الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ماذا بعد خطابي نتنياهو وعباس في الأمم المتحدة ؟

نشر بتاريخ: 25/09/2016 ( آخر تحديث: 25/09/2016 الساعة: 15:40 )

الكاتب: د.حازم الشنار

كدليل على ثانوية القضية الفلسطينية بالنسبة لإسرائيل ووضعها في أسفل جدول أعمال حكومة نتنياهو الحالية فقد تكلم عنها أمام الدورة الواحدة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أخر أربع دقائق فقط من إجمالي وقت خطابه الذي استمر اكثر من اربعين دقيقة (عشرالوقت فقط) قلب الصورة عن نفسه فيها كليا من محتل ومغتصب ومستعمر ومخالف للقانون الدولي الى حمامة سلام وعلى العكس وصف الفلسطينيين الضحايا والمضطهدين بمعطلي السلام بتحريضهم ضد إسرائيل والاحتلال والاستيطان، فالذي يعيق السلام ليس الاحتلال والاستيطان وإنما التحريض الفلسطيني عليهما.

أما باقي الوقت فقد صرفه بالدرجة الأولى في التحريض ضد إيران وبرنامجها النووي ودعمها للإرهاب مصورا أن إسرائيل والعالم يتعرض للخطر الداهم من إيران وان إسرائيل فقط تسعى لحماية نفسها والعالم من هذا الخطر وان على العالم وفي مقدمتها الدول العربية الوقوف مع إسرائيل لدرء هذا الخطر، واعتبر ذلك مدخلا للتعاون مع تلك الدول وتطبيق المبادرة العربية بالمقلوب .

كما صرف باقي الوقت في التبجح بانجازات اسرائيل وتوسع علاقاتها مع دول العالم وبانها الدولة الديمقراطية في بحر من الدول المتنازعة والمنهارة التي يسودها الارهاب والتدمير، لائما الامم المتحدة "لانحيازها" ضد اسرائيل مشككا بجدوى قراراتها، ومتجاهلا كليا ما اقترفته اسرائيل وتقترفه من اعتداءات وجرائم ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وانها هي وحليفاتها من اشعل تلك الحروب في الدول الاسلامية والعربية وكذلك سعي اسرائيل الدائم الى التفوق العسكري و ترسانتها النووية والجوية المتفوقة والمتنامية بدعم من حليفتها الولايات المتحدة ومساندتها المباشرة، حيث وقعت مؤخرا اتفاقية للمساعدات العسكرية خلال العش سنوات القادمة ب حوالي 40 بليون دولار.

وحتى في الأربع دقائق التي تناول فيها نتنياهو القضية الفلسطينية لم يكن جديا بل متظاهرا بأنه هو من يرغب بالسلام ويسعى إليه متهما الفلسطينيين بالنكوص عنه والتحريض ضد إسرائيل رغم محاولاتها المتكررة للوصول إلى اتفاق معهم يقوم على أساس حل الدولتين. داعيا السلطة الفلسطينية وليس منظمة التحرير إلى مفاوضات مباشرة غير مشروطة علما انه بهذا الشرط هو من يوضع شرطا مسبقا بالموافقة على الأمر الواقع داعيا الرئيس عباس ليخطب في الكنيست بالقدس أي ليعترف ضمنيا بها عاصمة أبدية لإسرائيل، مبديا استعداده للحضور إلى رام الله (عاصمة فلسطين) التي أحاصرها بالمستوطنات لأخطب بالمجلس التشريعي الذي حبست ثلاثة أرباع أعضاءه واعترف بها كانتونا لإدارتكم الذاتية في المقاطعة التي اجردها من السلاح، وهكذا من الممكن أن نتوصل إلى السلام.

وبالمقابل فقد احسن الرئيس، الذي تكلم قبل نتنياهو مباشرة، صنعا بتحميل اسرائيل مسؤولية خرقها للاتفاقات الموقعة وتنصلها منها وبتركيزه على ممارسات إسرائيل وإمعانها في الاستيطان ومصادرة الأرض والتضييقات على الأسرى والاغتيالات الميدانية وتدنيس المقدسات وتهويد القدس وحصار غزة وغيرها. كما أحسن صنعا بعودته إلى جذور القضية ومطالبته بريطانيا بالتكفير عن ذنوبها تجاه الشعب الفلسطيني وبتعويضه عنها والاعتذار عن وعد بلفور بمناسبة ذكراه المئوية، وعن الانتداب وممارساته وسياساته التي مهدت لقيام إسرائيل بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لقرار التقسيم ملوحا بالعودة إليه، ومطالبا إسرائيل بالاعتراف بمسؤوليتها التاريخية عن النكبة منددا بالمقابل بالهولكوست ومقارنا بينهما بشكل مبطن.

