السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

جلول ملايكة في ذمة الله: المناضل الجزائري الذي عشق فلسطين

نشر بتاريخ: 27/08/2015 ( آخر تحديث: 27/08/2015 الساعة: 22:50 )

الكاتب: د.احمد يوسف

جلول ملايكة: نبذة تعريفية
ولد الفقيد في 17سبتمبر 1928م بوادي العلايق (البليدة)، وكان من مناضلي الحركة الوطنية إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية، لينضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني سنة 1955م. وبعد الاستقلال، واصل المجاهد جلول ملايكة نضاله الوطني لينتخب نائباً بالمجلس الوطني التأسيسي، كما كان نائباً بالمجلس الشعبي الوطني لعدة دورات.
يعتبر جلول ملائكة (رحمه الله) واحداً من بين الأسماء المرموقة التي ناضلت خلال فترة الاستعمار، وحتى في المرحلة التي أعقبت الاستقلال، خدمةً لوطنه، ونصراً لقضيته وإعلاءً لرايته، وتعزيزاً لمكانته. بالطبع، لم تقف تضحياته عند حدود الجزائر، بل شدَّ الرحال متنقلاً بين القارات في سبيل الدفاع عن كلّ الحركات التحررية في العالم، حيث كان يترأس مكتب دعم تلك الحركات، والتي كانت تراها قيادة بلاده عادلة، وامتداداً لثورتها ضدَّ الظلم والتبعية الاستعمارية.
التعارف: هكذا كانت البداية واللقاء
خلال إقامتي في الجزائر العاصمة، والتي استمرت حوالي عامين تقريباً (2004 – 2006م)، اتيحت لي الفرصة للتعرف على الكثير من رجالات جبهة التحرير ورموز الحركة الوطنية هناك، وكان من بين هؤلاء المناضل جلول ملايكة، حيث سبق لي اللقاء بالأستاذ محمود سليم؛ المسئول بالسفارة الفلسطينية بالجزائر، والذي كان زوجاً لابنته.
كان الحديث مع الأخ محمود سليم يأخذنا – أحياناً - إلى السؤال حول بعض المسائل الشخصية، ومنها خلفيات زواجه من فتاة جزائرية، فكان يذكر لنا مكانة والد زوجته، المجاهد جلول ملايكة وتاريخه النضالي، وحبه لأهل فلسطين، وحجم ما قدمه من أجل القضية الفلسطينية. شدَّني هذا الحديث للأخ محمود سليم حول الرجل ومسيرته التاريخية، فطلبت منه ترتيب لقاءٍ معه، بهدف الاستماع إليه، حيث إنني كنت مهتماً بتوثيق تاريخ العلاقة مع الجزائر، وقد شرعت – آنذاك - بوضع ذلك في كتابٍ، بعنوان: "فلسطين في وجدان الجزائر: الأبعاد الدينية والقومية ودلالاتها التاريخية".
لقد حرصت على زيارة القيادي الجزائري جلول ملايكة في بيته بحي "باب الواد"، حيث استقبلني بترحاب ومحبة، ودار بيننا حديث طويل حول مسيرته النضالية، وعلاقاته التاريخية الوطيدة بالثورة الفلسطينية، وبالزعيم ياسر عرفات (رحمه الله).
بعد هذا الحديث الطويل معه، وحجم المعلومات التي تبدت لي خلال جلسة الحوار تلك، قلت له: سي جلول.. سأعود إليك مرة أخرى لنبدأ الحديث من جديد، ونضع هذا الكنز من التراث المعرفي الذي يتضمن تاريخ العلاقات الفلسطينية – الجزائرية المتميزة في كتاب، لتتعرف من خلاله الأجيال القادمة - من أبناء الشعبين - على سرِّ هذه المحبة، وطبيعة الإخاء والمودة التي ربطت بينهما، والتي عبَّرت عنها تجليات تلك المقولة الخالدة للراحل هواري بومدين (رحمه الله): "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، وهي اليوم، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، تمثل قوة الفعل الدافعة لتلك العلاقة، والمحرك لكل ما نشاهده من تعاطف كبير من أبناء الجزائر وقياداتها الفكرية والسياسية والدعوية تجاه الشعب الفلسطيني، حيث تقدمت الجزائر – الشعب والدولة - في مواقفها السياسية على الجميع، وقدمت من الدعم والعطايا الكثير، وكانت أعلام الجزائر وشبابها دائماً حاضرة مع كل الوفود الزائرة لكسر الحصار عن قطاع غزة، والتي ركبت الصعب، وجاءت عبر البر أو البحر.
