الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الوعي: العودة أم الفقدان وماذا بعد؟

نشر بتاريخ: 26/02/2017 ( آخر تحديث: 26/02/2017 الساعة: 11:27 )

الكاتب: تحسين يقين

أنقذني أولا ودع الملامة لاحقا!
حكاية من كاد يغرق، وجاء من يلومه على نزول الماء، تنطبق علينا،؛ فما لنا إلا البدء الفوري بإنقاذ المشروع الوطني، أو ما تبقى منه!
حتى الوعي وحده ليس بكاف إن لم يقترن بعمل جاد منظم على الأرض كذلك في سماء الفكر والإبداع ومشاعر الوفاء والانتماء والالتزام.
"كثير من الناس يعيشون طويلا في الماضي، والماضي منصة للقفز لا أريكة للاسترخاء" عبارة منسوبة لتوفيق الحكيم، تدفعنا للتوجه للمستقبل من أجل الخلاص المقصود في العنوان؛ فإذا لم يستحسن العيش طويلا في الماضي، فإنه يحسن تأمله قليلا.
لا هو هو، ولا أنا هو، أما نحن فنحن وأنتم!
الأدب قادني إلى السياسة والصحافة أيضا؛ وهكذا كان توفيق الحكيم أحد كبار الأدباء هو من أخذ بيدي فتى قارئا للروايات والمسرحيات، إلى القراءاة السياسية، وإن وجدت نفسي متورطا بعض الشيء، فلم تكن سني تؤهلني للتواصل في ذلك السجال الذي دار بينه وبين الكاتب محمد عودة حول كتاب الأول النقدي لفترة حكم الرئيس عبد الناصر الذي أصدره الحكيم بعد رحيل ناصر بأربعة أعوام، حيث كان من المنطقي والطبيعي أن يواكب النقد السياسي للحراك السياسي لا بعده؛ بمعنى أنه وفقا -لمنتقدي الحكيم-كان من الأولى إسماع الصوت وناصر حي على قيد الحياة.
هل نقول عودة الوعي؟ أم الوعي المفقود؟ ام نعود لوثائق طريق ذلك الوعي بعد نشر عودة الوعي بعام؟ كان ذلك في الثمانينات حين اهتديت لكتاب الحكيم، ولم يمر كبير وقت حتى وجدتني أهتدي للكتاب عودة الذي رد بقسوة فيه عليه. ولم تمض غير بضع سنوات حتى رأيتني أقتني من معرض القاهرة الدولي للكتاب كتاب الحكيم: شجرة الحكم السياسي في مصر للحكيم.
المهم كنت كلما تعرفت أكثر على تاريخ الحكم في مصر، أتذكر تلكما الكتابين، اللذين أتى بهما أخي من مصر، حينما كان يدرس الطب هناك، وما بين الطب والسياسة والأدب سكنت مصر بيتنا وما زالت.
لنعود إلى الماضي القريب لنتأمل ما كتب عنه:
عودة الوعي... كتابات في السياسة لم يكتبها "توفيق الحكيم" لتنشر كما قال، وإنما للتسجيل والتعليق على فترة هامة وفاصلة في تاريخ مصر، تحديدا من 23 يوليو 1952 وحتى 23 يوليو 1972م. كتبها كمفكر له ثقله ومكانته في عالم الأدب و الفكر .. وهذا هو " توفيق الحكيم" يسرد علينا أحداث تلك الحركة التى كانت تتبنى الديمقراطية والمساواة ثم وقعت في جب الإستبداد و التفرد بالحكم. لم يهدف المؤلف في كتابه الهجوم او المحاسبة والعقاب كما أكد على ذلك، وانما الاعتبار من اخطاء لن تتحمل البلاد أن تتكرر مرة اخرى، وضم إلى رأيه في هذا الكتاب بعض النماذج التى تصدت وغضبت من آراء لم تحمل سوى الحقيقه التى حجبها الخوف والذعر، والوعي الذي ظل غائبا فترة طويلة من الزمان. كان ذلك عام 1974..
