الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

"النكبة"...وذكرى مختلفة بمفهوم مختلف

نشر بتاريخ: 17/05/2017 ( آخر تحديث: 17/05/2017 الساعة: 10:32 )

الكاتب: صابرين دياب

ذكرى "النكبة" مرة أخرى،وعام اخر تحت الاستعمار، وهذه مرة مختلفة بمستويين على الأقل: مستوى الانكشاف ومستوى المقاومة والتجذير..
قبل تموز 2006 ، كنا نستذكر يوم اغتصاب وطننا بلعن حكام الخزي والعار في محميات اشباه الرجال الخليجية، وحكام عرب اخرين ساهموا بالتواطؤ مع هؤلاء في محاولات دفن القضية الفلسطينية والتخلص منها، بعد ان باعها السعودي والاردني للحركة الصهيونية، على فترات زمنية محتلفة قبل وبعد اعلان اغتصاب فلسطين رسميا عام 1948،، اما بعد حرب 2006 صار استذكار الغدر بفلسطين بأمل اكبر واقرب الى دماء الشهداء السابقين واللاحقين، لا يتلوث بذكر اذلاء الامة وحكامها التابعين الاتباع ، ذلك ان سيد المرحلة، قلب الموازين وعرّى العدو ومطاياه ، فاتسع الامل ولم يعد الا قابلا للتجدد والاتساع، بدون نأمة احباط مهما صغرت او تفهت رغم نار الالم والجراح!
لا غضاضة هنا في الاشارة الى حديث مسجل دار مع نائب رئيس الحركة الاسلامية في الداخل المحتل عام 2010 لجريدة العربي الناصري القومية المصرية،اول صحيفة عربية انتصرت للمسجد الاقصى، وقد تولى رئاسة تحريرها انذاك عبد الله السناوي، الذي احتضن قادة الحركة الاسلامية في صفحة "العربي" الاولى، وقد تحدثوا كثيرا لها منذ2004 حتى نهاية 2010 عن مأساة المسجد الاقصى، رغم امكانياتها المتواضعة، بسبب معارك مع نظام المخلوع مبارك انذاك، ووضعية الحزب العربي الناصري الاشتراكي، بل انني ارى ضرورة لهذه الاشارة ، لتوضيح نقاط لاحقة، فقد قال ردا على سؤالنا حول النظام الرسمي العربي وتعاطيه مع استهداف المحتل وتدنيسه للمسجد الاقصى، ان الامة العربية والاسلامية لم تخض حربا بعد وفاة الرسول الاكرم وصلاح الدين، الا حرب 2006! ،،كما قال رئيس الحركة الاسلامية الشيخ رائد صلاح، في حديث اخر،مسجل ومؤرشف بالصوت لصحيفة العربي الناصري ، في مؤسسة الاقصى في ام الفحم عام 2009 ،في اثناء رده على سؤال لنا ،حول المأمول من النظام الرسمي العربي ، قال: "ليت هناك نظامان اخران كالنظام السوري في حاضرنا العربي والاسلامي"،، ومثل هذه التصريحات واقوى منها ،صرح بها ساسة حركة المقاومة الاسلامية حماس في كل مكان ،، هذه الاشارات العابرة لممثلي جمهور محدد من بين جماهير ابناء شعبنا الواسعة، تشير الى ان الوجدان العام لجميع الوان الطيف الفلسطيني اجتمع على حقيقة واحدة، مدركا ان من باع فلسطين ومن تسبب في ضياعها وتامر عليه،لا يمكن ان يكون مؤتمنا على قضيتنا، ولا يمكن ان يكون بديلا لنصير حقيقي وجدي، لارضنا ولجرحنا ولمشروع تحررنا، حتى لو انتقل هؤلاء الان الى الحضن الرجعي المتامر على القضية، فذلك لن يؤثر على الوجدان العام، فهم