الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتخابات البلدية كمعادلة اقليمية بنكهة عالمية

نشر بتاريخ: 30/07/2016 ( آخر تحديث: 30/07/2016 الساعة: 19:30 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

الانتخابات البلدية القادمة لن تختلف عن انتخابات النقابات الفلسطينية التي جرت في العقد الماضي في مختلف قطاعات الشباب والمهن والخدمات، فالقوى ستحاول قدر الامكان وسم هذه الانتخابات بطابعها، وستحاول اعلاميا وتلفزيونيا رفع راياتها فوق حطام البلديات المحاصرة والمكسورة بالديون والأعباء.

أكثر ما يستحضرني اليوم هو مشهد فرقة الموسيقى التي كانت تعزف على متن سفينة التايتانيك وهي تغرق. وقد ارتأى المايسترو ان تستمر الفرقة في العزف لتهدئة روع الركاب الذين صرخوا خوفا من الغرق. وقد مضى في خطته مواصلة العزف، واذا تذكرون وجوه العازفين وهم يواصلون الضرب على الاوتار والقرع الصنوج والدق على الدفوف حتى وصلتهم مياه المحيط وبدأت تسحبهم نحو الاعماق وهم بلباسهم الأنيق ووجوهم الهادئة. انقلبت السفينة ومالت السارية وسقط البيانو فوق رؤوسهم وهم لا يزالون يعزفون بكل ثقة. مشهد يستحق الوقوف عنده والتفكّر فيه.
أول مرة شاهدت الفلم شدّني قرار المايسترو، والذي أراد أن يخفف من رعب ركاب السفينة ويوصلهم قوارب النجاة بهدوء دون ان يخنقوا بعضهم زحاما. ثم بدأت اسأل نفسي: اين العيب في ذلك، فلو أن العازفين هرعوا وصرخوا وقفزوا في الماء لما تغيّر في النتيجة شيئ.
مشهد اّخر حين أراد خطيب البطلة روز ان ينجو بنفسه ويصعد الى قارب النجاة مستعينا بأمواله وجواهره. ولكن الشرطي أطلق النار فوق رأسه وطلب منه الانصراف، فعاد الرجل الثري واحتضن طفلا باكيا. الطفل الباكي كان قادر على تأمين تذكرة نجاة من الموت. في رسالة ان لحظة حنان وشفقة تساوي كل كنوز الدنيا.
انا لا ادّعى ان سفينة القضية تغرق، واننا نعزف على سطحها المائل. ولكنني أعتقد ان بعض المرشحين وبعض التيارات من مختلف الفصائل والمناطق يشعرون انهم سيغرقون. وانني أشاكس نفسي بالاسئلة الاستراتيجية اللازمة. ما النفع من الانتخابات وما هي الغايات المرجوة التي تحققها هذه العلية الديمقراطية في غزة المحاصرة والضفة المحتلة؟
ويهمس أصدقاء العمر: نخشى ان تسفر الانتخابات عن مزيد من الكراهية بين العشائر والعائلات والقوى والاحزاب !! ولكنني أعتقد ان الانتخابات يمكن ان تنجح، وان العيب ليس في العملية الديموقراطية وانما في الحالة النفسية التي نعيشها. وأن علينا الكف عن الاعتقاد بأن هذه الانتخابات مصيرية وسوف تكون مسألة حياة أو موت بالنسبة لهذا الطرف أو ذاك.
كما أسمح لنفسي ان اطلب من بعض المرشحين الذين لن يوافقهم الحظ في الانتخايبات القادمة ان لا يشعروا بالقهر، ولا يغضبوا من الناس. وانما أن يحاولوا الاستمتاع بشعور المعارضة. لان ان تكون معارضا أمر مفيد وهام ويستحق التجربة.
كما ان الانتخابات القادمة ستكون فرصة للمستقلين أن يساهموا في استقرار المجتمع والبلديات. وان يتحملوا المسؤولية الثقافية اللازمة تجاه الحدث.

قال الاديب الراحل الشهيد غسان كنفاني: الانسان قضية.