الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل مبادرة الجهاد الإسلامي واقعية ؟

نشر بتاريخ: 25/10/2016 ( آخر تحديث: 25/10/2016 الساعة: 15:42 )

الكاتب: د. وليد القططي

توالت ردود الفعل في الساحة الفلسطينية على مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي للخروج من المأزق الفلسطيني الحالي ما بين مرحب ومشكك ورافض , ومن أهم هذه الردود المشككة والرافضة رد حركة فتح التي وصفت المبادرة بأنها غير واقعية بمعنى عدم إمكانية تطبيقها على الأرض من الناحية العملية . فلماذا اعتبرتها حركة فتح بأنها غير واقعية ؟ وبعيداً عن رؤية حركة فتح هل مبادرة حركة الجهاد الإسلامي واقعية ؟

إن وصف حركة فتح للمبادرة بأنها غير واقعية نابع من تقييمها للبندين الأول والثاني في المبادرة المتعلقين بإلغاء اتفاقية أوسلو , وسحب الاعتراف بــ ( إسرائيل ) . أما بقية البنود فلا خلاف عليهم من الناحيتين النظرية والمبدئية , والخلاف يكمن في التفاصيل , والصعوبة توجد في التطبيق , لا سيما البنود التي تتحدث عن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية , وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ، وصياغة برنامج وطني موّحد لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه , واعتبار أننا في مرحلة تحرر وطني عنوانها المقاومة .

فسحب الاعتراف بدولة ( إسرائيل ) , وإلغاء اتفاقية أوسلو ، تعتبرها حركة فتح مطالب غير واقعية ، لكونهما أصبحا واقعاً محلياً ودولياً لا يمكن تغييره , وأنهما قد حققا بعض الانجازات الوطنية المهمة كوجود كيان وطني فلسطيني داخل فلسطين , وسلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية . ووجود اعتراف دولي بهذا الكيان وتلك السلطة أعطى للفلسطينيين هوية وطنية وجواز سفر وتمثيل دولي ‘ اضافة للاعتبارات الحياتية والعملية المتمثلة في وجود إدارة ذاتية فلسطينية مسؤولة عن إدارة شئون السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع تضم عشرات ألاف الموظفين المسؤولين عن إعالة مئات الآلاف غيرهم . وأن التضحية بكل ذلك ضرب من العبث ونوع من الجنون , فضلاً عن أن البديل هو الذهاب إلى المجهول والغرق في الفوضى .

في المقابل – من منظور معاكس – فإن الاعتراف بدولة ( إسرائيل ) كان مقابل اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية وليس بدولة فلسطينية مستقلة على جزء من أرض فلسطين , فهو اعتراف غير متكافئ – دولة مقابل منظمة – فيه اعتراف بأحقية اللص بامتلاك ما سرقه . كما أن اتفاقية أوسلو كانت مرحلة مؤقتة أُريد منها فلسطينياً أن تكون ممراً للدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع , ومدخلاً لتجسيد المشروع الوطني الفلسطيني (المُعدّل) . وأُريد منها إسرائيلياً أن تكون ممراً لتصفية القضية الفلسطينية , ومقبرة لدفن المشروع الوطني الفلسطيني , وجسراً للعبور إلى العواصم العربية , وغطاءً للاحتلال ( النظيف ) , وتكريساً للاستيطان المتمدد ... والإرادة الإسرائيلية هي التي تحققت , فبعد أكثر من عشرين عاماً على توقيع أوسلو النتيجة واضحة لصالح الكيان الصهيوني المحتل . فهل بعد ذلك يكون من الواقعية أن يستمر العمل باتفاقية ونهج أوسلو؟

إن من ينادي باستمرار الحفاظ على اتفاقية أوسلو بحجة الواقعية , كمن ينادي باستمرار الاحتلال والاستيطان , ومواصلة البقاء أسرى للمأزق الفلسطيني الذي تعمّق بالانقسام وتكرّس بالصراعات الداخلية الفلسطينية , هذا المأزق الذي لا يختلف على ضرورة الخروج منه أحد ، ومن هنا جاءت مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي للخروج من المأزق الفلسطيني ، تحت شعار ( واجب التحرير لا وهم السلطة ) ولتعيد الأمور في الساحة الفلسطينية إلى نصابها الطبيعي باعتبارها قضية وطن محتل يجب تحريره , وأننا في مرحلة تحرر وطني من الاحتلال الأولوية فيها لمقاومة الاحتلال وتحرير فلسطين , وليس الصراع على سلطة وهمية تحت الاحتلال .

وهي مبادرة وطنية مقترحة صعبة التطبيق , ولكنها غير مستحيلة إذا ما امتلكنا الإرادة الوطنية للخروج من المأزق الفلسطيني , بل هي واقعية إذا ما امتلكنا الوسيلة لتحويلها إلى برنامج عمل وخارطة طريق , ولذلك جاء البند العاشر من المبادرة الذي ينص على إطلاق حوار وطني شامل بين مكونات الشعب الفلسطيني لبحث خطوات التحوّل نحو هذا المسار . وعن طريق الحوار الوطني الشامل يمكن الوصول إلى حلول عملية واقعية لكل القضايا المطروحة في بنود المبادرة ، بما فيها البندين الأول والثاني بما يحقق الموازنة بين أهمية الاتفاق على مشروع وطني وبرنامج نضالي للتحرير استراتيجيته المقاومة الشاملة على اعتبار أننا في مرحلة تحرر وطني ، ومن جهة أخرى الاتفاق على كيفية المحافظة على الكيان الوطني الفلسطيني داخل فلسطين ،ودعم صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه ،والمحافظة على المكتسبات في الساحة الدولية .

وفي كل الأحوال لا ينبغي أن نجعل هدف المحافظة على السلطة الفلسطينية أو أي كيان وطني فلسطيني يلغي أو يعيق الأهداف الوطنية الكبرى الرامية إلى التحرير والعودة والاستقلال التي يسعى إليها الشعب الفلسطيني والتي من أجلها أُقيمت منظمة التحرير الفلسطينية وكل حركات المقاومة الوطنية والإسلامية الفلسطينية ، وان استطعنا توظيف السلطة لتصبح رافعة لصمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه ورافداً من روافد التحرير ،أو على الأقل لا تعيق مشروع التحرير فأمر جيد ،وإلا فلا خير في سلطة بديلاً عن التحرير والعودة والاستقلال الحقيقي .