السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل توحدنا دماء الشهداء وتنهار معها نظريات الحزبية في فلسطين؟

نشر بتاريخ: 10/10/2015 ( آخر تحديث: 10/10/2015 الساعة: 20:49 )

الكاتب: د. مجدي شقورة

غالباً ما تنهار نظريات السياسية وتتعطل مناهجها وتلوذ قواعدها خجلاً أمام مشاهد الدم، وعندما تُستباح المقدسات والأعراض وكل المحرمات، يصبح لا معنى للأيديولوجيا ولا للمواقف ولا لوجهات النظر، وتبدأ البرامج تتراجع لمصلحة من يذودون عن الحمى ويحفظون للأرض طهرها وللتاريخ حضوره وللجغرافيا وجهها الوطني والحضاري، وهو أمر دللت عليه أكثر من مواجهة في التاريخ الإنساني، وعبرت عنه أكثر من محطة في التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني، فقد كانت دماء الشهداء على الدوام هي منبع الأمل ومنهل الوطنية ورافد التدفق في الفعل النضالي المتراكم على كل الجبهات.

لم يخطر في بال الفلسطينيين يوماً، أن ذلك المستوطن الصهيوني الذي جاء إلى الأرض المحتلة عام 1967 يحمل معه كل وداعة الدنيا، وصارت حياته شبه مستحيلة في زمن الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، وأصبح أمنه الشخصي يؤرق كل أركان دولته، أن يأتي زمان لو تاه فيه هذا المستوطن يجد يداً فلسطينية تعيده آمناً إلى مستوطنته، ثم يعود هذا المستوطن يحمل أداة قتل ويحرق بها أسرة فلسطينية كاملة، ثم يملك جرأة أن يطالب بتقسيم الزمن داخل الأقصى بينه وبين الفلسطينيين، ما كان لهذا المستوطن الذي أقرت كل شرائع الكون أنه إرهابي ومعتدي وآثم، أن يتمادى في غيه لولا أنه وجد بيئة ومناخاً سياسياً وأمنياً يجعله يتصرف بكل هذه الأريحية، لتأتي لحظة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني عندما بدأ البطل مهند حلبي انتفاضة السكاكين التي أعادت الأمور إلى طبيعتها، وأرجعت عجلة الزمن إلى الخلف، وصوّبت البوصلة الفلسطينية التي كان ينبغي لها أن تعيد تركيز العمل الكفاحي في وجه غول الاستيطان الذي يبتلع الأخضر واليابس في الأرض الفلسطينية.

هبة الشبان الفلسطينيين التي تخلو من كل أشكال الحزبية المقيتة، صحيح أنها تحمل العداء العلني والمباشر والصريح للاحتلال وقطعان مستوطنيه، إلا أنها ترفع بطاقة صفراء في وجه القوى السياسية والتنظيمات والحكومات التي تدير الملف الوطني في الضفة والقطاع، فقد ضاق الشباب ذرعاً بالشعارات الخالية من أي مضمون، وكفروا بما يطل به السياسيون من عبارات ترسخ الانقسام وتعزز انفصال جزيئات الوطني بعضها عن بعض، وكلّ الناسُ سماع الترّهات التي يتواطأ الساسة على تكرارها في كل وقت وكل حين، في حين أن ما يحدث على الأرض من عربدة المستوطنين وغرور قوة المحتل العسكرية وبشاعة الحياة خلف حاجز عسكري إسرائيلي، كلها اسباب جعلت المحتل في مواجهة غضب الشارع من جديد، وجعلت الفصائل، كل الفصائل، موضع اتهام مباشر من قوى الشعب الحية الرافضة للمضمون الحزبي في السياق الوطني، وهو أمر يجعل الأحزاب السياسية الفلسطينية في مواجهة مباشرة مع مطالب الشباب الفلسطيني الذي يرى أن أقل ما يمكن أن نفعله نصرة للشهداء وللفتيات اللاتي خرجن يقارعن ليل الاحتلال الطويل هو أن تتوحد خلف برنامج كفاحي جديد، وضمن حاضنة مؤسسية فلسطينية، ووفق خط كفاحي عنوانه أن فلسطين على موعد مع فجر الحرية الذي بات يبزغ في الأفق مع كل سكين فلسطينية ترفع في وجه مستوطن جاء فقط للتنغيص على حياة السكان الآمنين منتزعاً منهم أرضهم التي رووها بالدماء على مدى حقبٍ طويلة، هذا المستوطن الذي أجمع العالم على اعتبار نشاطه خطوة أحادية الجانب، واعتبروه برسم القانون الدولي إرهابياً، وتأتي انتفاضة هؤلاء الشبان ضمن تحالف عالمي لمواجهة الإرهاب، بما فيها إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، انتفاضة تعيد تذكير المجتمع الدولي المنافق أن هنا على هذه الأرض شعب لو دُفعت كل رشاوى الكون فإنه لن يتخلى عن ذرة من تراب بلاده، وأن على هذا المجتمع الدولي أن ينتصر للعدالة قبل أن تحرقه نيران الغضب الفلسطينية بعدما بلغ السيل الزبى.

ما قيمة المرء بلا وطن وبلا مقدسات وفي حالة انتهاك صريح لكل ما هو محرم عنده؟، لا شيء، إذن هي دعوة مفتوحة أمام فصائل الشعب الفلسطيني أن تسرع لملأ الفراغ القيادي والانتصار لقضايا الوطن، والعمل السريع لتوحيد شطريه حتى يستجيب كل واحد بإمكاناته في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه، ومن أجل أن يتحقق ذلك ينبغي الإسراع بحركة سياسية داخلية تعيد الأمل بوحدة الأرض والشعب، وبعدها التواصل مع كل الأطراف لتأمين انجازات سياسية مترتبة على جزالة عطاء الشباب الواعد الذي دفع عمره فداء للأقصى والقدس والأرض السليبة، وما حضور اللجنة الرباعية الدولية بعد غياب لسنوات إلا استجابة للقلق الذي يعتمل في نفوس الحكومة الإسرائيلية وحلفائها من موجة الغضب الفلسطينية بعدما تجاوز المحتلون كل خط أحمر وكل مقدس في هذه البلاد، وإن فشلت قوانا الحية في تحقيق ما هو مطلوب منها في هذه المرحلة، فستنتظرنا مواجهة تخرج عن كل دوائر التحكم والسيطرة وتنطلق بثوب فلسطيني يخلو من كل رايات الفصائل التي كانت ولا تزال تشكّل عبئاً مباشراً على الناس وعلى مشروعهم الوطني والكفاحي.
________________________
* باحث في الشؤون الفلسطينية