الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

القدس تربح "معركة" في سياق الحرب الطويلة..

نشر بتاريخ: 27/07/2017 ( آخر تحديث: 27/07/2017 الساعة: 14:38 )

الكاتب: محمد نعيم فرحات

قالت معركة القدس الأخيرة، على نحو بسيط لكنه عميق، الكثير الضرورات للإسرائيليين وللفلسطينيين وللعالم، غير أنه وفي مكان ما، يمكن التوقع ، بأنها تترك لهم- بالكثير من اليأس - مسالة استخلاص العبر والدروس!
قالت لإسرائيل: إن سياستها في القدس التي تحتلها منذ خمسين عاما هي سياسة غبية وعقيمة في المحصلة النهائية لها ، رغم ما بنته من وقائع ومعطيات من وجهة نظرها، غير أن إسرائيل لا تحتاج من الناحية العقلانية السياسية للعمل بضوء رواسب الايدولوجيا وأوهامها، بل تحتاج لقراءة الواقع واحتمالاته الظاهرة والكامنة والتصرف بضوء ذلك.
وقالت لإسرائيل: إن ثقافة اغتنام الأحداث وتوظيفها بما يحقق نواياها - وهي صاحبة باع طويل وخبرة مرموقة في ذلك- قد أصبحت تصرفا أحمقا لا أفق له، لأنه يرضي غرائز الوعي الإسرائيلي ولا يتفق مع المصلحة العقلانية لإسرائيل، وفقا لقراءة خصم موضوعي وشريف. وعندما يكون الخيار بين غرائز الوعي وبين متطلبات الوعي الايجابي والمناسب في تداول الواقع ، فإن من يختار الغرائز لا يحتاج لجمع الأدلة على أنه أحمق.
وقالت لإسرائيل:إن الوقوف عند تجريم الفلسطيني لفعله المقاوم دون أن يرف لها جفن وتسأل نفسها عن دورها في إنتاج المقاومة عند الفلسطينيين، هو فعل يتخطى الغباء والعزلة عن الواقع بكثر.لأن الاحتلال وممارساته وثقافته هي التي أنتجت شهيدا وشريدا وأسيرا وجريحا ومقاوما ومعذبا ومكلوما ومهانا ومسحوقا وحالما بالمقاومة في يوم سيأتي.
وقالت لإسرائيل : لقد أدت القدس قسطها نحو علا إسرائيل السياسي في المراحل الأولى لفكرة الحركة الصهيونية ثم في إنشاء دولة إسرائيل ، واليوم ليس بمقدورها فعل ذلك ، واستمرار استخدام القدس على خلفية تعبوية إيديولوجية بصفتها "أورشليم" "التي تنساني يميني اذا نسيتها" يحولها من قوة إلى عبء ومأزق في راهن دولة إسرائيل ومستقبلها. إن طريقة تصرف إسرائيل في القدس تحولها لموضوع يجلب ويفاقم من منظومة التهديدات العميقة التي تعيش في كنفها . وبمقدور قراءة عاقلة بسيطة أن تتوصل إلى أن مجمل السياسات الإسرائيلية في السنوات الأربعين التي خلت أن تقول خلاصة بسيطة: لم يترتب عن هذه السياسة أية فوائد سياسية أو أمنية أو استراتيجيه بل على العكس من ذلك، لقد كانت العوائد متوافقة فقط مع جوانب مرضية في الايدولوجيا التي تحكم التيار القومي الديني المتشدد الذي يتجه بإسرائيل من يوم لأخر نحو تعميق مأزقها وتعقيده، وبحسابات العقل والسياسة فإن هذه العوائد تفاقم في ضائقة إسرائيل، وبمقدور هذه القراءة أن تتوصل لتوصية قد تبدو مدهشة وهي : من مصلحة إسرائيل عدم تذكير المعنيين بالقدس أنها تحتلها ما استطاعت لذلك سبيلا.
وقالت لإسرائيل : إنه ورغم تجربتها الغنية في الاستخدام الذكي للإمكانيات والفرص والظروف والأحوال التي كانت لها في كثير من الجوانب، إلا أنها تسقط عمليا على نحو أو أخر في القدس وفي رؤيتها للحقوق الفلسطينية . وعليها أن تحسب أفعالها من خلال معادلة باتت حاكمة لحياتها وهي : إن التعاطي مع الفلسطينيين كضحايا مستدامين لاستمرار دولة إسرائيل أخذ يتحول لمصدر ينتج الأذى الاستراتيجي لإسرائيل: صورة ووقائعا ومشروعا ومستقبلا .
