الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قسم الاورام بالمستشفى الوطني.. انجازات رغم التحديات

نشر بتاريخ: 18/01/2017 ( آخر تحديث: 18/01/2017 الساعة: 16:16 )
قسم الاورام بالمستشفى الوطني.. انجازات رغم التحديات
نابلس - معا - اعدت وحدة العلاقات العامة والاعلام في وزارة الصحة تقريرا حول قسم الاورام في المستشفى الوطني الحكومي بمدينة نابلس، رافضين ما يطلق على المستشفى من مسميات منها "قلعة الموت" و"المسلخ" و"الداخلي اليه مفقود والخارج مولود".
بسبب نوعية الامراض التي يعالجها المستشفى الوطني الحكومي بنابلس، تكون بالعادة نسبة الوفيات اعلى من اي مستشفى اخر، فهذا ليس حكرا على المستشفى هنا، وانما يتساوى معه اي مستشفى يقدم خدمات علاجية استشفائية لمرضى السرطان والامراض الباطنية الاخرى كالكلى والكبد والجلطات القلبية والدماغية.
للحديث عن الخدمات التي يقدمها المستشفى الوطني بنابلس لمرضى السرطان، هناك قسم مستقل يسمى "قسم العناية النهارية" فيه اطباء وطاقم تمريضي اكفّاء مؤهلين بدرجة عالية من الناحيتين العلمية والمهنية يقومون بتقديم افضل ما لديهم من الخدمات الطبية والنفسية للمرضى، قوامهم طبيبان و3 ممرضين و5 ممرضات وصيدلانية وباحث اجتماعي وكاتبة وسكرتيرة.
معظم المرضى ممن يأتون للقسم يقول احد المراجعين، تكون في البداية علامات الريبة والخوف على وجوههم بسبب السمعة السابقة عن المستشفى، فلا يخلو بيت الا وقد حول مريض منه الى المستشفى، او توفى قريب داخله على مر السنين، ولكن ومع اول زيارة والتي تليها، يبدأ المواطن رويدا رويدا بمعرفة الحقيقة.. ان هذا المستشفى يقدم خدمات تفوق المشافي الاخرى التي تعمل في هذا المجال، وهذا بشهادة الكثير من المرضى، الذين وفي احيان كثيرة يضطر بعضهم لافتعال المشاكل او التودد لاطباء القسم من اجل تحويلهم الى مشاف اخرى، ولكن يفاجأ العاملون بالقسم بعودة ذات المريض او مرافقيه بعد ايام قليلة والطلب بالحاح لاعادته الى المستشفى الذين طلبوا الخروج منه الى اخر مقارنة بما شاهدوا ما يقدمه المستشفى من خدمات لا يجدوها في المشافي الاخرى. 

احد الموظفين العاملين بقسم العناية النهارية هو الباحث الاجتماعي صلاح عباس، والذي يعمل بهذه الوظيفة منذ 25 عاما ضمن برنامج الخدمة الاجتماعية الطبية التي تهدف الى ربط المؤسسة الطبية بالمجتمع الخارجي ومؤسساته المختلفه للاستفادة من امكانياتها وخدماتها في تحسين جوده الخدمات المقدمة للمريض.
صلاح عباس او كما يعرفونه المرضى ( ابو عاصم ) اول من يلتقي بالمريض، يقول : نقوم بمساعدة مرضى السرطان والدم على مواجهة المرض معهم بما يساعدهم تلقي العلاج واتمام الشفاء ومعاونتهم على الاستفادة من الموارد المتاحه في المجتمع على افضل وجه بما يلائم ظروفهم واحتياجات اسرهم.
يضيف عباس : نقوم كذلك بتزويد الطبيب المعالج بمعلومات خاصة عن المريض وظروفه الاجتماعية والنفسية والبيئية لما لذلك من اهمية في عملية التشخيص لحالة المريض ووضع خطه العلاج المناسبة له، نقوم ايضا بالتنسيق في عمليات الاتصال اللازمة بين وحدات المستشفى واقسامه المختلفة، كذلك بين المستشفى وخارجه بما يضمن حصول المرضى على الرعاية الكافية وفق حالاتهم، حيث نقوم بشرح سياسات القسم والتي تهدف الى تقديم افضل خدمة للجمهور المرضى والمراجعين.
وينوه عباس ان احد اهم اهداف الباحث الاجتماعي هو مساعدة الطاقم الطبي من الاطباء والتمريض للتعرف على ظروف المريض ومشاكله الخاصه لوضعها بعين الاعتبار عند التعامل معه، كذلك تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لمريض السرطان وشرح مضاعفات العلاج العضوية والنفسية والاجتماعية وكيفية مواجهتها من خلال اشراكهم بجلسات ارشاد نفسي واجتماعي، مع التواصل مع وزارة التنمية الاجتماعية ووكالة الغوث ولجان الزكاة المختلفة وعرض بعد الحالات عليهم والتواصل مع بعض الحالات في المنازل عند الضرورة.

