الأربعاء: 17/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رفاهية الاختيار بين الموت والموت الأصعب

نشر بتاريخ: 30/08/2015 ( آخر تحديث: 30/08/2015 الساعة: 15:56 )

الكاتب: أمل اسعيد

يهرب السوريون على اختلاف طبقاتهم من الموت إلى أوروبا، الأثرياء يسافرون على متن طائرات فخمة ، اما الفقراء فلهم الله و قوارب بائسة ، هي في حقيقتها اكفان متحركة تغوص بمن عليها الى قعر المتوسط تمتص اهات الهاربين من ويلات الحروب في حواري الياسمين في الشام اطفال و شيوخ و نساء ، يلوك سمك البحر بعضهم و اخرون يحط بهم الترحال على الشواطئ ولكن جثث هامدة.

ورغم الكم الهائل من الكوارث بحق مهاجرين سابقين ، يصر السوريون على تجنب ويلات الحرب و الفرار من رحى المعارك الطاحنة المشتعلة في بلادهم بشتى الطرق حتى و ان تجاوزت في مأساويتها مشهد الحرب الراهنة و الخوف الذي يتجرعونه يوميا ، و كأن القدر قد وفر لهم رفاهية جديدة باختيار سبيل الموت ، بين الغرق في قعر المتوسط أو الموت اثر رشفة من سلاح كيماوي، أو بحمم القذائف والصواريخ التي لم تغب عنهم منذ اكثر من اربع سنوات هي عمر حمام الدم المتواصل و غير المسقوف زمنيا بموعد الخلاص .

و هكذا يملك السوريون أخيراً حق اختيار الطريقة التي يموتون بها فلا شيء غير الموت و قصصه المروعة هو ما ترسب في ذاكرة مغلوبة مقهورة لا حيلة لها .

يركب ابناء الشام البحر و حلم الوصول الى دول اوروبا الهادئة المسالمة هو ما يشعل قلوبهم بعد ان اشتعلت اجسادهم في وطنهم ، و لكن تلك القوارب التي دفعوا كل ما يملكون من اموال لقاء فرصة الصعود اليها تتحول فجأة الى اكفان بيد عصابات تتاجر بالبشر و الارواح .وفيما يخاطر آلاف اللاجئين بحياتهم محشورين على متنها ، أو متخفين بين زرائب الحيوانات المصدرة عبر بعض السفن ينجوا البعض منهم و لكنهم يساقون الى مخيمات لجوء تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة البشرية، ليواجهوا موتا آخرا ا يقل بؤساً عن أشكال الموت الاخرى.

سوريا قبل ما تعرف بالثورة كانت من اكثر البلاد استقبالا للاجئين لكن ما يسمى بربيع العرب حولها خلال بضعة سنوات الى واحدة من اكثر الدول المصدرة للاجئين والنازحين في العالم، فقد قارب عدد اللاجئين المسجلين نحو اربعة ملايين لاجئ ، في وقت وقف فيه العالم صامتا حد التواطئ و متجردا من ضميره ومن كل الاعراف الانسانية تجاه واحدة من اكبر المآسي الانسانية في التاريخ البشري الحديث .

هذا العالم الساكت عن افعال عصابات الاجرام التي تغلغلت كالسرطان في الجسد السوري نالته وصمة عار جديدة على جبينه و جبين حقوق الانسان التي يتغنى بها ليل نهار و هو يستعذب مشاهد ذبح الاطفال و اغتصاب العائلات و حرق الاحياء ، دون جهود حقيقية منه لوقف تلك الحرب التي تتوسع يوميا.

الاطفال وآلاف السوريين يدفعون الثمن من ارواحهم ويستشهدون كقرابين على مذبح مايسمي بالربيع العربي الذي تحول الى شتاء قاسي سياتي على المنطقة العربية برمتها ان بقيت حالتنا كهذه الحالة ، لان الارهاب باختصار لا يجزء اهدافه و يبحث دوما عن ساحات جديدة ليفرغ فيها ويلات تطرفه و اجرامه . واخيرا عفوا منكم لقد ماتت ضمائرنا وتجردنا من انسانيتنا !!