وقالت لإسرائيل : لقد عاشت القدس لستين عاما حتى الآن تحت احتلالها، وبمقدورها تحمل ذلك لألفي عام قادمة، لكن إلى أي مدى تستطيع إسرائيل العيش بدون سلام.
وقالت للفلسطينيين بأن بمقدورهم وبجهد مدني معني ومتواصل تشارك فيه المرأة والطفل والشاب والشيخ والعالم والهامشي وكل معني حيثما كان ، يرعاه ويواكبه ويدركه حس سياسي مسئول أن يفعلوا أشياء مهمة ضد خصم قاس في ظروف سيئة للغاية.
وقالت للفلسطينيين: لا يترتب عن وجود حق للناس بأن هذا الحق يصبح ناجزا بل هو يحتاج لمتطلبات الاستحقاق ، وان وجود طريقة ملائمة لتجسيد الحق هي ضرورة وحاجة وثقافة وفن، عليهم أن يطوروا رؤيتهم لها ووعيهم بها.
وقالت للفلسطينيين : لا القدس ولا الحقوق الفلسطينية تحتاج إلى خطابات تعبوية تفضي إلى الخيبة والفشل والاستنفاذ تفرغ التعبئة من مصداقيتها ووظائفها، كما لا داعي لاستخدام الألوان في الخطابات الفلسطينية وخطوطها، إنهم يحتاجون إلى فعل متكاتف ومتواصل يتوسل كل الأشكال المناسبة والممكنة ، فعل يجعل من الدعاء والصلاة والرباط تحت الشمس لا يمكن تجاهلها وتقول وتملي . إن خطوات صغيرة ومتواصلة ومدركة ومزودة بإرادة مناسبة وبصيرة كافية هي التي ترسم خطوطها الخاصة فوق كل الخطوط .
ومن أهم ما قالت للفلسطينيين، إن من هو من القدس وفلسطين لدية الكثير من عناصر القوة والقدرة والإمكانيات والبركات، وبالتالي عليهم أن يعرفوا ذلك ويدركوه ويدمجوه في معارك وجودهم المختلفة على نحو بناء ومُتخيل وخلاق.
وقالت لهم عليهم أن يتعلموا الاقتصاد في ممارسة فعل النداء والاستغاثة، لان المعنيين بفلسطين وحقوق شعبها ويعتبرون ذلك من صميم الرؤية والاسترتيجية والسياسة في الإقليم والعالم معروفي العنوان ومكان الإقامة والدور.
وتقول لهم: في اليوم التالي لمشهد القدس الراهن ، لا تحتاجون على الإطلاق لطريقتكم القديمة في التفكير والزهو، الذي لا يتحول لقوة دافعة ايجابية بمقدار ما يتحول لذكرى سيئة وقوة مُضيعة، كما لا تحتاجون إلى ادعاءات الأبوة لما جرى. أنتم بحاجة فقط للمضي قدما في تطوير الوعي وأشكال العمل المتراكم والمتواصل من اجل تجسيد حقوقكم وعواطفكم.
أما العالم، بمعنى كل من كان مساهما في ظلم فلسطين أو مُستقيلٌ من أي فعل ايجابي إزائها، أو غير مكترث أو غافل عما يجري فيها، فقد قالت له القدس ببساطة:من هذا المكان ،حيث تتقاطع السماء مع الأرض والشاهد مع الغيب ، هذا المدهش بأسراره، تبدأ الحروب التي لا تنتهي، طالما لم يستوي السلام والعدل والحق في مداراتها المناسبة.
هي القدس : فقه متكامل من السماء فالأرض فالتاريخ وبالعكس، فقه يحتاج لبصيرة متوقدة لقراءته، توفر للجميع العودة والتوبة عن أخطائهم، وتوفر للإسرائيليين حصرا وعينا، أخر الفرص المضيعة للتخلص من ثقافة الاحتلال وأذاها في حياة الفلسطينيين، ومن مترتباتها ومن فسادها ومن مخاطرها في الحياة الراهنة والقادمة للإسرائيليين أنفسهم، كشرط للبحث العقلاني عن أقدراهم في إقليم وعالم يتحولان ويتغيران.