الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المسافة بين القول والفعل بدعم الانتفاضة

نشر بتاريخ: 01/12/2015 ( آخر تحديث: 01/12/2015 الساعة: 14:52 )

الكاتب: عباس الجمعة

كثيراً ما نشكوا من امور تمر الا ان ارادة السياسي والمثقف والاعلامي تبقى مشدودة دائماً إلى الواقع الذي يعيش بين ظهرانيه، ومهما حاول المقاومة والترفع عن صغائره يبقى بفعل ما يتعرض له يشكل في بعض الاحيان صدمة نتيجة عدم اللامبالاة من الاخرين ، لكننا دائما بحاجة للتفاؤل الايجابي، كي نستطيع الاستمرار ،وعلينا برمجة الغضب الذي يعتمل ويغلي في داخلنا‏ من هول ما مر علينا ،خلال هذه السنوات الصعبة ،من شظف الحياة وقسوتها ،وضغط التفاصيل التي تقتلنا أحيانا،‏أو تفاصيل جديدة تدخل حياتنا مشبعة بالحب والأمل تحيي فينا روحاً تكاد تختنق.
من هنا نحن نقول ان السياسي والكاتب أو الاعلامي يبني علاقات اجتماعية سياسية حضارية، ومن الصعب أن يبقى متعصب لفكره ، ونحن اليوم امام واقع بحاجة الى التطور الفكري الذي يساهم في دعم الانتفاضة الفلسطينية على ارض فلسطين

ان ما يتعرض له السياسي والكاتب والمثقف في بعض الاحيان من ضغوطات هنا او هناك لا تبرر القطيعة ، بل نحن علينا تقويم وتصويب الخطأ ، لعل المهمة الملحة التي يتوجب أن يتصدى لها عموم المناضلين في هذه المرحلة ، هي مهمة ردم الفجوة بين القضايا السياسية والفكرية والحزبية ، ، ففي ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة من هجمة امبريالية وصهيونية وارهابية تكفيرية هدفها الاساسي تفتيت المنطقة وشطب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا بات واضحاً ، أن التصوّر الصهيوني يتمسك بلاءات خمسة هي: لا انسحاب من القدس، لا انسحاب من وادي الأردن، لا إزالة للمستوطنات، لا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة، الأمر الذي يفرض على السياسيين والكتاب والاعلامين أعباء ومسؤوليات كبرى ارتباطاً بدورهم في المرحلة الراهنة عموماً ودورهم المستقبلي الطليعي على وجه الخصوص، وهذا يتطلب إسهام الجميع بكل مسؤولية ووعي من اجل بلورة الأسس الفكرية والسياسية الاعلامية لمواجهة الابواق الاعلامية التي تحاول النيل من حقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية . .

ثمة من يقول: ما يهمنا من الكتّاب الاعلامين ما يكتبونه ، ونحن نسألهم هل الكتابة ليس شكلاً من أشكال مخاطبة الشعوب، هل الكاتب والامي والسياسي يكتب ما يصبو إليه في سلوكه اليومي، اما الكتابة أهم الأهداف للكلمة التي تحدد مساراتها وآليات عبور لتظهر كما ترنّ بمسامعنا، فالكلمة لها دورها في واقعنا بعد ان ما وصلت إليه القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة بسبب الوضع العربي الرسمي التابع والخاضع للسياسات الأمريكية ، وبسبب الانقسام الداخلي الكارثي وآثاره الضارة على قضيتنا ومستقبلها فحسب ، بل أيضاً ، بسبب الموقف الدولي عموماً والموقف الأمريكي خصوصاً ، الداعم بلا حدود لدولة الكيان الصهيوني باعتبارها الحليف الاستراتيجي له في المنطقة ،

ونتيجة لكل هذه المعطيات يمكن القول بأن الشعب الفلسطيني لمس بشكل ملموس في هذه المرحلة البالغة الخطورة ، أن لا حل وسط مع الاحتلال، الذي يرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بعد مفاوضات عبثية برعاية امريكية ورباعية حيث نقلت الشعب الفلسطيني عبرها من قاع إلى قاع أشد عمقاً وانسداداً ، وفي ظل حالة تراكمية من القلق والإحباط، اتخذ شابات وشباب فلسطين المبادرة فكانت شعلة الانتفاضة من القدس لتشمل كل ارجاء فلسطين وعلى وجه الخصوص الضفة الفلسطينية حيث وحدت الانتفاضة الشعب الفلسطيني خلفها، رغم حالة إنهاء الانقسام واكدت على التمسك بالثوابت الوطنية ، خاصة وأنها تمتلك رؤية الاستمرار في النضال بالحجر والسكين والمقلاع وعمليات الدهس.

