة أكثر عمقاً في الضفة الغربية ، حيث يزداد معدل البطالة في صفوف الخريجين بينما تتناقص معدل البطالة العام.
الشكل رقم (3) : معدل البطالة في صفوف الخربجين في الضفة الغربية مقارنة مع البطالة لمجموع الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15-65.

وتنبع هذه المشكلة من مدخلات التعليم الثانوي في فروع العلوم الانسانية والتي تشكل نسبة المتقدمين منها لإمتحان الثانوية العامة حوالي 80%. بالمقابل ، فإن نسبة طلبة الفرع العلمي المتقدمين لامتحان الثانوية آخذة بالانحسار التدريجي التي تصل إلى 19% بعد ان كانت هذه النسب تزيد عن 45% في منتصف السبيعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي, والى حوال 30% في منتصف التسعينيات. ويبين الشكل رقم 4 توزيع الطلبة المتقدمين والناجحين لإمتحان الثانوية العامة .
الشكل رقم (4) : توزيع الطلبة المتقدمين لإمتحان الثانوية العامة وعدد الناجحين بمعدل يزيد عن 50%


. وهكذا يتم تحويل مشكلة مخرجات التعليم الثانوي من حيث التوزيع بين الفروع وعدد الناجحين الى الجامعات خصوصا التقليدية منها ،التي تعتبر الخيار الأول للطلبة الناجحين دون حدوث أي تدخل من الجامعات في اعادة تقييم وتقويم وتاهيل الطلبة وتوجيههم نحو التخصصات التي تنسجم مع قدراتهم ومؤهلاتهم من جهة واحتياجات سوق العمل ن من جهة أخرى . وكانت كليات الآداب والعلوم والتربية من أوائل الكليات التي تأسست مع نشأة الجامعات الفلسطينية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ، وتحتوي تلك الكليات على دوائر وتخصصات تقليدية وتكاد تكون مكررة ومتماثلة، حيث يعمل معظم خريجي هده التخصصات في المهن التعليمية التي توفرها المدارس التابعة للحكومة الفلسطينية والمدارس الخاصة ومدارس وكالة الغوث ، تستوعب المدارس الحكومية حوالي 80% من مجموع الطلبة الملتحقين بالتعليم الاساسي والثانوي، ولذلك اصبحت فرص العمل المتاحة في التعليم محدودة جداً وهذه المؤشرات لا تعكس سوى الجمود في العملية التعليمية في التعليم الأساسي والثانوي والعالي على حد سواء.

4-مازالت مشاركة المرأة المتعلمة في سوق العمل منخفضة للغاية 19 % مقارنة مع نسبة مشاركة الرجال التي تزيد عن 71%، وذلك بالرغم من ارتفاع نسبة الطالبات في مؤسسات التعليم العالي بالنسبة للطلاب من حيث عددالطلبة الجدد والملتحقين بالتعليم العالي والخريجين والخريجات والتي تصل إلى حوالي 60% .ويعزى تدني نسبة المشاركة للنساء المتعلمات في سوق العمل إلى عديد من الأسباب، منها تدني الأجور التي تحصل عليها المرأة المتعلمة وعدم ملائمتها للعمل المبذول ،وتعدد المسؤوليات، وطول ساعات العمل وعدم تلائم التخصص مع طبيعة العمل الذي يمكن أن تحصل عليه بسبب الركود الأقتصادي . ولذلك ،فأن قرار الأندماج في سوق العمل ليس قراراً منفرداً يتم بحرية ، لأن أي قرار يتعلق بعمل المرأة المتعلمة أو مواصلة تعليمها العالي فإنه يتصل بمجموعة من العوامل والمتطلبات التي يستلزم توافرها من أطراف عديدة بداية من المرأة نفسها ، والأهل والمشغلين والمنافسة مع الرجل في الحصول على الوظيفة ، نظراً لقلة عدد التخصصات المتوفرة في الجامعات والمعاهد التي تتلائم مع قدرات ورغبات المرأة ومتطلبات سوق العمل الفلسطيني .
ويرتبط بتدني مشاركة المرأة المتعلمة ظاهرة تفوق الطالبات بالنسبة للطلاب في جميع مراحل الدراسة ، وأصبحت هذه الظاهرة ملموسة وبشكل ملفت للنظر حيث نجد أن معظم الأوائل من الخريجات خصوصاً في مرحلة البكالوريوس ابتداء من خريجات كلية الدعوة وأصول الدين وانتهاء بكلية الطب، وتشكل هذه الظاهرة قيدا من جهة اخرى على تطوير الكوادر الأكاديمية في الجامعات والمؤسسات من حيث مواصلة الدراسات العليا وإمتلاك تخصصات جديدة من جامعات متميزة، يعتمد عليها في التنمية الإقتصادية من خلال تخريج أجيال قادرة على الإندماج في سوق العمل. بالمقابل،فإن تلك المؤشرات تستدعي البحث في كيفية حشد الموارد لزيادة عدد المتفوقين من الطلاب حتى يمكن تطوير الكوادر الأكاديمية في مؤسسات التعليم بابتعاث المتفوقين منهم إلى الجامعات المتقدمة والمتميزة ليعتمد عليها في العقدين القادمين في الارتقاء بالتعليم وربطه بالنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، بحيث تؤدي عملية تحسين جودة التعليم لكل من الذكور والإناث ورفع مهارات المعلمين واالمحاضرين عن طريق التدريب وزيادة دور الحكومة في تقديم التعليم كسلعة عامة.