شاءت الأقدار أن أغادر الجزائر في فبراير 2006م عائداً إلى قطاع غزة، وذلك قبل أن تتحقق أمنيتي في اللقاء به مرة ثانية بالجزائر لتسجيل حلقات الكتاب معه، ولكن ذكريات ذلك اللقاء ما زلت تعيش معي في الكثير من تفاصيلها؛ لأن صدق الرجل وانتمائه العروبي وحبه لفلسطين وأهلها، كانت واضحة في نبرات صوته، وفي رواياته للكثير من الوقائع والأحداث التي جرت معه خلال الحرب الأهلية في لبنان، حيث كان يحاول التوسط مع السوريين لمنع تلك المواجهات الدامية، والتي استهدفت المقاومة الفلسطينية هناك.
كان رأس المقاوم الفلسطينية مطلوباً.. لذلك، لم تكلل جهوده بالنجاح، وإن كان قد أسهم في تقليل الخسائر بدرجة ما.
لقاء القاهرة: نصائح رجل حكيم
في فبرابر 2012م، كنت في زيارة خاصة للقاهرة، حيث كانت تجري هناك حوارات المصالحة الفلسطينية، وقد أبلغني أخي المقيم في الجزائر بأن السيد جلول ملايكة متواجد في العاصمة المصرية، للمشاركة في الاجتماع السنوي لمؤسسة ياسر عرفات.
سعدت بفرصة اللقاء به مرة ثانية في فندق سميراميس بوسط القاهرة، إلا أن الرجل كان متعباً وطريح الفراش، وقد أوصاني من هم برفقته ألا أطيل المكوث معه بسبب حالته المرضية.. قدَّمنا له التحية، وكل ما يستحق من آيات التقدير والاحترام، واستمعنا له بعد أن تذاكرنا معه بعضاً من حديثنا السابق في بيته بالجزائر، ورغبتنا في حوار طويل ربما نجريه معه مستقبلاً في بلاده.
ورغم قصر الزيارة إلا أنها كانت كافية لأن نسمع منه بعض النصائح والتوجيهات، حيث سألته عن رأيه فيما نحن عليه من انقسام، فقال: "إننا مررنا بحالة مشابهة في الجزائر في مطلع الخمسينيات، ولكننا أدركنا أن الانقسام سيضعف مقاومتنا ووضعنا التفاوضي مع الفرنسيين، فكان لابدَّ من توحيد الجهد ورصِّ الصف، الأمر الذي أعطى لحراكنا السياسي نتائجه الملموسة، بخروج المحتل من أرضنا، ونيل الجزائر لحريتها واستقلالها.. وأضاف: "إن الفلسطينيين لن يتمكنوا من إنجاز مشروعهم في التحرير والعودة وهم على ما هم عليه من تشرذم وانقسام، ونصيحتي لإخواني في القيادة الفلسطينية – فتح وحماس – بالتعجيل بتوحيد صفوفهم لحشد طاقة الأمة خلف قضيتهم ونضالهم، إن فلسطين هي الأرض المباركة التي تحتضن واحداً من أهم مقدسات العرب والمسلمين – المسجد الأقصى - وهي قضيتنا المركزية، فلا تجعلوا هذه الأمة – بانقسامكم – تفقد زخم المحبة والعطاء لكم، إننا في الجزائر قدمنا المال والسلاح وكل ما نستطيع من أجل فلسطين، وأننا نتطلع لليوم الذي ينال فيه الفلسطينيون حقهم في تقرير مصيرهم، وسيجدون الجزائر - دائماً - تقف إلى جانبهم، ولكنَّ عليهم القيام بالخطوة الأولى؛ جمع الصف وإنهاء الانقسام.. استراتيجياً، لابدَّ أن تظهر صورة الشعب الفلسطيني بأنه شعبٌ موحد، ويجب أن ينتهي الخلاف على وحدة الموقف والسلاح".. وأضاف قائلاً: "إن الجزائر حقيقة قلقة من استمرار هذا الخلاف، وأن الرئيس بوتفليقة يرى أن الطرفين – فتح وحماس – قد بالغ كلٌّ منهما في الخصام".
إن هذه السيرة العطرة للسيد جلول ملايكة في دعم القضية الفلسطينية ذكرتني بتلك المقولة، التي أوردتها الصحافة الأمريكية: "إذا وجدت فلسطينياً يناضل فاعلم بأن جزائرياً يسانده".
رحم الله جلول ملايكة رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، فقد كان صاحب مآثر وأثر.

د.احمد يوسف
المستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، ووكيل وزارة الخارجية سابقاً