كذلك أحسن الرئيس صنعا بتحميله إسرائيل مسئولية فشل حل الدولتين متسائلا أن كانت تسعى لحل الدولة الواحدة، وتنصلها من الاتفاقات الموقعة وعلى رأسها اتفاق اوسلو، وتعطيلها لكل فرصة للمفاوضات معنا ورفضها لوضع مرجعية وإطار زمني لها. وعليه فقد تقدم بمطالبة للأمم المتحدة اعتبار سنة 2017 عاما لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي تبنته قمة عدم الانحياز الاخيرة، ومطالبته بتبنيها للمبادرة الفرنسية بعقد مؤتمر دولي للسلام وبعزمه التوجه لمجلس الأمن للارتقاء بوضع دولة فلسطين في الأمم المتحدة مطالبا الدول التي لم تعترف بها لغاية الآن أن تفعل ذلك بناءا على "حل الدولتين" الذي تبنته الأمم المتحدة ، وكذلك استصدار قرار جديد من المجلس لوضع إطار ومرجعية للحل السياسي القضية الفلسطينية، والتي أصر أن تكون المبادرة العربية أساسا له، رافضا محاولة إسرائيل لتبنيها بالمقلوب من خلال البدء باعتراف الدول العربية وتطبيع علاقاتها بإسرائيل قبل انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في العام 1967.

غير ان الرئيس عباس لم يحسن صنعا بإقحام نفسه في الصراعات العربية العربية خصوصا بما يتعلق باحتلال السعودية وحلفائها لأجزاء من اليمن وقصفها المتواصل لمدنه وقراه، وهو صاحب النظرية القائلة بالحياد الكامل في القضايا العربية والداخلية في دول الجوار. خصوصا وان من استجار بهم هم من ينسقون مع إسرائيل سرا وعلانية، كما أن يطالب برفع الظلم والاحتلال عنه لا يجوز له إن يؤيد احتلال دول لدولة شقيقة وصديقة.

وهكذا فقد تحدث الزعيمان كل على طريقته، ومن الواضح سعة الهوة بين موقفيهما والتي تتحمل مسئوليتها بالأساس الولايات المتحدة التي تساند ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وتوفر لها التغطية الدبلوماسية الكاملة في كل المحافل الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، في الوقت الذي تسعى إسرائيل إلى تسليم الفلسطينيين بالأمر الواقع بما فيه المستوطنات والجدار وتهويد القدس والمناطق ج وغيرها قبل بداية المفاوضات التي تريدها على مقاسها بدون لا مرجعيات ولا إطار زمني، فهي إذن غير معنية جديا بالسلام مع الفلسطينيين والحل النهائي معهم.

وعليه فان القيادة الفلسطينية مطالبة بالمضي قدما في سعيها لتبني مجلس الأمن قبل الانتخابات الأمريكية لقرار تثبت فيه مرجعية عملية السلام برمتها وبرنامجها الزمني. اما المبادرة الفرنسية بالدعوة لمؤتمر دولي للسلام فهي وان كنت أؤيد السير فيها في هذه المرحلة كحشد للتأييد لمشروع القرار في مجلس الأمن فإنها بحد ذاتها لن تكون على المدى البعيد وفي ظل ممانعة إسرائيل لها مجدية وفاعلة عدا عن أنها قد تكون مضيعة للوقت. كما أنه إضافة إلى تنصل إسرائيل من الاتفاقات وامعانها بسياساتها وممارساتها التوسعية فإن هناك ثلاث مناسبات تحتم على منظمة التحرير تجاوز اتفاقات اوسلو والاستعداد له من الان وهي مئوية وعد بلفور وسبعينية قرار التقسيم وخمسينية نكسة حزيران.