جزء من غالبية لم تفقد بوصلتها، اختارت الانتصار للوطن فقط،، وحين نستحدم مصطلح "النكبة" لا بد لنا ايضا ان نتذكر، من اختاروا امتدادهم الخارجي على انتمائهم الوطني، دون ان يشعرونا بالاحباط طبعا ، ليس لانهم قطاع محدود بين جماهير شعبنا العريضة ،انما لان ثقتنا بالجيل الثائر الذي ورث الانتماء واصوله عن دماء شهدائنا الابرار لن يفقد البوصلة ،وهم الاهم ،كما ان ثقتنا بأنصار فلسطين لا تهزها نكباتنا الداخلية على كافة الصعد، ولا تهزها مخططات العدو في تفتيتتنا واقتتالنا واستنزافنا في معارك داخلية مذهبية واثنية وطائفية مريضة وحقيرة لا تليق بوعي شعبنا الجمعي والفردي وادراكه!
في لحظة الانكشاف يتقاطر التوابع إلى الأرض المحتلة عُراة تماما، بلا خجل، لأن الذليل والتابع لا يردعه غير الخوف،، في لحظة الانكشاف، تم تنبيه كافة الغرائز الوضيعة وخاصة الطائفية، لتحل محل الوطن والقومية،، والطائفية ليست سوى هوية وضيعة لا علاقة لها بالكرامة والشهامة والانتماء الوطني، بل هي تابعة بالضرورة وحتما.
بعد قرن على وعد بلفور، وسبعة عقود على استعمار فلسطين، يبان المرج بعد ذوبان الثلج ويصبح اكثر وضوحا عن وعود بلفور، من الصهيونية العربية للصهيونية اليهودية، ينكشف ما حصل إلى جانب الوعد المشؤوم مما ظل تحت ستار! نفذ صبر الصهيوني والأمريكي، فصار لا بد من ذبح ضحية العيد، ممثلة في حكام تم تفريخهم لهذه اللحظة، لحظة انفجار ما يسمونه "الربيع العربي"، الذي هيأ للصهيونية فرصتها التاريخية للإجهاز على الأمة، وليس على قطر واحد هو فلسطين..
مختلفة هذه الذكرى بعزيمة المقاومة، التي أكدت الشرخ بين الشعبي والرسمي، وبين السياسي والمقاوم على الارض وتحتها، وكشفت الغطاء عن حالة من الهوان والاستجداء و "الاستحذاء" الرسمي العربي،، بدون المقاومة كان يبدو كل شيء عاديا ساكنا وبلا اي تناقض،، وبالمقاومة صار لا بد من التخندق :إما للوطن أو ضد الوطن، ولذا كانت الهجمة على مختلف المواقع القومية وخاصة الجمهوريات وكانت بالمقابل المقاومة التي بدأت بهزيمة العدو أعوام 2000 و 2006 و2014، وكانت مقاومة سورية واليمن والعراق.
لم يعد الأمر أن الإمبريالية تأمر فتُطاع، بل صارت تُضرب وتحسب ألف حساب لإمساك الأرض، فلجأت للعدوان من السماء، ولجأت لزج خراف الوهابية للمذبح ،،ولم تعد للكيان الصهيوني فرصة حروب النزهة، كما كان يزعم قبل صعود المقاومة، ولم يعد قادرا على تحديد وقت العدوان ولا جغرافيته، وبدأ العدو يلغي ساعة صفر لتحل بعدها ساعة أخرى تحل أيضاً.
تغيرت ساعات الصفر، وتغيرت لهجة الأعداء من انقرة إلى باريس فتل ابيب، وسقطت تخمينات سقوط دمشق وسقط معها من خان مرتكزاً على حتمية السقوط.
بقي العدو هو العدو، ولكن بقيت المقاومة، ونحن على موعد مع جولات أخرى،، هذه هي الحتمية والصد والرد، الذي لم يعتده العدو، وسيعتاد عليه إلى أن يكون النصر ويتحقق.