الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تدريس مساق التحقيقات الاستقصائية في الجامعات العربية

نشر بتاريخ: 26/08/2016 ( آخر تحديث: 26/08/2016 الساعة: 22:52 )

الكاتب: د. بسام عويضة

التحقيق الاستقصائي هو أرقى أنواع الصحافة على الإطلاق، فهو الخط الفاصل بين الصحافة العربية والصحافة الغربية.

واليوم يركز المعظم على ضرورة تعليم الصحافة الاستقصائية بدلا من الصحافة التقليدية والتي تركز على (قال وذكر وبين) واستبدالها بصحافة تتميز بالعمق والتطرق إلى جوانب القصة الخبرية.

حضرت ندوة لمؤسسة "أريج" المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية والتي عقدت في العاصمة عمان لمدة يومين تناولت المشاكل الأكاديمية الناتجة عن تدريس مساق التحقيق الاستقصائي بمشاركة أساتذة من جامعات عربية مثل فلسطين والعراق ومصر ولبنان واليمن.

الورشة استحضرت أهم الحلول للمشاكل التي تقف أمام طلبة التحقيقات في الجامعات العربية، كما رافقتنا عبر الفيديو كونفرس أستاذة أمريكية كانت معنا من الساعة الثالثة صباحا بتوقيت واشنطن.

وتحدث المشاركون عن الوضع الراهن للصحافة الاستقصائية: الفرص والقضايا وكيف ينظر الطلبة لمساق التحقيقات؟ وهل ينتجون مشاريع قابلة للتطبيق؟ وهل ظهرت منصات إعلامية جديدة مهتمة بنشر الصحافة الاستقصائية؟

لي خبرة قصيرة في هذا المجال فقد درست هذا المساق لمرة واحدة فقط وقد استخلصت ما يلي:

وجد الطلبة صعوبة في فهم المنهاج الأكاديمي الذي ألفه د. مارك هنتر الصحافي الأمريكي المتخصص في التحقيق الاستقصائي ومؤلف دليل "أريج" للصحافة العربية.

ومن الصعوبات الاخرى تمويل التحقيقات الاستقصائية التي يقوم بها الطلبة، فهناك حاجة ملحة لتمويل بعض الافكار الاستقصائية كالفحوصات المخبرية وغيرها.

هناك مشكلة أخرى تتعلق بتدريس هذا المساق وهو عدد الطلبة الكبير في المحاضرة، فكيف يمكن لاستاذ ان يتابع تحقيقات لحوالي ثلاثين طالبا أو ربما أكثر.

بعض المسؤولين في مؤسسة "أريج" التي تأسست قبل 11 عاما وهي مؤسسة رائدة في مجال التحقيقات بينوا أن هناك مشاكل تعترض عمل المؤسسة منها نشر المواد الاستقصائية، في حين اكد بعض الاساتذة أن تهديدات طالت طلبة عندما شرعوا في تحقيقاتهم لكن مؤسسة "اريج" ردت على ذلك انه بامكان الطلبة انتاج تحقيقات بسيطة مثل عدم توفر مرافق صحية في بعض المدارس أو زيادة اجور المواصلات أو سكن الطالبات.

العالم العربي مكبل. والتحقيق الصحافي يحتاج إلى حرية تعبير وحرية رأي بل يحتاج إلى دولة حقيقة يسودها القانون والقضاء فيها عادل.

أستاذ من اليمن قال إن مؤسسة "اريج" أسست ثقافة التحقيق الاستقصائي في اليمن فقبل تأسيس المؤسسة لم يكن يعرف معنى التحقيق الاستقصائي في ذلك البلد.

كل أستاذ جامعي شارك في الندوة تحدث عن مشاكل "الدولة" القادم منها. وانا هنا اضع كلمة الدولة بين قوسين قصدا لانني متيقن أنه لا يوجد لدينا دول بالمعنى الحرفي للكلمة. كل ما هناك انظمة حكم تحكم بقوة العصا.

الصحافة هواية ورغبة أكثر منها دراسة وامتحانات وشهادة وعلامات فكل 100 طالبا قد تجد 3 طلبة يعشقون التخصص في التحقيق الاستقصائي.

في الوطن العربي وفي فلسطين بالتحديد لا يوجد إعلام حقيقي. هناك إعلام بنكهة سياسية بسبب غياب الدولة الحديثة.

اﻹعلام يحتاج إلى دولة حديثة تتمتع بدستور وقوانين وقضاء عادل وبرلمان وحرية رأي وتعبير فهو السمكة بدون ماء لا يستطيع العيش.

فكيف يمكن عمل تحقيقات استقصائية في اليمن أو سوريا أو ليبيا أو العراق التي تجتاح حرب أهلية مدمرة هذه الدول.

الاساتذة ركزوا على أهمية تعزيز المهارات عند طلبة اﻹعلام وكذلك تعزيز ثقافة التحقيقات الاستقصائية.

