الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل يمكن إيقاف الاقتتال (العربي/العربي) عند هذا الحد ؟؟

نشر بتاريخ: 30/07/2015 ( آخر تحديث: 30/07/2015 الساعة: 11:37 )

الكاتب: ناصر دمج

يتساءل أبناء الأمتين العربية والإسلامية، عن إمكانية وجود طريقة ما، أو وصفة محددة لإنهاء الاقتتال العربي العربي، الذي يعرض البلاد العربية لخطر التقسيم والحذف، وهل بالفعل بإمكان العرب الانتقال من جحيم الحالة الراهنة إلى أخرى مختلفة ؟

أنا أرى بأن هناك إمكانية لذلك، وقد يبدو هذا القول غريباً، لكن مدخلي إليه هو أن إسرائيل هي المتسبب الرئيس وليس الوحيد لمشكلات المنطقة العربية الاستراتيجية، وإن ما يتعرض له الوطن العربي حالياً هو جزء من تدابير إسرائيلية قديمة ومحدثة لإعادة هندسة حدود الدول وفرز شعوبها على أسس مذهبية وإثنية، من أجل خلق ظروف جيوسياسية جديدة تساعد في هضم وجود إسرائيل بين دول المنطقة (كدولة يهودية)، فضلاً عن الفوائد التي لا حصر لها من وراء تفكيك الدول العربية وإعادة ترسيم حدودها؛ وإعادة بناءها بمعايير الدول الغربية وشركاتها المتوحشة، وهي معايير مصممة على سلب ما يمكن سلبه من خيرات وأموال الأمة؛ وتبديد ما لا يمكن سلبه، وتعميق تبعية الحالة الاقتصادية الكلية للمنطقة بالاقتصاد الغربي.

وهذا يعني بأن الشركات الغربية، التي تنفذ عمليات تنقيب مسعورة في باطن الأرض العربية منذ مائة عام عن النفط والغاز، هي التي تحدد استراتيجيات الدول الغربية (السياسية والعسكرية) وجزء كبير من تلك الشركات مملوكة لاقتصاديين يهود نذروا أنفسهم لخدمة (إسرائيل)، ولأن تلك الشركات اكتشفت خيرات مهولة من النفط والغاز في السواحل العربية المتوسطية، فإن الساسة الغربيين مع الاقتصاديين الغربيين تلاقوا من جديد مع بداية هذا القرن، لذا فإن تأبيد الاستعمار الاقتصادي ذي الغلاف العسكري لدول المنطقة هو الهدف الأعلى المشترك للدول الغربية وإسرائيل.

بسبب ذلك فإن الدول الغربية لن تسمح لسوريا بصرف النظر عن نظام الحكم فيها الاستفادة من الثروات الجديدة من النفط والغاز في الساحل السوري، والمقدر بأنه يضاهي ما لدى قطر وروسيا الاتحادية من غاز؛ وهذا من شأنه أن يجعل من سوريا دولة عظمى خلال السنوات القادمة فيما لو قدر لشعبها التحكم بإنتاجه وتصديره.

في هذا السياق تأتي الأهمية الاستثنائية لتوقيت الاتفاق الإيراني الغربي حول (الملف النووي الإيراني) في هذه اللحظة من عمر الفتنة العربية العربية، وهو اتفاق تم بناؤه على تفاهمات اقتصادية صرفة مع إيران، مقابل إطلاق يدها في دعم حلفاءها في (البحرين واليمن وشرق العراق وسوريا ولبنان) وفي مقدمة الفوائد التي ستجنيها إيران من اتفاقها مع الغرب، إبقاء النظام السوري في شرق سوريا، ومنح شركات النفط والغاز الغربية أفضلية الحصول على عقود الاستثمار في الساحل السوري.

