الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الهجرة بين الضرورة الحركية وإغاثة وتشغيل اللاجئين؟!

نشر بتاريخ: 24/09/2017 ( آخر تحديث: 24/09/2017 الساعة: 11:25 )

الكاتب: وليد الهودلي

لا بد من وضع الهجرة في سياقها الحركي للدعوة الاسلامية.. ولا يمكن فهم الهجرة الا من خلال فهم هذا السياق .. إذ لم تكن الدعوة الاسلامية في حينها نهضة فكرية فقط ولا عمل ثقافي وتربوي أو صراع سياسي أو تحرك عسكري ولا اصلاح اجتماعي وتطور اقتصادي بل كانت كل هذا في سياق حركي شامل يزن لكل شيء قدره من العمل والاهتمام والتوقيت كأنه محرك تتحرك كل مكوناته بانسجام شامل ليصنع حركة وديناميكية شاملة ومتكاملة.
أمام هجرات متعددة يشهدها العالم الاسلامي هذه الايام لا بد من الاجابة على هذا السؤال؟ لماذا كانت الهجرة؟ هناك هجرة من الجنوب الى الشمال طلبا للرزق والمعيشة ألافضل وهناك هجرة قسرية نتيجة للحروب والنزاعات وفرار من الموت وهناك هجرة للادمغة حيث لا تجد لابداعاتها فرصا في بلدانها وهناك هجرة لطلب العلم وهناك وهناك..
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت غير هذا كله.. لقد كانت هجرة بالتحديد لاتاحة الفرصة لولادة دين في مكان أفضل وليكون المكان المهاجر اليه نقطة انطلاق بهذا الدين للعالم كله..
وبالتالي فان لهذه الهجرة بعدا سياسيا اذ دخلت معتركا جديدا بطريقة بديعة في العمل السياسي الواقعي الذي يذلل تعقيدات الواقع بما يحقق الاهداف القريبة وبعيدة المدى وفق فن الممكن والقدرة على ادارة هذا الممكن بطريقة قوية وحكيمة.
ولهذه الهجرة بعدا فكريا وثقافيا وتربويا بحيث تترقى ثقافة المجتمع وتنهض به الدعوة الجديدة لتجعله قادرا على حمل أفكار تعيد صياغة ذاك العالم وفق اسس منهجية وفلسفية جديدة.
ولهذه الهجرة انطلاقة نحو قوة حقيقية قادرة على مواجهة كل التحديات والاخطار المحدقة بها .. منذ التهيئة في بيعة العقبة وبالتحديد الثانية حيث كانت البيعة على الجهاد .. فكانت الرؤية واضحة تماما بأن الامر ليس رحلة أو نزهة او مجرد تجربة سياسية قد تنجح وقد تفشل .. لقد كانت الخطة تتبلور ملامحها بكل وضوح : انهم ذاهبون للمدينة لتشكيل قوة قادرة على ايصال الفكرة الى كل اهدافها العظيمة ..
عندما أصبح مؤكدا بأن مكة بكل مكوناتها السياسية والقبلية وقدراتها على منع انتشار هذه الدعوة وصل بها الامر الى الطريق المسدود كان لا بد من البحث عن مكان انطلاق جديد تتوفر فيه مواصفات أفضل لتحقيق هذه الانطلاقة.. لذلك كانت الهجرة ضرورة حركية لابقاء جذوة الحراك الفكري والثقافي والتربوي والاعلامي والاقتصادي والسياسي والعسكري في حالة حيوية تسمح له بالانتشار وتحقيق الاهداف التي من اهمها انهاء حقبة الجاهلية التي طال بها الامد على أمة ميتة واستبدالها بأمة واعية ذات رسالة حضارية حية ، يراد منها تحقيق السيادة الحضارية الكاملة ..
ونحن هذه الايام اذا اردنا ان نتعرف على هجرة تتناسب مع هجرة سيد الخلق وتخدم واقعنا لا بد من وضعها في سياقها الحركي وفي ديناميكية الدعوة الاسلامية على أصولها الاولى وبما يحقق نجاحها كما نجحت في تجربتها الاولى . لذلك لا بد من امعان النظر عميقا ورؤية كل الجوانب بدءا من الدين الحركة بمعنى الدين الذي يصنع الحراك الايجابي لاصلاح كل أوضاعنا ثم تفكيك كل المصطلحات ووضعها في هذا السياق، فيأتي مصطلح الهجرة لنفهم منه انه حركة في سياق خطة شاملة يتم انزال هذه الحركة وكل تطبيقاتها في سياق ما ينسجم مع الخطة ويحقق المصلحة.. اما اذا لم يكن لنا خطة ولا تصور لحدود خطواتنا والى اين نحن ذاهبون فكيف نستخدم هذا الفعل الذي اسمه هجرة ؟؟؟ عندئذ ستفرض علينا الهجرة وسنذهب الى حيث تذرونا الرياح في مخيمات اللجوء والشتات لاننا لا نملك خطة وانما نملك قابلية للتهجير والشتات كما حصل معنا نحن اللاجئين الفلسطينيين .. وعندئذ ننزل تطبيق كرت المؤن والتعايش خطط للامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين.
هناك فرق شاسع بين من وظف الهجرة توظيفا حركيا سديدا وكانت عاملا حاسما في الوصول الى أهدافه وبين من وقع عليه الفعل ولم يزل منذ اكثر من نصف قرن يعاني من اثار هذا التهجير دون ان يحدث حراكا يدفعه للامام في سياق اهدافه.. وهذا هو مصير كل من هجروا بعدنا انتهاء وليس آخرا بالتهجير الذي حل بالسوريين والليبيين واليمنيين و وو القائمة المرشحة طويلة.
لذك اذا اردنا الاستفادة من حدث الهجرة لا بد من اكمال كل الحلقات التي تجعلنا في حالة اصلاح شاملة بدءا من اصلاح الفكر وانتهاء بالاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي مرورا بنهضة ثقافية وتربوية وعلمية ناجحة.