الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة للسيد الرئيس

نشر بتاريخ: 24/09/2017 ( آخر تحديث: 24/09/2017 الساعة: 16:12 )

الكاتب: ياسر المصري

سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" حفظه الله
رئيس دولة فلسطين

بكل فخر وأعتزاز أخط رسالتي هذه لكم وأنتم المؤتمنون على أحلامنا وآلامنا، وأخطها وانا لست جاهلا أو ساعيا لمديح كبعض رواد البلاط ، ولكنني من جيل تشبث بحلمه العادل بالحرية والإستقلال ومضى مؤمنا بأن اللقاء مع الفجر قريب، برغم حجم التضحيات.
تحمل رسالتي هذه كل مبرراتها ، وأنا أدرك أنكم من جيل الوطنيين الأوائل الذين إكتسبوا إستثنائيتهم من فعلهم ووعيهم، وحلقوا بجمالية الإختلاف ليصيغوا ميلاد الهوية الفلسطينية ويحموها من السقوط أو الإندثار ، وتأتي رسالتي هذه بعد خطابكم التاريخي الأخير في الأمم المتحدة (20/9/2017) ، وبعد مضي 24 عاما على إتفاق أوسلو ، وقد أنتج هذا الإتفاق المخاطر التالية :
1- تشظي في الوعي لدى البعض، حيث تخلى هذا البعض عن أولوية الدولة وإستبدلوها بأولوية السلطة ، وكأن السلطة هي الأساس وهي الحكم وهي الشكل اللذي سيبقى أو بقاؤه واجب.
2 - ما أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية من تراجع وتآكل والخلط ما بين الدور والمسؤولية (تحول حماس من معارضة إلى ساعية إلى الحكم في إطار سلطة ).
3- تكبيل وتقييد الحركة الوطنية الفلسطينية في إطار محدد يعبث في محدداته الإحتلال بكل تفاصيله .
4- الضعف والتهتك اللذي أصاب الهرم القيمي الوطني بشكل عام واللذي أفرز ضرورات ، منها ضرورة إعادة تعريف مفاهيم مهمة وأساسية مثل الوطنية والشرعية وغير ذلك.
5- إن توقيع إتفاق أوسلو قد غير شكل الصراع ، وهذا ما إستفادت منه دولة الإحتلال ، دون أن نجني نحن الفلسطينيين شيء (تطبيع دولة الإحتلال مع العرب سرا وعلانية).
6- أصبحت هناك طبقة من المستفيدة (إقليميا ومحليا)من هذا الوهم لوجود حل للدولتين ، حتى بعد أن قتل الإحتلال هذا الحل.
7- عمل الإحتلال على تبديل مشاريعه الإستراتيجية المتعلقة بإدارة الصراع ، وبقينا نحن الفلسطينيون مكبلين بخيار مشروعنا السياسي بإستراتيجية وحيدة ، ألا وهي العمل لإنجاح حل الدولتين ، وحين أسقط الإحتلال وأجهض هذا الحل ، إصطدم مشروعنا السياسي بالحائط ، وهذا الحل اللذي أجمع عليه العالم ونحن أيضا كقوى فلسطينية وسياسية أجمعنا عليه (حتى وإن كان البعض متأخرا عن هذا الإجماع) ، واليوم دولة الإحتلال لا شريك سياسي فيها على الأقل على المدى القريب ، بل على العكس تزداد سيطرة اليمين المتطرف الإستيطاني على هذه الدولة ، وما نواجهه هو تحويل للصراع على أساس ديني على كل فلسطين التاريخية وتمييز عنصري من مطلق ديني أساس الدين .
وهناك الكثير من المخاطر اللتي قد تدنو أو تعلو بخطورتها مما أنتجه هذا الإتفاق .
سيدي الرئيس
لقد أردتم من إتفاق أوسلو (اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) أن يكون إتفاق أوسلو نقطة عبور في التاريخ وتحويل للواقع ، بما هو أفضل لشعبنا ونضالاته ، غير أن ذلك لم يحدث ، وقد نكون ساهمنا ببعض الأخطاء الإستراتيجية او البسيطة في عدم إستخدام اللحظة والظرف لنكون بمستوى مسؤوليتنا كجماعة إتجاه مشروعنا السياسي ، وهنا أستذكر عبارتكم من كتابكم الطريق إلى اوسلو (المقدمة الصفحة الثانية: إن هذا الإتفاق قد ينهي الإحتلال ، أو يكرس وجوده ، وهذا منوط بأدائنا ).