وهذا يعني قلب أولويات النظام الإيراني الإقليمية، ونزع مخلبيها المنغرسين في جسد إسرائيل وهما (حزب الله وحركتي حماس والجهاد) أي وقف الدعم العسكري لحركتي حماس والجهاد، وتعميق دور حزب الله في حماية ظهر النظام السوري، وصرف النظر عن وجود إسرائيل في مزارع شبعا المحتلة، ولهذا التحول مخاطره التي تتلاقي مع جهود الآخرين في تقسيم المنطقة ونزع أضلاع الدول العربية عن بعضها البعض، لأن ما سيعني إيران من الآن وصاعدا في العراق هو الحفاظ على المناطق التي يوجد فيها حلفاءها من العراقيين (جنوب شرق العراق)، غير ذلك ستتلقى داعش وغيرها ما يلزمها من دعم لفصل جزءها الخاص من العراق عن الجزء الخاص بإيران وحلفاءها، والأمر نفسه سيتم في سوريا.

وهذا التطور هو أحد تجليات الدور الإيراني الجديد في المشرق العربي؛ وهو مبني على دعمها لحلفائها المذهبين وليس خدمة قضية الأمة الإسلامية وتحرير القدس، وهو تطور سينتهي بتثبيت الكيان الشيعي في شرق وجنوب العراق، والحفاظ على وجود الحوثيين في اليمن كقوة عسكرية ضاربة وجاهزة للعمل، والحفاظ على قوة الطائفة الشيعية في البحرين، ومدها بما يلزمها من دعم لزعزعة نظام الحكم السني، والسيطرة على بيروت بعد ترميم قدرات وبنية حزب الله بعد إن تضع الحرب السورية أوزارها، وتحريك الطائفة الشيعية في شرق السعودية، وهنا سيتجلى التطور الثاني والأخطر للدور الإيراني، أي بدء الصدام الكبير بين رأسي الهرمين الإسلاميين (السني والشيعي) الذي سيختتم بنهاية الأمة الإسلامية كقوة حضارية فاعلة في التاريخ.

لهذا أعود إلى السؤال الرئيس لهذه (المناقشة) وهو
هل يمكن إيقاف هذه المأساة العربية عند هذا الحد ؟؟ برأي نعم يمكن ذلك من خلال إعادة الأمور إلى نصابها، أي استحضار فلسطين في المشهد بكل طاقتها المؤثرة والمؤسسة للأدوار القومية؛ وهذا يعني بأن الشعب الفلسطيني مطلوب منه المساهمة في مساعي تخليص الأمة من هلاكها المتوقع، أي على الشعب الفلسطيني الانخراط في حرب شعبية شاملة ضد المحتل الإسرائيلي، وهذا سيؤسس لتعديل مسار الاهتمامات العربية العربية، وتصويب دافعيات الاستقطاب الإقليمية وربطها بمحركها الطبيعي والصحيح ألا وهو (الصراع العربي الإسرائيلي)، القائم على مواجهة إسرائيلي من قبل العرب والمسلمين كواجب دينيي وقومي، وهو أمر كان يلقى وما زال الإجماع والترحيب (العربي العربي والإسلامي الإسلامي) بعد ذلك فإن نجاح تعديل مسار الخيارات وتصويبه سيتناسب طردياً بمستوى وعمق الصدام مع المحتل الإسرائيلي؛ وهذا كفيل بتخليص الأمة تدريجياً من ما علق بها من دماء أبناءها وانقلاب قيمها الدينية والقومية، وسيبرز الاحتراب (العربي/العربي) في ضوء ذلك كعمل بذيء جدير بالإدانة والازدراء، ومن الممكن أن تؤسس الحرفية العالية للمقاتلين العرب الذين انخرطوا في الحروب الدائرة حالياً في الدول العربية، لمزيد من الانتصارات على المحتل فيما لو تم توظيفها بشكل حسن، بناء عليه فإنني أدعو شعبنا وقواه الحية والفاعلة، وفصائله المقاتلة إلى دفع هذا التحول إلى الوجود لأنه سيسهم في تخليص أمتنا من ما رسمه لها الأعداء، وعلينا أن لا نتعامل مع ما يحدث حالياً كقدر مقدر علينا، غير قابل للرد.