الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

زيارة الانكفاء الأخيرة

نشر بتاريخ: 29/11/2015 ( آخر تحديث: 29/11/2015 الساعة: 09:51 )

الكاتب: مصطفى ابراهيم

عُرف عن جون كيري تسجليه أرقاماً قياسية في زيارته للأراضي الفلسطينية، وكان ضيفا عزيزاً على القيادة الفلسطينية، فمنذ توليه وزارة الخارجية الأمريكية أبدى تفاؤلاً كبيراً في إمكانية التوصل إلى حل الدولتين، وسخر منه المسؤولين الإسرائيليين وتناولت الصحافة الإسرائيلية زياراته ومبادراته التي لم تنجح منها أي واحدة، بأنه يبحث عن مجد شخصي واعتقاده أن بإمكانه التوصل لاتفاق.

ووثقت به القيادة الفلسطينية التي عادت للمفاوضات بدون تجميد بناء المستوطنات، وخرجت من المفاوضات خالية الوفاض، وتلقت صدمة كبيرة، ربما ليست كالصدمة المفاجأة التي تلقتها خلال الزيارة الأخيرة لكيري، والتي عبر فيها عن حقيقية الموقف الأمريكي، وعدم قدرته على إقناع نتانياهو حتى بالتسهيلات التي جاء بها كرشوة للفلسطينيين من أجل تهدئة الأوضاع ووقف الهبة الشعبية.
بدا كيري وكأنه تنازل عن تفاؤله بالتوصل لحل الدولتين أو حتى العودة للمفاوضات التي لم تكن على أجندته، وتبنيه الموقف الإسرائيلي المتمسك بشروطه ودلاله بعد زيارة نتانياهو إلى واشنطن وحصوله على الدعم السياسي والعسكري الكبير من الأمريكان المقدمين على انتخابات رئاسية جديدة والكل يخطب ود ورضا إسرائيل البنت المدللة.

كيري المتفائل الذي سخر منه المسؤولين الإسرائيليين في أكثر من مناسبة، جاء من أجل تجديد البيعة والولاء لإسرائيل وتفهمه للأوضاع الأمنية، و إدانة الإرهاب الفلسطيني، وكأنه يسخر من الفلسطينيين وقوله لهم هذا الموجود فالتسهيلات مناسبة، حتى العقوبات الجماعية مع تسهيل بعض شروطها مقبولة، و ظلوا حراس وشركاء أمنيين فانتم جيدين في هذا.
ولم يعترض كيري على ما طلبه نتانياهو بأنه يريد اعترافا أميركيا بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والحق في البناء فيها. فهذا الطلب أصبح حتمية بموافقة الأمريكان على الإستيطان مقابل تسهيلات اقتصادية ودعم مشاريع بنية تحتية للسلطة الفلسطينية. فأمريكا تعتبر إسرائيل ليس مجرد شرطي في المنطقة فهي شريك و مفيدة لهم أكثر من كل العرب وليس الفلسطينيين وقيادتهم فقط، التي وثقت بالأمريكان منذ وعد بوش الابن بإقامة الدولة الفلسطينية ومن ثم عهد أوباما.

كيري كان زار المنطقة العربية في تشرين أول/ أكتوبر 2014، لتجنيد الدول العربية للتحالف لمحاربة داعش و قال: إن تجدد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيشكل تحولًا مركزيًا في الحرب ضد داعش، وأن عدم حل الصراع سيؤجج الوضع ويؤدي إلى انضمام المزيد من الشبان لداعش.
و إسرائيل إنضمت للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب و دورها هو تزويد دول التحالف بالمعلومات الأمنية، فهي حليف مهم في المنطقة وتعتبر نفسها جزء من العالم الحر وتتبنى قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وشريك في إعادة بناء التحالفات والحلول المنتظرة في المنطقة و يقدم المعلومات الإستخباراتية المهمة لدول أوروبا التي تشعر بفقدان كرامتها وأمنها الشخصي جراء تفجيرات باريس.

وكأن زيارة كيري المتفائل هي الأخيرة وانه أنكفأ على تفاؤله، و ليس بحاجة لهذه الزيارات لطمأنة الفلسطينيين ووعوده بحل الدولتين، بل هو ذهب أبعد إلى ما كان يتوقعه فريق القيادة المتفائل دوما والواثق بوعود الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
هي زيارة الوداع ووضوح الموقف الأمريكي وهو الضغط على الفلسطينيين لوقف إرهابهم كما زعم كيري ضد الأبرياء من المستوطنين وجنود الإحتلال الذي يعانون الضغط النفسي جراء عمليات القتل والإعدام بحق الفلسطينيين.
أليس من الأجدى أن نصنع تفاؤلاً من نوع آخر، و هو تفاؤل العودة للمصالحة والقواسم المشتركة وإنهاء الانقسام، وتقديم تنازلات لتغليب مصلحة الكل الفلسطيني.