الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الثورة الفلسطينية... ثورة الإنسان والحرية

نشر بتاريخ: 19/06/2017 ( آخر تحديث: 19/06/2017 الساعة: 14:42 )

الكاتب: عباس الجمعة

في ظل التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، نقول بكل صراحة ان ما يحاك اليوم من اجل اخماد روح الثورة الفلسطيبنية التي اطلق شرارتها المارد الفلسطيني عام 1965 من مؤامرة تستهدف الشهيد والاسير الفلسطيني هي من اخطر المراحل التي مرت بها حتى الآن، والتي تستدعي وقفة جادة من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية حتى نتمكن من تجاوز كل الاخطار التي تحيط بالثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ودحر كل المؤامرات التي تحاك ضدها، لتستمر الثورة في التجدد، وتتمكن من تصعيد نضالها وتخطو المزيد من الخطوات على درب النصر ودروب التحرير والعودة.
ومن هنا نرى انه اصبح على الشعب الفلسطيني ان يرفع صوته عاليا من اجل الحفاظ على مبادئ ومنطلقات الثورة الفلسطينية، وان يحتفظ بالتاريخ المجيد للمقاومة الفلسطينية التي انطلقت بالتصدي للوجود الصهيوني منذ أكثر من مائة عام، ففي عام 1891، وكان انعقاد مؤتمر بال عام 1897 مقدمة لتأجيج المشاعر العربية، إذ وضع هذا المؤتمر الصهيوني القضية الفلسطينية في بؤرة القلق العربي، وحتى نبقي في ذاكرة الاجيال تاريخ مجيد في مواجهة المؤامرة الاستعمارية الصهيونية التي سلبت الارض وشردت الشعب الفلسطيني، من ثورات شعبنا منذ عام 1921 ، 1935 وصورة البطل عز الدين القسام يمتشق السلاح ويوجه الرصاص إلى الاستعمار البريطاني المحتضن للمشروع الصهيوني، ثورة الريف (1937-1939)، وحرب 1948 التي ادت الى نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده في اصقاع الارض بتامر بريطاني استعماري رجعي عربي ، وفي العام 1964 أعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية ، ومن ثم انطلاقة شرارة الكفاح المسلح وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي أعلنت عن أولى عملياتها عام 1965، لكن سرعان ما دخلت المنطقة في حرب أخرى جديدة لم تقل خسائر العرب فيها عن حرب 1948، فقد أخضعت حكومة الاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية لسيادتها، واحتلت أجزاء من كل من سوريا والأردن ومصر، وزادت كيان العدو من مساحته التي احتلها نتيجة تلك الحرب الخاطفة بنسبة 200%، الا ان معركة الكرامة اعادت الاعتبار للثائر الفلسطيني والعربي وحقق الفدائيين اول انتصار عربي على العدو .
وامام التطورات التي حصلت في الاردن في العام 1970 وادى الى خروج قوات الثورة الفلسطينية انذاك الى لبنان بعد اتفاقية القاهرة عام 69 ، بدأت حالة النهوض الوطني والقومي في لبنان وكان احتضان الثورة من الشعب اللبناني وشكلت كلمات سماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر ساحمي بجبتي وعبائتي القضية الفلسطينية نموذجا نضاليا فكان الانخراط من قبل الشعوب العربية والشعب اللبناني في الثورة الفلسطينية ورسمت خارطة فلسطين بالدم العربي عبر العمليات البطولية لفصائل الثورة الفلسطينية فكان في كل تلة وهضبة وجبل ومدينة وقرية فلسطينية محتلة دم فدائي عربي واممي وفلسطيني ، وخاضت الثورة معارك الدفاع عن وجودها وقرارها الوطني وتصدت مع الحركة الوطنية اللبنانية للاجتياحات الصهيونية للبنان عام 72 و78 و82 ، والاعتداءات الصهيونية المتواصلة على القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث شكل صمود بيروت ومخيمات الجنوب وخلدة وقلعة الشقيف نموذجا للنضال والثورة والمقاومة وكانت كوفية الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات تشكل جسر الوحدة والتلاحم حيث تكاتفت ايادي قادة الثورة الفلسطينية الى جانب الرئيس ابو عمار ابو العباس وجورج حبش ونايف حواتمة وسمير غوشة وطلعت يعقوب وعبد الرحيم احمد مع ايادي قادة الحركة الوطنية اللبنانية الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وجورج حاوي ومحسن ابراهيم وانعام رعد وعبد الرحيم مراد ومنير الصياد لتؤكد على ان هناك ابطال علمونا الثورة، واعطوا دروسا في التضحية والجرأة والوطنية، ورغم الخروج من بيروت بعد الصمود والتضحية لم تتغير البوصلة رغم بعد المسافات وتشتت المقاتل الفلسطيني في الدول العربية فلم تتوقف الثورة الفلسطينية وعملياتها، ومن ثم شكلت انتفاضة 1987 نقطة تحول في ظل أجواء من انحسار الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية واكتفاء معظم الدول العربية بتسجيل مواقف خطابية إعلامية، فاعطى امير الشهداء ابو جهاد الوزير كل الامكانيات لدعم الانتفاضة واستمراريتها فكانت انتفاضة الحجر والمقلاع والسكين، بمواجهة الاحتلال، ودعمت الشعوب العربية الانتفاضة بتحركات قوية، وامام تصاعد الانتفاضة تم اغتيال مهندس الانتفاضة ابو جهاد في تونس ، وكان الوعد بالرد على الجريمة وعلى حوار الطرشان الامريكي الفلسطيني ، فاعطيت التعلميات وكانت عملية القدس البحرية تشكل اول دعم معنوي وعسكري للانتفاضة من الخارج وردا على جريمة اغتيال الشهيد القائد ابو جهاد، وهذا ما اراده الشهيد القائد ابو العباس عندما اعلن انضمام السلاح الى الحجر.