وإن هذه العبارة تؤكد بما سيثبته التاريخ للأجيال ، أنكم كنتم من أصحاب التغيير المدركين والعارفين لنقطة الوصل والوصول ، وأنكم لم تمضوا للحظة من سعيكم الوطني وأنت تائهين ، وهذا ما يترجم إصراركم المعافى على تحقيق كل ما يليق .
وأمام عبارتكم من خطابكم من على منصة الأمم المتحدة (أقول لهؤلاء جميعا إن الحرية قادمة لا محالة ، وإن الإحتلال إلى زوال ، فإما الإستقلال لدولة فلسطين لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل على حدود العام 1967 ، وإما الحقوق الكاملة اللتي تضمن المساواة للجميع على أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر) ، وأمام وقع العالم أجمع والقريببن والبعيدين، أعداء وحلفاء، كنت صوت أجيال تعذبت وعانت ونضالت أمام أسوء أحتلال في العصر الحديث ، كنت إنعكاس لإرث حضاري عميق ، متماسكا واضحا وصوت يجمع القلوب بما تحمله هذه القلوب من آمال وآلام، وأسمحوا لي أن أقول دون مبالغة أو إنزلاق في التوصيف ، لقد رأيت كل القادة الوطنيين الأوائل يقفوا خلفكم الأحياء منهم والراحلين، والراية عالية محمولة على صور كل أجيال هذا الوطن، من آمنت بعدالة قضيتها وسعت للحرية.
لقد قتلت دولة الإحتلال هذا الإتفاق ، وما زالت نتائجه بكل مخاطرها جائمة متوغلة ومستشرية بنا ، وإن الواقع بكل أبعاده ومؤثرات صياغته وعلى مدى السنوات القادمة تشير إلى عدم وجود فرصة لإحياء حل الدولتين ، وإن المنظومة اللتي تتشكل ةتشكلت في المنطقة بكل طموحاتها ومصالحها يغيب عنها الفلسطيني بحقوقه وآلامه ، وهنا تأتي قصيدة شاعر فلسطين محمود درويش "أنا يوسف يا أبي .... يا أبي أخوتي لا يحبونني .... لا يريدونني بينهم .... " وهذه القصيدة بعمق معانيها حكاية الفرد اللذي تمثل في جماعة (الشعب الفلسطيني ) فسيرة يوسف هي سيرتنا وحكايتنا وقصتنا .
سيدي الرئيس
إن اللذين يحدثون التغيير حتما يكونون مختلفين عمن حولهم ، وقد يدفعوا ضريبة هذا الإختلاف من واقع عامل الزمان أو الجغرافيا أو العاملين معا ، قد يجهلهم الحاضر في اللحظة ، لكن التاريخ حتما سينصفهم لما بهم ولهم .
لأنكم أنتم أتوجه لكم بأمل ورجاء ان تأخذوا من عمق وبعد بصيرتكم ما يسمح لي بمخاطبتكم ، حرصا على أن لا تتوه الأيادي عن السارية ، وحتى لا تسقط الراية في سراب الوهم لجيلي وللأجيال التي خلفنا ، لقد سعيتم وعملتم على صناعة اللحظة للعبور إلى ما هو أجمل وأنقى وأقصر الطرق حفاظا على دمنا وجهدنا ، وقد نكون كجماعة وأفراد أصبناكم بالخذلان، لكن اللحظة للعبور ما زالت متاحة مع حاجتها للتغيير في الأدوات والإتجاه ، ليكون نضالنا محمولا على برنامج سياسي يقوم على أساس الدولة الواحدة، حيث أصبح هذا الحل القابل للتطبيق إن لم يكن الحل الوحيد قادم لا محالة(وتحويل لنضالنا لأن لا تكون الدولة مع المستوطنين ، بعد تحول إستراتيجية الإحتلال لتحويل الصراع على أنه مع المستوطنين وقيامه على أساس ديني )، وان تكون المناداة الفلسطينية لهذا الحل القادم وفق إستراتيجية وليس تكتيك، مع الأخذ بعين الإعتبار البناء على تم إنجازه من مكتسبات سياسية (الاعتراف بدولة فلسطين ) والحق بملاحقة دولة الإحتلال على ما تقوم به من جرائم في المحاكام الدولية، وأن هذا لا يتنافى مطلقا مع بناء برنامج سياسي واقعي محمول على هذين العمودين، كأدوات حراك وسبل ضغط في المحافل الدولية والساحة الداخلية.
دمتم منارة تنير لمن بعدكم من الأجيال درب السلامة والحرية بعزة وكرامة.