أما الكتاب الرد، فهو "الوعي المفقود"، وهو من العنوان يثير سخرية الكاتب؛ فهو اعتبر أن من عاد وعيه يعني أن وعيه كان من قبل مفقود!
حلل عودة في كتابه "شخصية توفيق الحكيم وموقفه من القضايا الاجتماعية والسياسية واتخاذه دائماً موقفاً لا يطاوله فيه أحد، وأنه لو أراد أن ينتقد أو يوجه لأمكنه ذلك، لكنه لم يفعل وآثر السلامة الذاتية وهذا يتفق مع طبيعته الشخصية والأدبية وهي مركبات تبعده عن فهم معنى الثورة".
ولأنني كنت من مريدي توفيق الحكيم، فقد قرأت الرد فتى رومانسيا معجبا بكاتبه، لكنني قرأت "الوعي المفقود" محبا لناصر الذي لم نعرفه سوى من الكلمات والصور، وتكرار الحديث عن حلقات اللطم على رحيله في مراكز القرى والمدن، وهكذا صار في بيت دقو القرية الصغيرة الوادعة التي تانام في حضن جبال القدس.
ماذا يعني ذلك كله؛ فلا أنا هما الكاتب والراد، ونحن جميعا معا هنا وهناك في أكثر من زمن!
أما هو فهو هو!
جميل هو الأدب السياسي، سنحظى بالكثر من الأساليب للبوح، والرمز، وإن دعانا المقام هذا لمقال أكثر صراحة.
البداية كانت في مرحلة اكتشاف الفتى، ما بين رفض اليمين الذي استفرد بالقرويين أمثالي لفترة قصيرة في ظل تقلص المدّ الوطني بعد عام 1982، في الضفة والقطاع، وما بين واقعية اليسار التاريخية التي رفضت سابقا، فكيف بالإمكان قبولها من قبل الشباب الرومانسيين الحالمين بكامل التراب!
في الانتفاضة، ومع المد الوطني، عاد لنا ما فقدناه ولو نسبيا، فانغمسنا في المشروع الوطني، وصولا إلى محطات مدريد وواشنطن وأوسلو.
ولعلنا لا نمكث طويلا في التاريخ!
على الأرض، كنا نرى ما يفعله الإسرائيليون من أمر واقع، ولكن كان أملنا أنه يمكن أن نحقق ما نطمح إليه في قضايا الحل الدائم.
كنا نرى الطرق الالتفافية والشوارع العابرة للضفة الغربية، وكنا نرى نمو المستوطنات التي تسارعت بعد واي ريفر، وكنا نخشى ألا يبقى ما يمكن أن يكون الدولة الثانية. وكنا نرى ما يصنع الاحتلال في القدس؛ ففي كل زيارة لها، عبورا من الطوق الاستيطاني، كنا نضع أيادينا على قلوبنا. وحينما كنا نتابع الحديث عن عودة اللاجئين، كنا متيقنين أن إسرائيل لن تقبل بأي منطق إنساني حقوقي لعودة اللاجئين إلى ديارهم، لخوفها هوية أن يصبح الفلسطينيون في يوم قادم الأغلبية السكانية. لذلك وفي سياق هذا التخوف والقلق، راح بعض الفلسطينيين وأنا منهم، نتحدث عن حل الدولة الواحدة للشعبين كحل لمعظم الإشكاليات والتعقيدات على الأرض.
ورغم ذلك كنا نؤمن بأنه كان هناك إمكانية لدوليتين، حتى وصلنا إلى زمن لم يعد الإسرائيليون يقبلون فيه لا بدولتين لشعبين ولا دولة واحدة للشعبين، فقط-وكأنهم يتنازلون- فإن أقصى ما يقبلونه حكم ذاتي في الضفة الغربية، ودويلة في القطاع.