ولكن على اثر حرب الخليج دخلت المنطقة العربية في طور جديد رسمته الولايات المتحدة الأميركية فيما أطلق عليه بالنظام العالمي الجديد، فعقد مؤتمر مدريد للسلام، شاركت بعده منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات سرية مع حكومة الاحتلال تمخضت عن التوصل إلى اتفاق أوسلو 1994 الذي رفضته كافة القوى الفلسطينية بما فيها قيادة وكادر وقواعد من حركة فتح انذاك، ورغم ان الاتفاق فقط سجل نقطة واحدة هو نقل المقاتل الفلسطيني من الدول العربية الى فلسطين وبروز السلطة الوطنية الفلسطينية على مسرح الأحداث.
وفي كل الاحوال اتت بعد مفاوضات واتفاقات على مدار ست سنوات انتفاضة الاقصى بعد فشل مفاوضات كامب ديفد الثانية وزيارة الارهابي شارون للمسجد الأقصى، في ظل تزايد دعوات بهدمه وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان مكانه، وشكلت انتفاضة الاقصى بوصلة جديدة من النضال اكدت من خلالها إن الثورة والمقاومة الفلسطينية قادرة على مواجهة الاحتلال والصمود من اجل الدفاع عن الارض والانسان.
وكانت الاغتيالات على مدار سنوات النضال الفلسطيني التي اعتمدته دولة الاحتلال الإسرائيلي وفي مقدمتهم اغتيال القادة الفلسطينيين المقيمون داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، ومن أشهر هؤلاء القادة الذين تم اغتيالهم الرئيس الرمز ياسر عرفات واخوانه ورفاقه القادة خليل الوزير، وغسان كنفاني، والشيخ أحمد ياسين، وصلاح شحادة، وفتحي الشقاقي وابو علي مصطفى وابو العباس في معتقلات الاحتلال الامريكي في العراق، كما كان الاغتيال الجماعي لثلاثة قادة فلسطينيين في عملية واحدة، ليلة الحادي عشر عام 1973م وهم محمد يوسف النجار (أبو يوسف) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الدائرة السياسية فيها ورئيس اللجنة السياسية العليا للفلسطينيين في لبنان. كمال عدوان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمسؤول عن العمل في الوطن المحتل (القطاع العربي (و كمال ناصر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والناطق الرسمي باسم الثورة الفلسطينية ورئيس دائرة الإعلام والتوجيه القومي فيها، ورئيس تحرير مجلة فلسطين الثورة، في تونس معقل قيادة فتح وثورتها، اغتيل ثلاثة من أهم قادة فتح، كان ذلك في مساء الرابع عشر من كانون الثاني 1991، أثناء اجتماع كان يعقده الثلاثة وهم صلاح خلف وهايل عبد الحميد، وفخري العمري ، وما زالت تغتال كل يوم قادة ومناضلين وشابات وشباب واطفال ونساء ورجال وشيوخ على مرآى ومسمع العالم .
ورغم سواد المرحلة كان اندلاع انتفاضة شابات وشباب فلسطين لها طعمها الخاص لانها تشكل خيار الثورة رغم هذه الثقوب السوداء التي يراها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ،كما انتصار الحركة الاسيرة في معرمة الحرية والكرامة ، فإن خيار الثورة سيظل هو السنة الكونية التي تحقق منها الإنسان عبر مئات القرون لنيل حريته واستقلاله.
من هنا نرى ضرورة ان يبقى يتردد صوت الشعب الفلسطيني عاليا في المنطقة كلها، وليذهل العالم بهذا الصمود وذاك التحدي، وهذا الفهم العميق والثابت لابعاد الموقف، وليعطي الصورة الراسخة الواضحة لديمومة الثورة العارمة في حنايا هذا الشعب العظيم، شعب المعجزات شعب العطاء السخي، شعب الشهداء والمقاتلين، شعب التضحيات الجسام، كل هذا من خلال مفاهيم واضحة وثابتة ومبدئية، تصب في المجرى الكبير للعنفوان الثوري الجارف ضد جميع اشكال القهر والظلم والاضطهاد والعبودية، ضد الامبرياليين الجدد والقدامى، ضد صهاينة الداخل والخارج، ضد الاستعمار القديم والحديث.
