السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

عجبتُ لمن لا يجدُ القوتَ في بيتهِ ...

نشر بتاريخ: 03/09/2015 ( آخر تحديث: 03/09/2015 الساعة: 12:44 )

الكاتب: د. وليد القططي

نُقل في الأثر عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – وهو خامس من أسلم من الرجال أنه قال محرّضاً الفقراء الجوعى على الثورة " عجبتُ لمن لا يجدُ القوت في بيتهِ كيف لا يخرجُ على الناس شاهراً سيفه " . ولقد عبّر ابن حزم الاندلسي إمام المذهب الظاهري عن هذا المعنى في كتابه ( المُحلّى ) . بقوله : " إنه اذا مات الرجل جوعاً في بلدٍ أُعتبر أهله قتله , وأُخذت منهم دية القتيل , وأن للجائع عند الضرورة أن يُقاتل في سبيل حقه في الطعام الزائد عند غيره , فإن قُتل – أي الجائع – فعلي قاتله القصاص , وإن قُتل المانع لعنه الله لأنه منع حقاً وهو طائفةٌ باغية . " وهذا الفهم الثوري لكلٍ من أبي ذر الغفاري وابن حزم الأندلسي مُستقى من نص وروح الحديث الشريف المروي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له , ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من زاد له ... " ويقول راوي الحديث " فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أن لا حق لأحدٍ منا من فضل . " .

وإشهار سيف الثورة بسبب الجوع حدث متكرر في التاريخ , ذلك بأن الفقير لا يجوع إلاّ بسبب تخمة الغنى , وقد يموت الفقير مخمصةً بينما يموت الغني بطنةً , ولا يزداد الفقراء فقراً إلاّ بمنعهم حقهم في مال الله الذي أودعه الأغنياء , ولا ينتشر الفقر والجوع في بلدٍ ما إلاّ بانتشار الظلم والاستغلال والاحتكار والتمييز والفساد , ولا تزداد الهوة بين الأقلية المترفة والأكثرية البائسة إلاّ بازدياد الفجوة في توزيع الثروة بين الأثرياء والبؤساء . والثورة لا تقوم ضد الاغنياء المترفين فقط , بل تكون ضد النظام الحاكم برمته , ذلك بأن احتكار الثروة واحتكار السلطة صنوان لا يفترقان , وغالباً ما تتحالف الفئتان في نخبة حاكمة واحدة تلتقي مصالحها في إبقاء سيطرتها على مقاليد الحكم يساعدها في كثير من الأحيان رجال الدين من علماء السلطة المنافقين ورجال العلم من المثقفين الانتهازيين ... هكذا حدث في كل الثورات الكُبرى في التاريخ تقريباً كالثورات الفرنسية والروسية والصينية ... وصولاً إلى ثورات ما يُعرف بالربيع العربي التي اندلعت ضد احتكار السلطة والثروة .

وإشهار السيف ضد الفقر والجوع لا يكون بالثورة حتماً , خاصة الشعوب التي تخوض صراعاً شاملاً مع عدو محتل لأرضها كالشعب الفلسطيني , لا سيما عندما يكون هذا العدو هو المتسبب الرئيسي في الفقر والجوع من خلال اغتصابه للأرض وانتزاعها من يد أصحابها بالتهجير والمصادرة والاستيطان , تلك الأرض التي كانت تعتبر مصدر الانتاج الأساسي لغالبية الشعب الفلسطيني , ذلك إضافة لما تبع ذلك من تضييق في سبل العيش وربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي والحصار وغيرها . فقد يكون إشهار السيف بالنضال السلمي وأساليب الصراع المدني والضغط الشعبي واستخدام القلم والكلمة في تسليط الضوء على أسباب الفقر ومحاربتها وطرح البدائل لتصحيح الأوضاع الخاطئة ... والحديث هنا يتناول الأوضاع الخاطئة التي أفرزها المجتمع بسلطته الحاكمة وأحزابه المعارضة ومؤسساته المدنية , ومن بين أهم هذه الأوضاع التي ينبغي تسليط الضوء عليها لكشفها ومحاربتها هي الفساد .

وأهم أشكال الفساد في المجتمعات العربية بما فيهم المجتمع الفلسطيني هو الفساد السياسي ومن أهم مظاهره استغلال النفوذ السياسي لتوجيه القرارات السياسية والتشريعات القانونية لتحقيق مصالح خاصة بالطبقة السياسية , ووضع اليد على المال العام وثروات الدولة وممتلكات الشعب بطرق مختلفة , والحصول على وظائف حكومية للأبناء والأقارب , وتبادل المنافع بين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة التي تحصل على الامتيازات المادية والمعنوية والنخبة الحاكمة من جهة أخرى والتي تحصل على الحماية والأمن . وسوء توزيع الثروة القومية بحيث تحتكرها النخبة الحاكمة وشركائها واتباعها , ويُحرم منها غالبية الشعب , وأهم مظاهرها في المجتمع الفلسطيني سوء توزيع الدخل حيث الفجوة كبيرة في سلّم الرواتب بين صغار الموظفين وكبار المسئولين .

وتمارس الأحزاب والحركات السياسية نفس المظاهر السابقة وغيها مثل غياب الديمقراطية , وعدم تداول السلطة , والتربع على كرسي القيادة لعشرات السنين , وضعف آليات العمل المؤسساتي , والاعتماد على العمل الفردي والشللي , وعدم عقد مؤتمراتها العامة إلاّ نادراً , وضعف تمثيل الشباب والنساء فيها , ولعل الحزبية من أهم مظاهر الفساد في السلطة والمعارضة لأنها تعتمد على مصلحة الحزب قبل مصلحة الوطن , ومصلحة الحزب قد تتحول إلى مصلحة نخبة قليلة تسيطر على الحزب , وتعمل على مبدأ الثقة قبل الكفاءة , والثقة هنا تعني التقرّب للقيادة بالطرق الانتهازية المتعددة .

وختاماً فإن السيف لا يجب أن يُغمد حتى تتحقق العدالة الاجتماعية وينتهي الفساد أو يُقلّص إلى الحد الأدنى الممكن , ويُعاد هيكلة سلّم الرواتب لإعادة توجيه جزء منه , ومن المال الموّفر بعد محاربة الفساد في بناء مشروع وطني يوجد فرص العمل للشباب ومشاريع لتشغيل الفقراء , إضافة لتفعيل دور المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية لتعمل بطريقة تكاملية وفي إطار خطة وطنية ووفقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي لمحاربة الفقر والبطالة والجوع .