العالم العربي أو الجزء الكبير منه غارق في الحروب والحروب الاهلية والفساد والتسلط وغياب القوانين فلا مجال للتحقيقات اﻵن. حتى ان أستاذة لبنانية طالبت بتغيير اسم مساق التحقيق الاستقصائي إلى ريبورتاج أو التقرير المعمق حتى تستطيع السلطة السياسية أو المؤسسات الحكومية تقبل عمل المحقق الاستقصائي كما ان طلابها يقولون:

التحقيق في الغرب يحقق اهدافه ولكن التحقيق في لبنان لا يغير شيئا . فالفساد السياسي في لبنان يطغى على كل مرافق ومفاصل الدولة التي لا يوجد فيها سوى دولة طوائف.

مشاركون قالوا:  لن نغير العالم العربي من خلال تحقيق صحافي أو تلفزيوني. فكل تغيير ولو كان صغيرا هو انتصار وانجاز.

الزمن يتطور بتسارع مذهل. ومعظم اخبار الناس مستقاه من مواقع التواصل الاجتماعي ولهذا يقول مشاركون في الندوة علينا نشر التحقيقات في هذه المواقع والتركيز على صحافة البيانات التي يصاحبها انفوجرافيك ورسوم توضيحية وخرائط وجداول بيانية.

الندوة تناولت تقديم الافكار إلى المجتمع بطريقة سلسة وتدريب الطلبة تدريجيا على ايجاد معلومة وليس رأي.

وبحسب أستاذة من جامعة القاهرة فانه من الضروري التركيز على المصادر المفتوحة والسرية وتعليم أخلاقيات اﻹعلام للطالب.

من افضل الافلام التي تحدثت عن التحديات التي تواجه الصحفيين عند محاولتهم الحصول على مصادر هو فلم "كونترول رووم" وهو يتطرق إلى العدوان اﻷمريكي على العراق أو فلم "الرئيس" وهو فلم مدته ساعتين.

وتطرق المتحدثون إلى نسبة الطلبة الذين يدرسون باللغة اﻹنجليزية في دوائر اﻹعلام، ففي العراق قدرت بنسبة صفر بينما 100 بالمئة في لبنان.

أساتذة الجامعات العربية اشتكوا من عدم قيام الطلبة بواجباتهم وللتغلب على هذه المشكلة اقترح زملاء ان يطلب من الطلبة القيام بعروض صفية أو استضافة زملاء مختصين بالمجال خلال الفصل الدراسي.

ولكن هذه المشكلة عالمية في كل الجامعات بحسب د.هنتر وهي تشجيع الطلاب على القراءة والكتابة.

المشكلة تتمثل في عدم إطلاع الطلبة على المعلومات وحبهم للقراءة. البعض اقترح تخصيص علامات لهذا الجانب لتشجيع الطلبة أو الطلب منهم قراءة ما يرغبون ويحبون أو تصغير المادة أو حضور افلام أو تشجعيهم على الالتحاق بدورات مع مؤسسات دولية مثل "أريج " أو اجبار الطلبة على القراءة ورفع المعايير أو نشر الغيرة بينهم وعدم الخضوع لرغبات الطلبة، وكما تعلمون أن القراءة هي من اساسيات الصحافة.

هذا يقودنا إلى الآتي: تركيبة دوائر الإعلام في بلادنا خاطئة.

هناك مساران في أمريكا، كلية اتصال ومدرسة صحافة وكلا المسارين لهما مخرجات مختلفة.

في المانيا مثلا يوجد 270 جامعة ومعهد عالي لا تعطي سوى 4 جامعات شهادة بكالوريوس في الصحافة ك"ممارسة " وليس ك"علم اتصال".

فالجامعات العربية تقبل مستويات متدينة من الطلبة بغية جلب اكبر عدد ممكن من الطلبة وهذا يحدث غالبا في تخصصات مثل اﻹعلام والشريعة.

لكن السؤال كم شخص مبدع في اﻹعلام من بين 500 طالب في كلية اﻹعلام ؟ كما هو السؤال كم طالب يكتب رواية أو ديوان شعر أو قصة في قسم اللغة العربية؟

قريبا ستدرب مؤسسة " أريج" الصحفيين على كتابة تحقيقات استقصائية قصيرة تعتمد على التمثيل البصري مثل رسوم بيانية وجداول وخرائط وانفوجرافيك لتسهيل إطلاع الجمهور عليها ونشر ثقافة التحقيقات الاستقصائية عن طريق "الاون لاين".

المشاركون اجمعوا ان طلبة اﻹعلام بشكل عام في الجامعات العربية لا يحبون القراءة . والصحفي ينبغي ان يقرأ باستمرار ومن لا يحب القراءة فهو في التخصص الخطأ.

[email protected]