في ظل هذه الاوضاع نتمسك بقيم الثورة ومبادئها بعد هذه المسيرة الحافلة بالعطاء ، وعلى مختلف الاصعدة، فلسطينيا وعربيا ودوليا، وبكل ما حفلت به من انفجار ثوري هادر بمواجهة القوى الاستعمارية والصهيونية ، الا اننا على يقين بان الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية ستتمكن من مواجهة ما تتعرض له، لان تيار التاريخ سيكون مصيره الازدهار والفوز.
وهنا لا بد ان تنطلق صيحة الشعب الفلسطيني لكي يسمعها العالم اجمع، بانه يرفض اقتراح قانون تقليص رواتب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال باعتبار ذلك محاولة ابتزاز وقرصنة رخيصة من الاحتلال على أموال الشعب الفلسطيني وكذلك الضغوط الامريكية والصهيونية بالمساس برواتب اسر الشهداء والاسرى، او تحويل مؤسسة "رعاية الشهداء والجرحى" و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" إلى جمعيّتيْن أهليّتيْن تخضعان لإشراف وزارة الداخلية الفلسطينية، لان عملية تحويلهم تشكل ضربة قوية لمنظمة التحرير الفلسكينية باعتبار مؤسسة الشؤون الاجتماعية للاسرى الشهداء والاسرى والجرحى هي مؤسسة رسمية ضمن اطار المنظمة ، وان الرضوخ للضغوطات يمثل استخفافا خطيرا بتضحيات شعبنا الفلسطيني وأبناءه الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية والاستقلال الوطني.
وهنا كذلك اتوقف لنسأل لمصلحة من حجب العديد من المواقع الإخبارية الفلسطينية والعربية في الضفة الفلسطينية، واين حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، هل محاولات تكميم الصوت الفلسطيني على طريق خنقه وإسكاته يعطي حافزا للوحدة الوطنية ، فلهذا نرى بانه اصبح على الجميع ان يتحمل مسؤولياته لمواجهة سياسة معاقبة أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد .
اننا على ثقة ان تضحيات الشعب الفلسطيني لا يمكن ان تذهب هدرا، فهذا الشعب العظيم رغم ما يعانيه من انقسام كارثي واحتلال وعداون وقتل واعتقال قال ويقول للعالم انه لا سلام ولا امن ولا حل ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على جوهر المشكلة والاساس فيها، حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني، تحت قيادته الوحيدة منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترف بها كافة المستويات الصديقة والحليفة والعربية والدولية.
ومن موقعنا ونحن نتحدث عن الثورة والنضال نطالب كافة الفصائل والقوى إعطاء الأولوية لملف المصالحة الفلسطينية، والعمل الجدي لإنهاء الانقسام، والشروع الفعلي بذلك من خلال وقف كل الإجراءات التي اتخذت بحق قطاع غزة، وحل اللجنة الإدارية وتنفيذ اتفاقات المصالحة واعطاء حكومة التوافق الفلسطيني دورها في قطاع غزة واجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتطوير المؤسسة الوطنية الجامعة منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل مؤسساتها ودوائرها على أسس وطنية وديمقراطية، ورسم استراتيجية وطنية لمواجهة المخططات المشبوهة المعادية تحت شعارات السلام المزيف المبرمج والمخطط له، والذي يشكل خطرا داهما ليس على فلسطين وحدها، وليس على شعبنا الفلسطيني فقط، بل ضد الامة العربية ومستقبلها ومصيرها، وضد هذه المنطقة المسماة في عرفهم منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي ما يشكل كل هذا من آثار عديدة وخطيرة على مجمل السلام العالمي.
ختاما : لا بد من القول ، الشعب الفلسطيني يعيش الحقائق، هذا الشعب يدرك هذه الحقائق، الصهيونية بالنسبة إليه هي الظلم، هي العدوان، هي التشريد، هي التحالف الإمبريالي، هي التصدي لكل ما هو تقدمي في الأرض العربية، وليس ذلك فقط، إن هذا الحلف الذي يقام الآن في المنطقة العربية تحت مسميمات متعددة، فهو يشكل جزء لا يتجزأ من استراتيجية الإمبريالية العالمية للتصدي لكل القوى التقدمية ، انه جزء من استراتيجية الإمبريالية الأمريكية التي ما زالت تحلم في ضرب الدول العربية وتفتيتها وتقسيمها ونهب خياراتها وثرواتها ، فعلينا بوحدة الموقف الوطني الفلسطيني لاننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني، وتعميق التحالف الوطيد المبدئي مع قوى التقدم، ومع دول امريكا اللاتينية الصديقة والوفية للشعب الفلسطيني، كما يجب أن نسعى من خلال شعورنا بالمسؤولية، الى المزيد من خدمة الجماهير، وان نتمسك براية الثورة باعتبارها ثورة الانسان والحرية ، وراية الانتصار وتحقيق الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .