الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاعلام الفلسطيني بين الاستقلالية المهنية والتجاذبات السياسية والفكرية

نشر بتاريخ: 04/08/2015 ( آخر تحديث: 04/08/2015 الساعة: 10:47 )

الكاتب: د. سليمان عيسى جرادات

وطن محتل منذ اكثر من ستون عاما صار كل شبر منه ملف شائك من القضايا الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية تحتاج لألف كاميرا لتسلط الضوء عليها ، وفي زمن رمتنا فيه المحن بمثقل الفتن خاصة بعد احداث العام 2006 م ، وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بقوة السلاح ، مارست وتمارس بعض القنوات المحلية والفضائية بشتى اتجاهاتها اسفافها الابدى مع نقل الواقع الى اغاني مزعجة ؟ لكل اغنية لها كلماتها وإلحانها ومغنيها وجمهورها الخاص ، واثقلت قضيتنا برتلٌ من بعض المخرجين السياسيين والمنتجين الفاشلين في توحيد خطاب اعلامي موحد بعيدا عن التجاذبات السياسية والفكرية لأنها تقاصر ابداعهم عن انتاج مختلف مبدع ولو لمرة عن دورة الملل القاتله هذه منذ سنوات مضت.

عقود مضت على مسيرة الاعلام الفلسطيني والذي وقف كلعقة راسخة في مواجهة التحديات التي تابعت مراحل نضال وكفاح الشعب الفلسطيني واثبت بالرغم من الامكانيات المتواضعة ان يوصل رسالة ملحمة وقضية شعب عبر الاذاعات والمحطات الارضية لكافة شعوب العالم واستقطابها ، واليوم يوجد عشرات - مئات المحطات الاعلامية الارضية والفضائية المقروءة والمسموعة والمكتوبة جزءا كبيرا يتنافس على ابقاء الحال والانقسام الفلسطيني تنفيذا لسياسة القائمين عليها وتغذيتها عكس ثقافة هذا الوطن الغنية وطرح قضاياه الملحه وعكس الوجه المشرق للانجازات التي حققت وهي مقدمة لإقامة دولة القانون والأمن والإعلام الحر بشكل كافي.

مَثَل الشعب الفلسطيني اسطورة وطن بتضحياته وصموده على ارضة وانجازات القيادة السياسية في المحافل الدولية ، بمثل هذا التنوع ابتلاه الله بالعديد من القنوات والمحطات الفضائية الدولية والإقليمية والمحلية والبعض من المخرجين والمنتجين المحليين يدور كلهم في فلك البرامج الحوارية المميتة والمحبطة ، متناسيين قضايا عادلة وان كانت تطرح بشكل كافي في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بانتهاكاته وأفعاله اليومية التي تمثل مادة اعلامية دسمة لو وجدت العقليه المبدعة لحطمنا شاشات العالم بالمشاهدة واستمرت ملايين الاعين على قنواتنا ؟ ولكن ماذا نقول مع هذه الغيبوبة الابدية تكمن في انها تزج بك في جو من البؤس المزعج كل ما غصت عميقا في مشاهدة برامجها ونشرات اخبارها المرئية وتقلب صفحاتها الالكترونية المقروءة والمكتوبة وسماع تحليلات مأجورة في بعضها وما زاد الطين بله جمهور التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتوتير وغيرها ، كابوس يومي خانق تعيشه فئات كبيرة من مجتمعنا الفلسطيني والعربي لا تستطيع الفكاك معه لأخر حرف تسمعه او تقرأه لتكتشف انك كنت اسير دوامه أليمه لا ينفعك معها نهاية سطورها إلا بتغير من يتولى التفكير عن الشعب من الاعلاميين او بعض السياسيين والمحللين وهو ما يوحى الى الشعب من هم اعداءه ومن يجب ان يحب وهو المسيطر على عواطف الناس فحركة العواطف حركه جماعية لا تختلف من شخص لأخر امام شاشات الرصد ليبث لهم مكنون البغض والكراهية التي تراكمت داخلهم .