وبالرغم من أن الإنفاق على التعليم الأساسي والثانوي يشكل (20% ) من الموازنة المخصص للتعليم هي نسبة عالية عند مقارنتها بالدول المحيطة فإن العائد المتمثل في تنمية الموارد البشرية يعتبر من اقل العوائد عند مقارنته بالدخل والتوظيف ، ومعدلات النمو الإقتصادي وتراجع معدلات الفقر ومعدلات النمو السكاني. من جهة أخرى، وبالرغم من التزايد في عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس من عام 2.7 مليون عام 2000 الى 4.6 مليون عام 2014 بمعدل نمو سنوي 3.9% فإن معدل النمو لم يتجاوز 1% في عدد الطلبة الملتحقين بالصف الأول الابتدائي ، فقد إرتفع عدد الطلبة المسجلين في الصف الأول الإبتدائي من 100 ألف طالب وطالبة عام 2000/ 2001 إلى 114 طالب وطالبة عام 2013/2015 . وفي الوقت التي تستحوذ فيه الإناث على نسبة عالية من الإنفاق على التعليم إلا أن مشاركتهن في سوق العمل ما زالت متدنية كما أن طموحات الخريجات نحو الدراسات العليا ما زالت متواضعة ودون المستوى المطلوب.

5-وبالرغم من سعي الجهات المعنية بالعملية التربوية بتطوير منهاج فلسطيني متميز ،وإستخدام التكنولوجيا في عملية التعليم والتعلم إلا أن تحصيل الطلبة في اللغات ( العربية والانجليزية ) والرياضيات والعلوم ما زال ضعيفاً ودون المستوى المطلوب ، وينعكس ذلك في ضعف النظام التعليمي على توجه الطلبة نحو فروع العلوم الانسانية على حساب الفرع العلمي، وقد اثارت هذه المشكلة عديداً من التساؤلات نحو الغاء توزيع الطلبة بعد الصف العاشر نحو الفرع العلمي وفرع العلوم الانسانية وبالتالي الغاء امتحان التوجيهي، ويبدو ذلك احدى مظاهر المشكلة، أما جوهر المشكلة فيتمثل في تراجع عمليتي التعليم والتعلم للرياضيات والعلوم واللغتين العربية والإنجليزية، أو إنخفاض المستويات الأكاديمية للطلبة الدين يستمرون في الدراسة ويتم ترفيعهم من صف إلى أعلى سنوياً ترفيعاً تلقائياً، ولم يعد شرط إنتقال التلميد من مرحلة إلى أخرى إجادته اللغتين العربية والإنكليزية والرياضيات والعلوم .كما لم يرافق اعداد المنهاج الفلسطيني المتقدم لتلك المواضيع إلى تطوير لعملية التعليم ، وبالتالي عملية التعلم من خلال تحسين مكانة المعلمين المهنية ومنحهم مزيداً من الثقة والتدريبات وتحسن ملموس في مرتباتهم، وتمييز معلمي تلك المواد بمرتباتهم عن زملائهم من معلمي المواد الأخرى. كما لم توضع عملية التدريس في المرحلتين الاساسية والثانوية للرياضيات والعلوم واللغتين العربية و الإنكليزية من الاولويات، وهنا لابد ان تصبح عملية التعليم لهذه المواد أولوية وطنية حتى يتم الحد من تركز الطلبة في فروع العلوم الانسانية في المرحلة الثانوية والحد ايضا من نسبة الرسوب في إمتحان الثانوية العامة ، والحد من تآكل وضعف قدرات الطلبة الناجحين في الثانوية التي نلمسها عند الطلبة المقبولين الجدد في الجامعات.

