الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

استراتيجية ادارة الصراع: إسرائيلية ام فلسطينية ؟؟!!!

نشر بتاريخ: 14/09/2017 ( آخر تحديث: 14/09/2017 الساعة: 10:59 )

الكاتب: عوني المشني

قبل سنوات كنا نتحدث عن سياسة نتنياهو بأنها تقوم على ادارة الصراع وليس حله، وهذا القول صحيح حتى انتخاب ترامب رئيسا في أمريكيا، بعد انتخاب الرئيس الامريكي تقدم نتنياهو خطوة كبيرة الى الامام باتجاه تكريس الامر الواقع وتحويله الى رؤيا سياسية معلنة، لا انسحاب من الضفة الغربية تحت كل الظروف، وترافق هذا الموقف مع خطوات حثيثة لتكريس الاستيطان وتشريعه عبر قرارات وخطوات ذات مغزى سياسي كتشكيل ادارة لمستوطني الخليل، هذا ما في جعبة الاسرائيليين، والإدارة الامريكية الجديدة تراجعت خطوات لتتوافق مع موقف نتنياهو هذا، انسحبت من حل الدولتين بالتدريج، انسحبت من ادانة الاستيطان. اذن التقى الموقف الامريكي مع الموقف الاسرائيلي وتطابقا، ونجح نتنياهو في احداث تراجعات أمريكية استراتيجية.
الى هنا الامر مفهوم.. غير المفهوم هو كيف تعاطت القيادة الفلسطينية مع هذا المتغير الاستراتيجي، هل عكس هذا التغير نفسه على استراتجية العمل الفلسطيني؟
انا شخصيا لم المس اي رؤيا فلسطينية تتناسب مع المتغيرات هذه، بقي موقفنا : الدعوة لمفاوضات مع الحكومة الاسرائيلية على قاعدة حل الدولتين، التعاطي مع أمريكيا كوسيط "وحيد" في تلك المفاوضات، هذا هو جوهر الموقف الفلسطيني، ما تبقى تفاصيل ليست بذي أهمية، والتوقف عندها مضيعة للوقت.
لنخضع تلك الاستراتيجية الفلسطينية للمنطق وللمنهج العلمي في التفكير في ظل المتغيرات هذه، ولنبدأ من النهاية، أمريكيا بإدارتها الجديدة انحازت بالكامل ليس للموقف الاسرائيلي بل لموقف نتنياهو واليمين الاسرائيلي ولم تعد تدعوا لمفاوضات على قاعدة الالتزام بحل الدولتين، اذن هل تبقى أمريكيا وسيطا مقبولا ؟؟؟ السؤال ليس صحيح هكذا، لان السؤال الصحيح: هل أمريكيا نفسها ترى نفسها وسيط ؟!!!!! الادارة الامريكين قالتها باكثر من طريقة نحن بدورنا نسعى لتعزيز الموقف الاسرائيلي وليس لتغييره.
اما القضية الاخرى التي لا تقل أهمية فهي هل الدعوة للتفاوض مع الحكومة الاسرائيلية الحالية له معنى سوى اننا لا نريد ان نظهر عالميا وكاننا نرفض التفاوض ؟!!! وهذا وان كان مقبول كتكتيك لكنه لا يشكل ولا باي شكل استراتيجية عمل. ان ادارة الصراع أصبحت الان هي السياسة الفلسطينية بكل ما في المصطلح من معنى، فالألفاظ على سياسات معروف مسبقا انها عاجزة عن الوصول الى حلول وتبقي الامور تدور في حلقة مفرغة هي سياسة ادارة الصراع والقيادة الفلسطينية لا عمل الا هذا. ان سياستنا المتأخرة خطوة واحدة دائما هي التي تجعل الفشل حليفنا الاستراتيجي، فكأنما دوما نحن ردة الفعل السلبية في اغلب الأحوال على الحدث، لقد افتقد الفلسطينيين المبادرة والرؤى الخلاقة وصناعة الحدث وأصبحوا عبر استراتيجيتهم يلهثون خلف الحدث فماذا ينتظر من ذلك الا الفشل !!!!
ان تبني رؤية استراتيجية يفترض ان يستند الى مجموعة عوامل أهمها ان قوتنا الاستراتيجية كشعب فلسطيني تتمثل في ثلاث : العامل الديمغرافي، عدم حل قضيتنا يبقي اسرائيل دولة غير طبيعية في الإقليم وفِي اغلب دول العالم، قد لا نستطيع ان نفرض حلا ولكننا قادرين على افشال الحل الذي لا يرتقي الى ثوابتنا، سياسة تستند الى هذه الأسس لن تكون مرتبكة ولا مترددة.
ترجمة هذه الأسس الثلاثة ليست بالأمر المستحيل، عندما نقول الديمغرافيا مصدر قوة يعني ان تعزيز مقومات الصمود عبر تنمية جمعية هو جوهر سياستنا ، ان نقاش هذا الموضوع ينكأ جراحا كبيرة ، فسياستنا الاقتصادية لها علاقة بكل شيئ الا تعزيز الصمود ، وكتب عن هذا الموضوع كثيرا ولكن لا حياة لمن تنادي ، ان جشع الرأسمال المتوحش لم تجعل فرصة حتى لرؤية التوازن بين الاقتصاد الحر ومفهوم التنمية الشاملة لذلك تحولت الاقتصاد الحر الى كائن متوحش ينهش لحم شعبنا .
ليس صعبا في ظل سياسة لها بعد استراتيجي عميق من جعل الاسرائيلين يركضون خلف الحل السياسي لا نحن ، وكما كانت السلطة الفلسطينية مصلحة إسرائيلية يجب تحويل الحل الى مصلحة إسرائيلية ، ان هناك ما هو على الارض اذا ما تم توظيفه في سياسة محددة المعالم سيحدث هذا التغيير ، هذا يحتاج الى رؤية شمولية استراتيجية ما زالت غائبة ، التفاصيل اكبر من مقال ، ولكنها يجب ان لا تكون على عقل قيادة سياسية تقود شعبا .
ان منطلق تقديم التنازلات المجانية قبل الوصول الى حل شجع الاسرائيليين والامريكان خلفهم على الابتزاز السياسي وصولا الى الطلب منا بالتنكر لشهدائنا وأسرانا وجرحانا ، فقط هو الموقف الصلب من مختلف جوانب الصراع وعدم التنافس على ارضاء الأمريكان حتى من قيادات الجهة الواحدة عدا عن التنافس بين اقطاب السياسة الفلسطينية ، فقط كلما ابتعد الاسرائيليين عن الحل نذهب للأمام ولا نرجع للخلف في مواقفنا .
تبدوا الصورة مربكة لان الخلل ليس في الواقع وإنما في نظرتنا له ، ربما نحتاج الى إصلاح رؤيتنا لهذا الواقع لنعود نراه كما يجب .