ولأننا كشعب فلسطيني عاش ويعيش قضية مهددة كوجود في ظل السياسات وإجراءات الاحتلال اليومية ، وصفر نتيجة للجهود الدولية وصفر نتيجة لموقف عربي اسلامي صارم ، وصفر نتيجة بإنهاء الانقسام بين شطري الوطن والتوحد على خطاب سياسي امني وطني واحد ، وتأمر بعض القيادات على شرعية الشعب الفلسطيني ووحدة مصيره بشحمها ولحمها ، وانجاز متواضع لحكومة مكبلة بالتزامات وديون متراكمة ، الامر الذي أصاب الشلل بعض مفاصلنا الكلية والأساسية وأصبحنا محاصرين في احساس واحد نتشاركه ونتحمل مسؤوليته جميعا لا نستطيع منه الفكاك هو مزيج من البؤس ، اليأس ، القنوط ، الخوف والعجز ، الاحباط ، عدم التفاؤل ، الذي يكبل التفكير والإبداع للدرجة التي تظن معها انه لا خير في ما تفكر فيه انت لو كانت ضد فكرة من تخالفه الرأي والمشورة وتكرس مزيد من القهر والضياع فالإحساس بالخوف وعدم الامان قد يتطور لدرجة تاليه ستعرفون لأي مدى نحن موحلون في هذا التشبيه وغارقون في حطام شخوصنا اذا اسقطنا شعار الانا على واقعنا الفلسطيني بشكل خاص ومجتمعاتنا العربية بشكل عام فلننظر لحالنا لنتعرف على حقيقة واقعنا اليوم.

مضت سنوات وأقلامنا وأحاديثنا وتحليلاتنا وتشخصينا واحدة مرتبطة بانتماءاتنا السياسية والأيدلوجية لم تتغير عبر قنواتنا مع هذه الغيبوبة ، والبلد تعج بمئات ان لم تكن آلاف القضايا تمثل هذه القضايا ماده دسمه وغنيه للتناول الاعلامى وهناك العديد من الاعلاميين الذين اثبتوا رشدهم في انتاجهم الاعلامي ، ولكن يبقى الكثير عليهم ان يفتح الله على قلبهم بوازع المسؤولية وعلى عقلهم بواسع الفطنة بكسر طوق الروتينيه والابتعاد عن نرجسيته، ويخرج على الشارع الفلسطيني يحمل كاميرا وفكرة لخرج علينا بأجمل البرامج المعالجة بوعي وإدراك خاصة القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من القضايا التي هي تمثل رأي عام في الشارع الفلسطيني ، التي اصبحت تتفاقم وتستفحل يوما بعد يوم وتهدد السلم الاهلي الاجتماعي لمجتمعنا بالرغم من المعالجات التي تقوم عليها جهات الاختصاص ، ولكن لا بد من حملة اعلامية حثيثة تساهم به اصحاب العلاقة والاختصاص ليتم معالجة المواجع والقضاياه بشكل جدي ويسلط عليها الضوء بالشكل الكافي وإيجاد الحلول المناسبة لها وفق القانون .

وإذا بقيت تلك الروتينية الاعلامية في مجتمعنا الفلسطيني وفي ظل هذا الشمولية الخانقة المحاصرة بديهي ان تحاصر عقولنا هكذا من خلال هذه القنوات الموجهة وحصر تفكيرنا وعواطفنا في زاوية واحده هي زاوية الغناء والمسلسلات والأفلام الباهتة والإشاعات المغرضة والتحريض ، للنوم في غيبوبه جماعية تسكر الشعب وتبعده عن اهدافه وراء منطق تحليل السوق الشعبي وفرضية العرض والطلب ولكن نقول ان المجتمع الفلسطيني بقياداته الحكيمة وأجياله الشابة جيل تفوق على كثير من مخاوفه وعالج عجزه بنشاطات خيرة وأصبح يقود مبادرات تساهم وتساند وان كانت متواضعة في حل الكثير من الالغاز لإجراء عملية علاجية جذرية لإنهاء الانقسام وغيرها من القضايا عبر تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ببرنامج سياسي متفق عليه او برنامج قادر على استقطاب قطاع واسع من الجماهير لكي تعاضده وتقف بجانبه ، الامر الذي يحتاج في هذه الايام الى نخبة اعلامية مدركة لدورها الوطني ودورها السياسي وتقدم مصلحة الوطن والجماهير على مصالحها الخاصة بعيدا الحزبية ومنسجمة مع نبض الشارع التي عبرت وتعبر عنه شريحة كبيرة من المواطنين ، وأيضا نخب مؤمنه بعملية التغير بالاحتكام الى الانتخابات ونتائجها الاعتقاد السائد في الشارع غير متوفرة ولكن الشعب سيكون الفيصل واللاعب الرئيسي في تأثيراته المستقبلية في اي استحقاق وسيغير معتقدات ومفاهيم صوّرت جوانب مختلفة من الحياة الفكرية والثقافية التي عاشها المجتمع في الفترات التاريخية المختلفة ، فهل في فلسطين لدينا هذه النخبة السياسية داخل المؤسسات السياسية القائمة حاليا والتي خبرناها في السلطة والمعارضة هو السؤال الذي يجب الاجابة عليه لكي تتم عملية المقاربة التاريخية .