6- إن توجه الطلبة من خريجي الثانوية العامة للتعليم التقني والفني، يتطلب من الجهات المعنية الاستثمار في وسائل إستخدام التكنولوجيا المتقدمة التي تستخدم في تعليم وتدريب هؤلاء الطلبة من جهة وتوفير الحوافز المادية والمعنوية والأجور التي يعرضها كل من القطاعين العام و الخاص وبدون ذلك فإن معادلة الطلب والعرض للتعليم الفني والتقني تبقى مختلة اما العلاقة بين التعليم والاقتصاد فلم يتحقق وجودها على ارض الواقع. وعندما قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي في الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي بإنشاء مراكز للتدريب المهني في الاراضي الفلسطينية كان الهدف منها توجيه الخريجين من تلك المراكز للعمل في الاقتصاد الاسرائيلي خصوصاً في قطاع البناء والاسكان، حيث كان الأجر الذي يحصل عليه العامل الفلسطيني في إسرائيل ثلاثة اضعاف الاجر الذي يحصل عليه في سوق العمل الفسطيني، ووفقاً للبيانات الصادرةعن دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية في عام 1994، فقد وصل عدد العاملين الفلسطينيين في سوق العمل الاسرائيلي ممن يحملون مؤهلات مهنية حوالي 20% . بالمقابل نجد العديد من خريجي كليات الاداب والعلوم الانسانية يحملون القاباً اكاديمية دون راتب، أووظيفة لا تطلب أية مهارات يعتمد عليها للحصول على دخل لتغطية نفقات المعيشة فهم لا يحصلون على ادوات عملية للاندماج في سوق العمل.فقد ادى تدفق العمالة الفلسطينية خصوصاً من الضفة الغربية الى سوق العمل الاسرائيلي أن اصبح العائد على التعليم للحاصلين على البكالوريوس في السوق المحلي منخفضاً للغاية عند مقارنته بالاجور التي يحصل عليها العمال المهرة واصحاب المهن ممن لم يحصلوا على مؤهل الثانوية العامة (اقل من 12 سنة دراسية). وهنا نجد كيف تلعب تشوهات السوق دوراً سلبياً في عدم السماح بالتراكم في رأس المال البشري على النحو المطلوب ، حيث يعمل الخريجون في مجالات لا تنسجم مع تخصصاتهم ، خصوصاً تلك التي تتسم بكثافة العمل من الوظائف الشاقة والصعبة والخطرة . وقد وصل حجم العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية فقط في إسرائيل والمستوطنات الى حوالي 120 ألف عامل في الربع الأول من العام الجاري 2015 وهو أعلى من المستوى الذي كان عليه عام 1992، عندما كانت العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة تتدفق الى اسرائيل بحرية تامة وقد وصل معدل عمر العاملين من الضفة الغربية في اسرائيل والمستوطنات 32 عاما وقد شكلت الفئة العمرية ( 15 – 35 ) عاماً أكثر من 70 % من مجموع العاملين الفلسطينيين من الضفة الغربية في إسرائيل والمستوطنات، كما تعكس البيانات التي تنشر عن العمالة الفلسطينية في إسرائيل ، إلى التزايد من سنة إلى أخرى.

