الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الديمغرافيا والترانسفير

نشر بتاريخ: 18/09/2017 ( آخر تحديث: 18/09/2017 الساعة: 10:58 )

الكاتب: عوني المشني

قرية "العراقيب" تكشـف مدى عمق أزمة المشـروع الصهيوني في فلسـطين، وحالة الرعب الذي تعيشه دولة الكيان الصهيوني، بسبب التقرير الذي أصدره خبير الديموغرافيا الصهيوني (أرنون سوفير) والذي يتوقع أن يتجاوز عدد الفلسطينيين عدد اليهود في حدود فلسطين التاريخية مع حلول عام 2020، سيكونون أغلبية كبيرة تصل إلى 58% فلسطيني مقابل 42% يهودي .
هنا تبدأ المشكلة ، ان عدد اليهود في فلسطين وأين ذهبت بهم سيتركون فراغا في مناطق اخرى ، ان تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية أتاح سيطرة الفلسطينيين في المثلث والجليل ، وتعزيز التهويد في القدس جعل النقب منطقة شبه فارغة ، وهكذا ..... . وقد فشلت فشلا ذريعا كل جهود تعزير اليهودية الى فلسطين في السنوات العشر الاخيرة اذ استنفد اليهود كل إمكانيات الهجرة رغم تطور الوضع الاقتصادي في اسرائيل تلك الدولة الوحيدة في العالم التي تشكل المساعدات الخارجية ما لا يقل عن ثلث ميزانيتها .
المشكلة الديمغرافية لا تتوقف عند هذا الحد بل تتجاوزه في تعزيز الفلسطينيين دورهم في مواقع أساسية في الدولة ، توجه الغربيين الى عالم الهاي تيك والسايبر جعل الفلسطينيين يشكلون عماد الوظائف في المستشفيات وهندسة البناء ووظائف ادارية اخرى ، بمعنى أصبحوا جزء من بنية من الصعوبة بمكان الاستغناء عن خدماتهم هذا اضافة لعالم الحرفية التي يحتل الفلسطينيين اكثر من نصفها .
وعندما تصبح المشكلة بهذه الدرجة من الخطورة فان الحلول الاسرائيلية المطروحة تصبح اكثر خطورة ، وكما بدا واضحا بدأت حلول التطهير العرقي تطفو على السطح ، تكشف الصهيونية العنصرية عن وجهها وبشكل سافر عندما تنعدم الحلول ، بات واضحا ان الترانسفير طوعا ربما بداية الامر وسيكون قسرا بتفاقم المشكلة ، نعم سيكون بقوة عصابات المستوطنين التي سترتكب مذابح تروع سكان الريف الفلسطيني بهدف إجبارهم على " الهروب " ، هذا الامر ليس ببعيد ولا هو بمستحيل ، انه الخطوة التي تسبق التهجير الطوعي ، وهو المدرج الان في ادراج اصحاب القرار ، ويجري التحضير له ، وربما تجارب بسيطة قد بدأت ، فحرق عائلة دوابشة وأبو خضير وان بدا عملت فرديا الا انه تجربة يستفاد منها .
هذا لم يعد تنبؤ او ضرب بالرمل ، انه حقائق لها مقدماتها ومن لا يرى فانه يرغب في عدم الرؤية ، ويغمض عينيه عن الحقائق عسى ان يبقى " نائما في العسل " او منشغلا في استعطاف العالم بحثا عن حل وهمي اسمه حل الدولتين !!!! هذا الحل الذي لم يعد في برنامج احد سوى بعض النخب الفلسطينية ، اننا لسنا على أبواب مرحلة التطهير العرقي ، اننا قد دخلنا هذه المرحلة وسيكون لزاما علينا عاجلا وليس اجلا وضع استراتيجيات للتعاطي معها ، ربما نحن الان متأخرين كثيرا ، واتخذنا كل الخطوات المطلوبة للتهرب من مواجهتها ، هذا صحيح ، لكن ما زال لدينا شيئا نفعله ، ربما أشياء ، ويمكننا ذلك ، فالاستسلام القدري لهذه السياسة هو أسوأ الحلول الممكنة .
صحيح ان ما يحصل في سوريا والعراق واليمن والروهينغا يشجع الاسرائليين ، وصحيح اننا في حالة من الضعف تجعل الخيارات أمامنا ضيقة الى ابعد الحدود ، ولكن صحيح ايضا ان جزء مما يحصل في العالم العربي قد يشكل مدخلا لمعالجات مستقبلية ، فتفاقم ازمة اسرائيل على الحدود الشمالية يشكل نقطة لصالحنا وليس ضدنا ، ويمكن في مرحلة ما من اشتعال حمى التطهير العرقي ان تكون رادعا لا يستهان به ، واكثر من هذا يمكن لهذا الوضع تأثير كبير في منع او تأجيل اقدام الاسرائيليين على تلك الخطوة ، حتى ان الوضع الداخلي الفلسطيني يمكن اعادة ترتيبه بطريقة تعطل وتعيق التطهير العرقي ، ان التفاصيل هنا مهمة وتحتاج الى اكثر من الترف الثقافي ، انها تحتاج الى استخدام خلاق وإبداعي للإمكانيات القليلة وأحيانا تحويل نقاط الضعف الى نقاط قوة ، هذا ممكن ، بل وممكن جدا ، ويحتاج الى رؤيا واضحة .
باختصار مفيد علينا ان نعد أنفسنا لتلك المرحلة ونبني استراتيجيتنا انطلاقا من هذه الرؤيا ، وإلا سنكون كما كنا دوما متأخرين خطوة عن الاحداث .
لا يجوز ان نصحوا متأخرين ونقول لقد فوجئنا ، لا ليست مفاجئة ، ها هي حركة إسرائيلية تنادي بالتطهير العرقي كبرنامج ، ونتنياهو يحييها ويباركها ، واكثر من ذلك تسن التشريعات وتمارس سياسات نابعة من هذا الفهم العنصري ، لهذا فان المفاجئة ليس حصول التطهير العرقي بل عدم حصوله ، هل يعتقد احد ان النخب الأمنية والسياسية الاسرائيلية ستضع يديها على خدها لتنتظر ان يتحول الفلسطينيين في البلاد الى أغلبية مطلقة ؟!!!!! ان العقلية التي تُمارس الاعدامات الميدانية عن سبق اصرار وتخطيط لن تمنعها قيم إنسانية او ضمير من ممارسة التطهير العرقي خاصة عندما تسيطر ايدولوجيا التطرّف الأعمى على العقول ، وهذا ما يحصل الان ، ان هوس الأيدلوجيات اليمينية المتطرفة وخمرة القوة لم تترك عقلا يفكر في المستويات الحاكمة في اسرائيل .