أن التجربة منذ اوسلو اثبتت فشلها بسبب استنادها إلى وعود أو أوهام الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الرهان على عملية التفاوض العبثي مع دولة الاحتلال الصهيوني في ظل نظام عربي ودولي شبه مرتهن لسياسة العولمة والتحالف الإمبريالي الصهيوني، حيث بات واضحاً أن الحل المرحلي في ضوء هذا الارتهان، أو ما يسمى بالدولة القابلة للحياة، لن يحقق سوى "دولة" فاقدة لمقومات السيادة الفعلية ، ارتباطاً بقبولها الإكراهي بما تقرره دولة الاحتلال مدعومة من قبل الإمبريالية الأمريكية.
وامام كل ذلك نرى ان الانتفاضة الباسلة الثالثة التي اصبح عمرها شهرين وبما تقدمها من تضحيات ستعمل على تعديل ميزان القوى لكي تصبح ممكنة، وميزان القوى ليس مرتبطاً كلياً بالوضع الدولي، بل مرتبط بقوى الشعب وما تفرضه من تحولات الانتفاضة إلى جانب الترابط مع نضالات الشعوب واحزابها وقواها ومقاومتها على وجه الخصوص.

إن ما ترتبه الإمبريالية والصهيونية للمنطقة عموماً وللقضية الفلسطينية على وجه الخصوص ليس قدراً لا يرد، فهذا الواقع لن يكون أبدياً ونهائياً، وبهذا المعنى فإن الانتفاضة وقوى المقاومة في المنطقة وبالاستناد إلى طبيعة المشاريع المعادية وتناقضها الجذري مع حقوق ومصالح شعبنا وامتنا، قادرة على الفعل والمجابهة وبما يؤسس لمرحلة نهوض جديدة أكثر نضجاً وأكثر استجابة لحركة الواقع الموضوعية والذاتية وطنياً وقومياً.
إن المرحلة تتطلب عقول وسواعد الجميع، كما تتطلب الإرادة والتصميم على استمرار النضال ومواصلة العمل لنقل مشروعنا الوطني إلى مستوى التحقيق المادي الملموس ، وهذا الأمر الذي يفرض الربط بكلية الوضع العربي، أي بالنضال العربي ككل، شرط أن يكون النضال الفلسطيني في طليعته ، انطلاقاً من أن الصراع هو صراع الطبقات الشعبية في الوطن العربي ضد السيطرة الإمبريالية بما فيها دولة الاحتلال كونها أداة في مصلحة الشركات الاحتكارية الإمبريالية.

إن مهمة السياسيين والاعلامين والمثقفين هي توضيح المسار الواقعي، بمعنى وعي الواقع، ولأننا معنيون بالنشاط الواقعي، من الضروري تحديد التصور الذي يشمل الأهداف السياسية المرحلية والاستراتيجية، المتعلقة بتطور مسار حركة النضال الوطني والقومي ، الأهداف التي يتوقف على حلها تطور المجتمع الفلسطيني عموما والطبقات الشعبية خصوصا في سياق النضال القومي، وهذا ما نتحدث عنه في هذه المرحلة .
من هنا نرى ان المتابع للشأن العربي هذه الايام يلحظ ان الفضائيات العربية ووسائل الاعلام وكتاب المقالات والنخب القومية لا تتطرق الى انتفاضة الشعب الفلسطيني الا من باب التغطية للاخبار التي تبثها وكالات عالمية وانها منشغلة بما يجري في المنطقة، بينما الاعلام المعادي ينقل اخبارالانتفاضة الفلسطينية ويستقطب النخب والسياسيين للحديث عنها لكن كل بطريقته , فالبعض يشوه الشعب الفلسطيني واخرون مع وضد اسرائيل , والمحصلة ان قضية فلسطين باتت اكثر حضورآ في وسائل الاعلام العالمية من نظيرتها العربية .