7- ان ضعف التلائم بين مخرجات التعليم من الخريجين مع احتياجات سوق العمل كان نتيجة لعدم توفر شواغر للخريجين خصوصاً ان 70% منهم من المتخصصين في المهن التعليمية من الاداب والتربية والعلوم التطبيقية،ولا يزيد عدد الشواغر الوظيفية التي يوفرها قطاع التعليم سنوياً عن 3%. كما ان الاستثمارات في الاقتصاد من القطاعين الخاص والعام تبقى غير كافية لخلق شواغر جديدة تتناسب مع مؤهلات وقدرات الخريجين، فالتكنولوجيا المتقدمة مازالت محدودة وتستخدمها شركات محدودة تعمل في مجال الخدمات مثل الاتصالات والبنوك والتأمين، ولذلك لا نستغرب إذا وجدنا أن 80% من العاملين في القطاع الخاص لديهم مؤهلات لا تزيد عن الثانوية العامة (12 سنة دراسية فأقل) وهؤلاء يعملون في صناعات ومؤسسات كثيفة العمل تعتمد على التكنولوجيا المتوسطة.ويفتقر أصحاب تلك المؤسسات إلى المهارات التحليلية بسبب القصور في جودة التعليم التي يمتلكونها. ولذلك فإن عدم التلاؤم بين مخرجات التعليم العالي من الخريجين يعزى في المقام الأول إلى تشبع سوق العمل التعليمي وعدم قدرته على إستيعاب مزيد من خريجي تخصصات المهن التعليمية في مجالات الأداب والتربية والعلوم الأساسية، وهذا يعني أن الطاقة الاستيعابية لقطاع التعليم وصلت الى السقف الذي لا يسمح بتوظيف معلمين جدد للعمل في المدارس خصوصاً الحكومية منها . بالمقابل ، لا تتوافر شواغر كافية وملائمة لإستيعاب كافة الخريجين من كليات الهندسة والطب وطب الأسنان والأعمال وغيرها بوظائف متميزة وأجور معقولة. وبينما لا يتجاوز الطلب على خريجي تخصصات المهن التعليمية عن 5% من المعروض من هذه التخصصات ،فإن العرض من خريجي التخصصات المهنية في المجالات الصحية والهندسية والأعمال يزيد عن 40% عن الطلب الفعلي في تلك التخصصات.

8- وفي ظل إرتفاع نسبة البطالة بين الخريجين، فأن العزوف عن الالتحاق بالتخصصات المرتبطة بالمهن التعليمية أخذ يزداد من سنة إلى أخرى ،مما دفع خريجي الثانوية للبحث عن تخصصات تنخفض فيها نسبة البطالة مثل العلوم الإدارية والمحاسبة، والصحية والصحافة وغيرها ،وذلك على حساب التعليم المهني والتقني ،أو يقوم الطلبة بالبحث عن تخصصات في الخارج . ويعتبر إرتفاع نسبة البطاله بين الخريجين من العوامل المثبطة عن مواصلة التعليم من الناجحين في الثانوية خصوصا من الحاصلين على معدلات النجاح من 50%-65%, ولهذا نجد نسبة عالية منهم يتوجهون مباشرة للعمل في الوظائف التي لا تتطلب قدرات ذهنية وعلمية مثل قطاع البناء والاسكان خصوصا في المستوطنات بشكل خاص والاقتصاد الاسرائيلي، كما نجد أن حوالي 80% من العاملين في القطاع الخاص الفلسطيني يمتلكون مؤهل الثانوية العامة أو أقل. وبشكل عام, وفي ظل تدني الاستثمار من القطاعين الخاص والعام بخلق فرص عمل جديدة للذين يدخلون سوق العمل خصوصا من الخريجين, فان ذلك يشكل دافعا قويا للاخرين ممن لم يحصلوا على شهادة الدراسة الثانوية ومن الذين يتسربوا من الدراسة ومن الذين اجتازوا امتحان الثانوية العامه بمعدلات منخفضة الى البحث عن عمل في القطاعات الاقتصادية الاسرائيلية .