الدكتور لؤي شاهين، شخصية معروفة لكافة المرضى، تجد رقم نقاله الشخصي مع كافة المراجعين واقاربهم، دمث الاخلاق، سلس في التعامل مع الجميع، يعالج المريض نفسيا قبل عضويا بابتسامته المعهودة، كيف لا وهو طبيب له اكثر من 31 عاما يعمل بالمستشفى الوطني، عمل خلالها طبيبا لامراض الدم والباطنية والتلاسيميا ويتابع مرضاه في باقي الاقسام ضمن الزيارات الدورية الصباحية.
سالت الدكتور شاهين عن مستوى الخدمة التي يقدمها المستشفى وخاصة قسم العناية النهارية التي يعمل بها فأجاب : الوضع هنا جيد ضمن الامكانيات المتوفره، نحن هنا نقوم بجهد جبار مقابل ما هو متاح، هنا ضمن تخصصي، اكشف واعالج مرضى سرطان العظام والغدد اللمفاوية وامراض نزف الدم ( الهيموفيليا ) والتلاسيميا وامراض فقر الدم بكافة انواعها، ليس في محافظة نابلس فحسب، بل يشمل محافظات طولكرم وجنين وقلقيلية وسلفيت وطوباس بل وياتي احيانا مرضى من رام الله. 

وعن مزايا العلاج داخل القسم، يقول الدكتور شاهين : لدينا وحده منفصلة ببوابة خاصه تحافظ نوعا ما في خصوصية المرضى تعمل من الساعة الثامنة وحتى الثالثة واحيانا الرابعة بعد العصر ومركز المستشفى وسط البلد بنابلس لا يحتاج المريض الى مواصلات صعبة، لدينا كذلك تمريض منفصل متخصص ذو كفاءة عالية مع ندرة التخصص كما يعلم الجميع، لدينا مختبر وبنك لنقل الدم يجري مع العلاج داخل القسم ولا داعي للخروج الى اقسام المستشفى الاخرى، اضافة الى اننا نقوم هنا بتحضير المريض لعمليات زراعة النخاع ومتابعتها بشكل كلي بعد العملية وهذا جهد اضافي وحساس نقوم به لكافة المرضى من محافظات شمال الضفة الغربية.
اما عن المعوقات والمصاعب، فيلخصها الدكتور شاهين بصغر حجم المكان مع العدد الهائل من المراجعين، وعدم توفر قاعة انتظار تليق بالقسم، كذلك عدم توفر جهاز تصوير طبقي داخل المستشفى، حيث يضطر المريض احيانا التأخر بالتشخيص نتيجة اكتظاظ مستشفى رفيديا الحكومي والحجز على الجهاز هناك، كذلك عدم توفر عدد كاف من الاطباء والتمريض المتخصصين، واخرها واهمها يقول : مشكلة انقطاع الادوية الذي يربك الطاقم الطبي ونعمل على تحويل المرضى وبالتالي الارباك المرافق للعملية.
الدكتور محمود نصوره، طبيب الاورام في المستشفى الوطني، شاب عمره 40 عاما خريج دولة ايطاليا، يعمل منذ 5 سنوات اخصائيا للاورام الصلبة، عيادته داخل المستشفى 3 ايام في الاسبوع، يعاين فيها مرضى السرطان المصابين بأورام في الثدي والقولون والرئتين والبروستات والمعده والمثانة والرحم والمبايض والدماغ وغيرها من الاروام الصلبة، يقول الدكتور نصوره: الشائع هنا في فلسطين هو مرض سرطان الثدي لدى النساء ومرض الرئتين والبروستات الاكثر لدى الرجال، ويجمع الجنسين بالتساوي مرض سرطان القولون. 
سألت الدكتور محمود، هل يأخذ مريض السرطان الفلسطيني حقه، كما هو المريض في دول الجوار ؟
قال : الوضع هنا على الرغم من كافة المعيقات والتحديات جيد، هناك مرضى جربوا العلاج بالخارج، وعادوا بكل ثقة للعلاج هنا، هنا أزمة مرضى صحيح، المريض قد لا ياخد وقته في بعض الاحيان، صحيح، لكن لا يوجد مريض يخرج دون علاج او اجحاف في حقه الاساسي بالعلاج.
يضيف الدكتور نصوره : هنالك زيادة في اعداد مرضى السرطان مقارنه بالسنوات القليلة الماضية ، كنا منذ نحو 5 سنوات ، نفتح ما معدله 300 ملف جديد لمرضى السرطان من شمال الضفة الغربية ممن يراجعون المستشفى الوطني ، اما الان استقبل ما مجموعه 500 مريضا سنويا في عيادتي هنا ولا اتكلم عن مرضى سرطانات الدم عند زميلي الدكتور لؤي .