ومن هنا نرى قناة الميادين تلعب دورا مهما في دعمها لفلسطين وهي تجد لها حضورآ قويا في الاقليم وعلى حساب الاخرين , ولا نبالغ القول ان بعض الفضائيات العربية المحسوبة على انظمة التطبيع مع العدو تسيء للانتفاضة الفلسطينية وبعض الكتاب العرب يشتمون بطريقتهم ما يحدث في فلسطين.
في ظل هذه الاوضاع فأن الحاجة إلى الإعلام الفلسطيني كحالة ضرورية لتجربة هذا الشعب المحتل الفريدة كأحد أدوات المقاومة الفاعلة في وجه آلة الإعلام والتزييف الصهيونية.

لقد حان الوقت للعمل من اجل ترسيخ قيم جديدة وبعقلية متطورة تحكم واقع التعبير الإعلامي ، وكل ذلك يستدعي المزيد من الجهد الاعلامي والصحفي.
فما أحوجنا، إلى المواقف التي تبني الجسور بين العقول والنفوس.. وما أحوجنا إلى الفكر في صياغة العبارات الصحيحة من المثقفين والباحثين ، كدليل للحاضر ومنارة للمستقبل ، لنقدم الى شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية التي تقدم آلاف الشهداء من قراءة جادة تستند الى المواقف والرؤى السياسية والفكرية والتجارب الغنية بالعبر والدروس حتى تكون حافزة لشباب الانتفاضة وداعمة لهم وهم يحملون أهداف النضال الوطني التحرري الفلسطيني وأهداف النضال القومي بدرجة عالية من الموضوعية والحس العالي بالمسؤولية من أجل تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة .

ان الكلمة من قوة وسحر بأي قالب صيغت، وبأي أسلوب طُرحت، فحتى نحسن الفعل لابد أن نحسن القول والفكرة المتضمنة له، لأن في ذلك خير لنا ولغيرنا، فإن أبسط مسئولياتنا أمام شعوبنا وأمام التاريخ‏,‏ الاستبداد‏,‏ وأن نوقف حالة الارتداد عن حرية الفكر خضوعا لثقافة الانصياع من أي اتجاه جاءت‏,‏ ولنبدأ بدلا منها ثقافة الابداع‏,‏ من اجل الحرية التي هي ارضية النضال التي تخاض بكل ادواتها وبكل مقوماتها الفكرية والسياسية والكفاحية، فذلك هو الدفاع عن حرية الرأي مهما اختلفت اشكالها ومهما بلغت حدّتها .

ان تطوير أساليب أو أهداف أو تعميق رؤية متطورةٍ تقفز بأصحابِها إلَى الأمام، ‏فالفكــر المتجدد ، لا يتوقف عند حد معين ولا يحصر نفسه في قالب واحد جامد، وكم نحن بحاجة إليه اليوم وغداً لدفع عمليــة التطـويــر قدما إلى الأمـام والبعض يعتقـد أن هذا الفكـــر المتجــدد مرتـبـط بالســن أي يغلـب وجــوده عنــد الشــباب وهذا غير دقيق تماما، فبعض الأشخاص يدخلون سن الشباب وقد تحجرت عقولهم باكراً، ولا نكون مغالين اذا ما قلنا ان إبداع الإنسان وعمله أهم ثروة لأن الثروة البشرية لدينا ليسـت كما وحســب وإنما هي تراث وتاريخ وحضارة وما ينتج عنها من فكر وإرادة وتصميم.‏

ختاما : لا بد من القول ان الإعلام يلعب بكافة أشكاله ووسائله دورا هاما وأساسيا في حدّ الفاصل بين المهنية والوطنية موجود في عقل الاعلامي والكاتب فقط ، مع الموازنة بين نقل الأخبار والأحداث في شكل واضح، ومهما يكن الجدل الحاصل في الساحة الإعلامية حول دور الاعلامي المهني والوطني، تبقى لاي اعلامي كلمته الأولى في نقل الحقيقة إلى كل العالم، وهو الدور الذي يعجز الثائر عن تحقيقه لقضيته ووطنه.