وهكذا نجد انه كلما تدنى مستوى التعليم إزداد الاعتماد على اسرائيل والمستوطنات في حل مشكلة البطالة و هذا يبدو واضحاً في ظل تسرب الطلبة من المدارس وتردي نوعية التعليم وتراجع عدد الناجحين وتركز الخريجين في تخصصات لا تتلاءم مع احتياجات السوق, كما إزداد الإعتماد على فرص العمل التي توفرها المستوطنات ،التي يعتمد عملها على تقسيم العمل لإنشاء المشاريع التي تنتج السلع والخدمات التي يعتمد إنتاجها على التقنية العالية لتصديرها على الخارج خصوصا الولايات المتحده، التي تسخر كل مواردها كأكبر أقتصاد في العالم ، لخدمة الاقتصاد الاسرائيلي حيث ان معدل الاستثمار الفردي فيه أعلى معدل في العالم. وقد أصبحت الصادرات الإسرائيلية من خدمات الإنترنت تشكل أكثر من 10% من الصادرات العالمية، فقد زادت الصادرات من خدمات الإنترنت إلى حوالي 10 ملياردولار في العام 2014.أما الوظائف التي تعتمد على العمالة الكثيفة والتي تصنف أيضاً ضمن الوظائف الشاقة والصعبة فتترك للفلسطينيين. وهكذا نجد إن اسرائيل تقوم بتوظيف العماله الفلسطينية شبه الماهرة وغير الماهرة التي انفصلت عن التعليم بمراحلة المختلفه للبحث عن فرص عمل في الاقتصاد الاسرائيلي .وتشكل نسبة العاملين في إلإقتصاد الإسرائيلي والمستوطنات حوالي 20% من مجموع العاملين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبينما لا يسمح للعمالة من قطاع غزة بالعمل في إسرائيل.، فإن أكثر من P. من العمالة المقدسية تعمل في إسرائيل خصوصاً في قطاعي الخدمات والبناء.
وبدلا من تسخير الموارد البشرية الفلسطينية خصوصاً المتعلمة منها في بناء المشروع الوطني الفلسطيني, فانه يتم استغلالهم في بناء المشروع الاستيطاني الاسرائيلي الذي يعتمد على نهب الارض واستغلال العمالة الفلسطينية لإنتاج سلع وخدمات باجور زهيده وذلك في ظل دعوات المقاطعة الفلسطينية والعالمية لمنتجات المستوطنات وهذا في ظل قيام بعض الدول التي تصدر جزءا من القوى العامله لديها للعمل في الاقتصاد الاسرائيلي, بعدم إستخدامها للعمل في المستوطنات كما طلبت الصين في الاسابيع الأخيرة من اسرائيل بعدم تشغيل العمالة الصينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( المستوطنات الاسرائيلية) .

التوجهات العالمية لإصلاح التعليم
بات الارتقاء بالتعليم موضع إهتمام العديد من دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء في ظل تنامي دورها الاقتصادي والسياسي. وتعتبر المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين احدى الأشكال الظاهرية للسباق والمنافسة، ولكن جوهر المنافسة بينهما هو مجال التعليم. وقد علق الرئيس الامريكي باراك أوباما على ذلك بأن البلاد التي تتفوق على الولايات المتحدة في مجال التعليم ستتفوق عليها غداً في باقي المجالات، وقد أكد أوباما في الخطاب السنوي للاتحاد الذي يتحدث فيه للأمة الأمريكية في نهاية شهر يناير / كانون ثاني من كل عام أن هناك تراجعاً في تدريس العلوم والرياضيات واللغات في المدارس الامريكية واقترح تمويلاً حكومياً للبرامج التي تستهدف النهوض بتدريس تلك المواضيع .كما أكد الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية في عام 2012 إن تعزيز الانتعاش للإقتصاد يعتمد بشكل رئيس على مدرسين يتمتعون بمهارات عالية لتدريس الرياضيات والعلوم واللغات، فقد اقر الرئيس الامريكي على تخلف الولايات المتحدة في تعليم وتعلم هذه المواضيع مقارنة مع نظرائها من الدول الصناعية.
وفي بريطانيا والولايات المتحدة صدر تقريران في مطلع هذا القرن عن قيمة التعليم الجامعي، حيث أعتبر ان عائد الإستثمار في التعليم يفوق مردود أي أستثمار آخر، ولذلك يدعو التقرير الامريكي الى كيفية الارتقاء بالنظام التعليمي الاساسي الذي يعاني من الركود والتخلف لأن امريكا لا تستطيع الإعتماد على إستنزافها لعقول العالم طوال عقود عديدة لإنها لن تعود للقوة الإقتصادية العظمى.