وعن عدد المرضى القدامى والجدد ممن يعاينهم دوريا يقول : شهريا اعاين في عيادتي ما مجموعه 800 مريض ، بمعدل 200 مريض كل اسبوع خلال ال 3 أيام من عيادتي ياتون من محافظات نابلس وسلفيت وقلقيلية وكذلك يصل مرضى من جنين وطولكرم ورام الله ، وهذا عبء كبير جدا على اي طبيب ، فزملاءنا في الدول المجاورة لا يشاهد الاخصائي فيهم اكثر من 10 مرضى سرطان يوميا ، اما هنا ، اضطر احيانا لمعاينة وتشخيص وصرف علاج لاكثر من 70 مريض باليوم ، هذا عدا عن المراجعات الطارئة يوميا والمرور على الاقسام داخل المستشفى ، مما يجعل الدوام عبارة عن ارهاق جسدي وذهني على مدار الساعة ، وبل ومطلوب مني في حال مغادرة البلاد لدوره تدريبية او التزام عائلي ، ترتيب كافة الفحوصات والوصفات الطبية للمرضى للايام القادمة والتي لا اكون متواجدا فيها ، حتى لا يتم الاخلال لاي منهم بالبروتوكول العلاجي . 
وعن مخرجات القسم ، يقول الدكتور : هناك كما يعلم الجميع 4 مراحل للاصابه بالسرطان ، فكلما حضر المريض في المرحلة الاولى كانت نسب الشفاء عالية والعكس صحيح ، فنسبة الشفاء في المراحلة الاولى لبعض الامراض تصل الى 90% ، لتقل في المرحلة الثانية الى 70 % الى 60% في المرحلة الثالثة ، وربما تصل الى مراحل متدنية في المرحلة الرابعه ، الا انه وفي مجمل الاحصائيات التي نجريها ، نرى ان ما مجموعه 60% من الحالات السرطانية تشفى وتعود للمارسة حياتها الطبيعية مقابل 40% تفضي الى الوفاة بالتدريج بعد اخدها العلاجات باوقات متفاوته تبعا للدرجة التي وصل بها المريض وخطورة موقع المرض وانتشاره .
وعن ميزات العلاج داخل الوطن والمستشفى بشكل خاص يضيف نصوره : هناك مرضى يأتون هنا وعلى قناعة تامة بالطواقم الطبية والخدمة المقدمة لهم ، مستوى الرضا هنا جيد جيدا ، بل ان مريضا اصر مؤخرا على الخروج للعلاج على نفقته الخاصة في مستشفى هداسا الاسرائيلي ، وطلب تقريرا بالحالة واين وصل العلاج ، ولما عاد بعدما قابل الاخصائي هناك ، نصحه الطبيب الاسرائيلي بعدم ترك العلاج هنا ، مبديا ثناءه على كل ما تم من تشخيص وعلاج هنا في المستشفى الوطني مضيفا : قال له الطبيب الاسرائيلي بحسب ما افاد : يجب ان تشكر الطبيب على حسن التشخيص والعلاج ، وليس هنا ما يمكن ان نضيفه بأي شيء .
سألت الدكتور عن ابرز العقبات التي تواجه الطاقم الطبي والمرضى على حد سواء : تنهد قليلا وقال : لربما تشتت المريض خلال فترة الفحص والعلاج هي اصعب ما يؤرقنا ، فلا توجد خدمة له في مكان واحد ، في المستشفى الوطني لا يوجد جهاز تصوير طبقي ، فنضطر الى تحويل المريض اما لمشافي الحكومة او القطاع الخاص ، الخزعه التشخيصية كذلك لا تجرى داخل المستشفى ، العلاج النووي والاشعاعي والجراحي لا يتم هنا ، هذا اضافة الى مشاكل ما يسمه الاحتلال المنع الامني ، تخيلوا ان يمنع مريض سرطان عمره 75 عاما من الدخول الى مستشفى المطلع بالقدس ، فيضطر المرضى للوصول عن طريق التهريب كما يخبرونا ، وكل ذلك له محاذير سواء على حاله المريض الصحية او الخطوره من تخطيه الطرق البديلة وكذلك الثمن المادي الذي يضطر لدفعه للوصول هناك بشكل متواصل لاخذ الجرعات . 
