الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رئيس دولة كبرى ...بعقلية رجل أعمال متفوق

نشر بتاريخ: 22/05/2017 ( آخر تحديث: 22/05/2017 الساعة: 14:33 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

من يعتقد أن ترامب يأخذ قراراته بشكل ارتجالي فهو مخطئ، فرئيس أقوى دولة في العالم، لا يتحرك من تلقاء نفسه، ولا تخضع سياساته وتوجهاته لما يفكر ويرغب ذاتياً، أي ضمن المعيار الشخصي البحت، فالرئيس الامريكي جاءت به مصالح شركات ومراكز اقتصادية أمريكية، ليعبر عنها ويخدمها، وبالتالي فإنه يتحرك وفق عمل مؤسساتي له اعتباراته وقوانينه، صحيح أن المواصفات الشخصية مهمة للرئيس أو القائد، إلا انها ليست العامل الحاسم في دولة كالولايات المتحدة، فعندما تولى أوباما الرئاسة، أطلق تصريحات مناهضة للاستيطان، وأبدى تفهماً وحماساً للعلاقات مع العرب، لكنه تراجع أمام ضغط داخلي وتناسى ما تعهد به، مقدماً مرونة في التعاطي مع السياسة الإسرائيلية، بالرغم من إهانات شخصية تعرض لها من نتنياهو شخصياً، ليمضي ثماني سنوات في البيت الأبيض دون أن يحرك ساكناً في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، باستثناء الامتناع عن التصويت في قرار مجلس الأمن الأخير، الذي كان موقفاً أراد من خلاله الحفاظ على ماء الوجه، أو لتسويق أنه فعل شيئاً.
وعندما حقق ترامب فوزاً على المرشحة الديمقراطية كلينتون، أصيبت الدبلوماسية العربية الرسمية بنوع من الفزع، على اعتبار أن ما صرح به في حملته الانتخابية وكأنه برنامج عمل مناهض للعرب أو أنه سيأتي وكيلاً للحكومة الاسرائيلية، في تجاهل من الذين أصابهم الفزع، بأن شعارات الحملة الانتخابية تختلف عما تضعه السياسة أمام الرئيس من حقائق ومعطيات وتشابك مصالح.
لم ينقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس، وأعتقد أنه لن يفعل ذلك، بالنظر إلى التعقيدات وردود الأفعال التي من شأنها أن تعود بالخسارة على الولايات المتحدة، دوراً واقتصاداً وعلاقات، كما أن ترامب سوف لن يتخذ مواقف تضر بالمصالح الأمريكية، لأنه يحسب الأمور وفق معادلة الربح والخسارة كرجل أعمال.
ولكي لا نذهب بعيداً فإن ترامب لن يتحرك ضد المصالح الإسرائيلية، فهو ينظر لإسرائيل كدولة مهمة وحليف ضروري لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، لكن الرؤية الأمريكية لمصالح إسرائيل، هي أوسع وأشمل من رؤية اسرائيل ذاتها لمصالحها، فالولايات المتحدة ترى جيداً العالم بتناقضاته وتحالفاته، والحكومة الإسرائيلية لا ترى سوى نفسها، وتتصرف وكأنها دولة وحيدة على هذا الكوكب، تتصرف كما تشاء في إطار المعادلة التي تريد.
لذلك فإن الإدارة الأمريكية الحالية ترى أن مصلحتها ومصلحة إسرائيل وهي إلى حد كبير متماثلة، تكمن في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، يبقي إسرائيل الدولة الأقوى في الشرق الأوسط، من خلال محاصرة إيران وحلفائها، عن طريق تشكيل تحالف سني يكون لإسرائيل ثقل فيه في سياق تطبيعي أي بقبول الدولة العربية لإسرائيل في ترتيبات تحالفية جديدة تجعل من المصالح الإسرائيلية الأمريكية مضمونة بل وقابلة للتمدد.
من هنا فإن مستشاري ترامب يحضرون لمرحلة مختلفة، بعد تهيئة المناخ، وبالاستفادة مما يعصف بالعالم العربي من تحديات وصراعات، ليستنى للولايات المتحدة الامساك بكل مفاتيح المنطقة، وسد بوابات الدخول والتغلغل الروسي، مراهنة على المال العربي، الذي يمكن توظيفه في السياسة والاقتصاد والأمن.
ولأن إدارة ترامب تدرك أن إيجاد حل للقضية الفلسطينية يشكل المفتاح، فإنها ستعمل بشكل حثيث في هذا الاتجاه، واحتمالات نجاحها واردة، لا سيما مع غياب الدول التي كانت تصنف في خانة الدول الممانعة، فليبيا بعد القذافي تطحنها الصراعات والحروب، والعراق بعد صدام يصارع من أجل البقاء في ظل استهداف مدمر لبنيتها كدولة، وسوريا مخطط لها أن تبدد طاقاتها وامكانياتها في حرب داخلية طويلة الأمد، لا يوجد أفق لانهائها. أما إيران فقد وجدت إدارة ترامب في تطويقها بتحالف سني فرصة لتحجيم دورها ونفوذها.
وأمام ذلك قد يخرج الفلسطينيون بدولة منزوعة السلاح في الضفة والقطاع تكون جزءاً لا يتجزأ من منظومة خطة محكومة بالمصالح الأمريكية، ومن يعتبر أن هذه الإدارة ستفوت هذه الفرصة لا يقرأ السياسة الدولية ويجافي في رؤيته لغة المصالح والتحالفات ومخطط إعادة صياغة ورسم المنطقة، انطلاقاً من منظور جديد، والسؤال هل ينجح ترامب في خطته؟ – المؤشرات تقول نعم بالنظر إلى منطق رجل أعمال ناجح يحسب الأمور بدقة مدفوعاً لتحقيق المكاسب وبالنظر أيضاً إلى واقع عربي ممزق، وبالاستفادة كذلك من واقع فلسطيني منقسم على نفسه، في غياب لقوى عربية فاعلة مرشحة للعمل في اتجاه معاكس.
وعليه قد تشهد الشهور القادمة ضغوطاً أمريكية على إسرائيل لتطويعها للدخول في هذه الترتيبات كما يضغط أب على ابنه من أجل توصيب مساره لكي يخفف من تشدده حرصاً عليه.