اما التقرير البريطاني فقد اكد على الإهتمام بنوعية الخريجين من الجامعة التي يمكن توفيرها خلال العقد الثاني من القرن الحالي لتعزيز القدرة التنافسية للإقتصاد البريطاني أما التخصصات المطلوبة لتعزيز بنية الاقتصاد البريطاني فهي ادارة المصارف والمحاسبة وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات وهندسة الجينات، والطب المتقدم وغيرها من التخصصات اللازمة لانتاج سلع وخدمات جديدة التي يتطلب انتاجها استثماراً واسعاً في التعليم.

وفي مذكرات طبيب في مجلس الوزراء، بين الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، كيف عالج مشكلة البطالة في صفوف الخريجين فقد ابدى اهتمامه بتدريس اللغات من جهة وتدريس العلوم والرياضيات حتى يمكن الاستمرار في متابعة التطور في هذه العلوم، كما جعل المدارس من أهم المرافق حتى بدت تسمى مدارس سمارت بمبانيها الجميلة التي تجذب الطلبة للالتحاق بها. كما عمل على حل مشكلة التفاوت في مستويات التعليم بين الطلبة لصالح الإناث، بسبب إنخفاض نسبة مشاركتهن في سوق العمل. وما زالت التجربة الأسيوية مثالاً يمكن الاستفادة منه في بناء نظام تعليمي متقدم يبدأ من مراحل ما قبل الجامعة يماثل أنظمة التعليم المتطورة في عديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وفي هذا الصدد فإن مستوى تدريس الرياضيات والهندسة والتعليم الفني والعلوم واللغات يعتبر من أهم المعايير التي يعتمد عليهافي قياس مؤشرات جودة النظام التعليمي ، فخلال ثلاثين عاماً حققت ماليزيا وكوريا الجنوبية والصين نهضة تعليمية ، التي إعتمدت على قيم الأخلاص والاتقان في العمل.
ملاحظات ختامية
تستدعي التشوهات التي يعاني منها قطاع التعليم الفلسطيني أن يتم مناقشة أسبابها وتداعياتها على المجتمع والاقتصاد وبالتالي على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة . ومن أهم التشوهات تضاءل العوائد مقارنة مع معدلات الإنفاق على التعليم بسبب التزايد في معدلات التسرب السنوية خلال مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي بمعدل( 20% ) وما بعد إنهاء المرحلة الثانوية حيث تصل نسبة الراسبين إلى حوالي 50% من عدد المتقدمين في فروع العلوم الإنسانية ، وهذا يعني أن حوالي 60% - 70% من الذين يلتحقون بالصف الأول الابتدائي لا يحصلون على شهادة الدراسة الثانوية التي تؤهلهم للالتحاق بالمعاهد والجامعات ، ونظراً لتركز خريجي الثانوية العامة في تخصصات العلوم الإنسانية فإنهم سيلتحقون بتخصصات لا تتلاءم مع إحتياجات سوق العمل .