وعن باقي المشاكل التي يعاني منها المرضى يضيف الدكتور نصوره : ضيق المكان ، فلا يعقل ان نستقبل كل تلك الاعداد من المرضى في قسم صغير نسبيا ، كذلك النقص في الكوادر ، فنحن طبيبان نغطي منطقة الشمال بشكل شبه كامل ، اضافة الى موضوع الادوية ونقصها ، فهذا موضوع يزعجنا ، حيث ان الشهور ال 9 الاولى من العام الماضي كانت الامور جيدة للغاية بالنسبة للدواء ، ولكن تدريجيا بدأ الانقطاع في بعض الادوية الهامة ، مما يضطرنا الى تحويل المرضى الى مشافي اخرى ، وما يرافق ذلك من ارهاق للمريض واهله ماديا وجسديا وارباك الطبيب هنا وهناك من حيث بدأ العلاج او الاستمرار فيه .
ويختم الدكتور نصوره حديثه : نحاول بكل ما اوتينا من قوة الابتسام في وجه المريض ومساعدته ، الا اننا نعتذر في حال خرجنا بعض الاوقات على اعصابنا ، فحجم وضغط العمل لا يمكن ان يتحمله بشر ، ومع ذلك ، وعندما نرى التقدير والشكر من المرضى سيما البسطاء وهم يسردون بسعادة تجربتهم مع المستشفى او عندما يحاولون الخروج منه ، وكيف يعودون بكل طواعية ، ننسى كل تلك المعاناة .
قابلنا سيده داخل قسم العناية النهاية ( 52 عاما ) من بلدة طلوزه قرب نابلس ، تقول ان هذه اول زيارة لها لجلسة العلاج الكيماوي ، فبعد التشخيص اثر تضخم سرطاني للغدد اللمفاوية ، تم تحويلي هنا ، حيث سالت عدد من المطلعين ، اشادوا بالقسم وما يقدمه من خدمات ، وحتى الان اجد كل الامور تسير كما يرام ، وانا مرتاحه من تعامل الطواقم الطبية ووديتهم معنا . 
مريض اخر يتعاطى العلاج الكيماوي بالوريد من منطقة طولكرم ، يقول : انا ممنوع امنيا من دخول القدس ، حاولت 3 مرات وتم منعي ، هناك دواء غير متوفر ضمن برتوكول العلاج كما قيل لي ، لا اتلقاه ، واعطي ما هو متوفر ، ولا املك الا الصبر ، الطاقم هنا ممتاز بالتعامل والمتابعة ، المكان ضيق واكتظاظ ، الاسبوع الماضي تم وضع 3 كراسي في منصف القاعة لمرضى يتلقون العلاج الكيماوي ، لكن الاهم من ذلك نريد توفير الادوية ، هذا هو ما نحتاجه بشكل اساسي .
مريض اخر من قلقيلية ، 54 عاما ، يحاكي من قاله زملاءه المرضى داخل القسم ، الطاقم ممتاز ، المكان بحاجة الى توسع ، لكني اخدت اول جرعه وكانت كاملة واليوم الجرعة الرابعة واخبروني ان هناك دواءا اساسيا لا زال غير متوفر .
باختصار ، المستشفى الوطني يقدم خدمات عظيمة ، بطاقم متميز يعاني هو ايضا ، المستشفى بحاجة ماسة للترميم والتجديد وتزويده بالمعدات والاجهزة والكوادر اللازمة ، خاصة قسم العناية النهارية التي يغطي قسم منه كامل شمال الضفة الغربية ، وهذا يحتاج الى موازنات ضخمه ربما لا تستطيع الحكومة لوحدها تحملها في ظل الضائقة المالية التي تمر بها ، قسم الاورام ، استقبل خلال العام 2016 ما مجموعه ( 15153) زيارة لمريض ، فواقع الحال يلقي بمسؤوليات خاصة وواجب وطني على المجتمع المحلي الذي يحب ان يمد يد العون والمساعدة لهذا المستشفى العريق والحيوي والذي لا يتوفر بديلا له في محافظات الشمال ، مع التذكير ان الخدمات الصحية الحكومية هي الملاذ الاول والاخير للفقراء واصحاب الدخل المحدود والطبقة المتوسطة .
ولكي نحافظ على هذا المستشفى على الحكومة والمجتمع المحلي سواء ، السعي لتوفير ما ينقص من خدمات علاجية لهؤلاء المرضى وتوفير مساحة اكبر للقسم وتأهيل عدد اضافي من الطواقم الطبية ، كل ذلك من اجل تغيير الصورة النمطية التي رسمت وعبر سنوات طويلة في اذهان العديد من ابناء شعبنا لهذه المؤسسة الطبية الرائدة ، فالافضلية لا تقاس بالمباني فقط ، فالمستشفى اقيم عام 1905 ومبانيه قديمه وردهاته وممراته تاريخية ، لكنها تقاس ايضا بمستوى خدماته ، وكفاءة العاملين فيه من موظفين مؤهلين مخلصين اقسموا على خدمة وطنهم وابناء شعبهم المكلومين .