وهنا، رحنا نتساءل بيننا وبين أنفسنا: هل كانت القيادة رومانسية في توقعاتها من قيام الدولة المنتظرة؟ أم هو ضرب من الأمل في التغيير، بتوقع الدعم العربي للضغط على الاحتلال!
لقد كنا نرى كمواطنين ما يخطط له الاحتلال وما ينفذه جهرا، ولم نكن بحاجة لزرقاء يمامة!
ما الذي حدث؟
لقد كنا شعبا وقيادة واعين، ولا أظن أن هناك تشخيصا يناقض ذلك؛ فلماذا إذن شعرنا بالصدمة!
ومنذ مدريد، والكتابات النقدية بل والمتطرفة في الاتهام تتوالى، ونحن مستسلمين لخدر الأمل!
فلا ينطبق علينا "عودة الوعي"، ولا "الوعي المفقود!
لا الحكيم ولا عودة هنا، ولكن الروح النقدية هي ما تلزما لنتحدث جميعا لا كطرفين لكن كطرف-شعب واحد، حتى لا تضيعنا العواصم هناك، حتى خارج الأقليم العروبي!
ماذا بعد؟
سيتساءل النقاد: هل كذب علينا الإسرائيليون أم كذبنا على أنفسنا وشعبنا؟
الجواب يأتي من الكتب والأوراق، فماذا يعني تأجيل قضايا الحل النهائي، غير الإيحاء بحل سياسي يتخلص فيه الفلسطينيون من الاحتلال؟!
أما نحن فتضخم أملنا مطمئنين أكثر من اللازم.
خلال تلك الفترة، حدثت التحولات الاقتصادية-الاجتماعية، وصولا إلى ما نحن فيه من تشظ وفرقة، حتى صار الاستنهاض الوطني يجد صعوبة، وفي ظل التشظي العربي صار كل شيء صعبا!
ماذا بعد؟
"الآن الآن وليس غدا" يدعو الرئيس الجميع بما يملك من مشروعية الداعي والدعوة.
يواكب ذلك ثقة الجمهور بالقيادة، حيث سيبدع الشعب في تجليات التعبير الوحدوي والمناهض للاحتلال، فليست هناك قراءة واحدة مستمرة للفعل الشعبي، بل دوما هناك إبداعات تضاهي رالإبداع الأول- الحجر.
 إدارة وحكم شفاف وصالح حقيقي، في سياق انتخابات، فأروع الانتخابات التي تكون في ظروف طارئة أصلا!
سيصعب أن يملى الشعوب، لأن الأوطان هي الشعوب، ولن يتم كسر هذه الشعوب بسهولة.
ماذا بعد؟
توجيه الموقف العربي بالعمل على إنهاء الاحتلال، بدل الانشغال بنزاعاتنا، من خلال أمر واحد وحيد، وهو توحيد الكل الفلسطيني؛ ولا أرى من يؤجل ذلك إلا باحثا عن خلاصه هو لا شعبه، نقطة وضع القلم.
أما هو فهو الحاكم والقائد، نذكر الجزء بلاغة المجاز المرسل ونقصد القيادة، فما زال لدينا بقية من ديمقراطية لربما تكفي لما بعد: إعداد القيادة الشابة لتسير إلى جانبها، ووراءها بل أمامها، وصقلها لأجل المستقبل، والتي ستكون قوية بشعبها وتجربة قادتها العظام، الذين نجلهم وهم من وقفوا كثيرا أمام الشمس وحدهم.
آن لنا ألا نعيش طويلا في الماضي، لأنه منصة للقفز لا أريكة للاسترخاء، ورحم الله قائلها توفيق الحكيم، ورحم الله محمد عودة الذي اختلف معه، ورحم عبد الناصر الذي اختلفا فيه وعليه.
ورحمنا الله من أنفسنا ايضا!