لذلك فإن التزايد في معدلات التسرب والبطالة في صفوف الخريجين التي تزيد عن معدلات البطالة. العامة بسبب تآكل القدرات الذاتية للإقنصاد الفلسطيني وتآكل سيناريو حل الدولتين وتراجع مفهوم الدولة الوطنية بسبب الأحداث المحيطة بالمنطقة ، فإن العمل في إسرائيل والمستوطنات أصبح الملاذ الوحيد لتشغيل الذين تسربوا من مراحل التعليم المختلفة والذين رسبوا في إمتحان الثانوية العامة أو الذين حصلوا على معدلات متدنية في الثانوية العامة ومن خريجي المعاهد العليا والجامعات الذين يمتلكون تخصصات لم سوق العمل بحاجة إليها كما هو الحال بالنسبة للمهن التعليمية ، حيث لا تزيد حاجة السوق عن3% من المعروض من هذه التخصصات. وتعكس تلك المؤشرات مدى هشاشة وضعف العلاقة بين التعليم والاقتصاد. ذلك ، فإنه يتوقع من الجهات المعنية القيام بما يلي: :-

أولاً: التربية والتعليم
تناولت إستراتيجية التعليم 2014-2019، عديداً من المحاور التي تستهدف الإرتقاء بالتعليم والتعلم من خلال توفير المرافق التعليمية والبنى التحتية ودورات متخصصة في التدريب والتأهيل. ولكن تبقى عملية التعليم للغتين العربية والإنكليزية وتدريس الرياضيات والعلوم من أهم مرتكزات الخطة الإستراتيجية لمواجهة التشوهات التي يعاني منها التعليم الفلسطيني الأساسي والثانوي والجامعي. ويتطلب تحقيق ، ذلك، بأن تقوم الوزارة بإعتماد آليات محددة تسهم في جوددة العملية التعليمية عبر تقليل نسبة عدد الطلبة لكل مدرس وتوفير الوسائل التكنولوجية في العملية التدريسية ، وتوفير الدورات التدريبية والتأهيلية لمعلمي اللغات والرياضيات والعلوم وإعتماد الحوافز المادية والمعنوية والمدارس وفقاً لمعايير تقييم يتفق عليها لقياس إنجازات الطلبة والمدرس والمدرسة. على حد سواء.

ثانياً.. من الجامعات
1- تخفيض الحد الأدنى لمعدلات الطلبة الناجحين في الثانوية المطلوبة عند التقدم بطلب الالتحاق بالجامعة من 65% إلى 60% لتتمكن الجامعات التقليدية من الحصول على العدد المطلوب من الطلبة الذي يساوي ينسجم مع الطاقة الإستيعابية لكل جامعة.
2- أن تقوم الجامعات بإجراء إمتحان للطلبة الدين تقل معدلاتهم عن المستوى الدي التي تحدده الجامعة.
3- -يمنح الطلبة الدين لم يجتازوا إمتحان القبول قبولاً مشروطاً.
4- أن يقوم الطلبة الحاصلين على قبول مشروط بدراسة مساقات أستدراكية في اللغتين العربية والإنكليزية. والرياضيات
تستهدف أعادة تأهيلهم بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الحد الأدنى من المعرفة أثناء وجودهم في المدارس الثانوية.
5- أن يسمح للطلبة من خريجي الثانوية العامة في العلوم الأنسانية بدراسة مساقات أستدراكية في الرياضيات والعلوم واللغة الإنكليزية من أجل تمكينهم من الالتحاق بالتخصصات التي يلتحق بها الطلبة الناجحين من الفرع العلمي.

6- أن تبدأ الجامعات بأعداد برامج تستهدف أعادة هيكلية التخصصات للكادر الأكاديمي التي أصبحت تشهد أقبالاً ضعيفاً من الطلبة الجدد على عديد من تخصصات العلوم الإنسانية و الأساسية .

7- أن تقوم الجامعات بتوفير الدورات التدريبية لتأهيل الخريجين للحصول على خبرات عملية لتمكينهم من الإندماج في سوق العمل المحلي والخارجي عند إكتسابهم مهارات محددة ومطلوبة بالنسبة للسوق أوإنشاء مشاريعهم الخاصة التي ستؤمن لهم توظيفاً ذاتياً ويمكن أن تصل المدة إلى سنة .وهذا الوضع الوضع يمكن أن يماثل تخصصات الطب والحقوق حيث يحتاج الخريج إلى خبرة وتدريب يمكن أن يصل إلى سنتين لمزاولة المهنة.