الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

العاروري دشن زمن الجنرلات في حماس

نشر بتاريخ: 06/10/2017 ( آخر تحديث: 06/10/2017 الساعة: 10:57 )

الكاتب: فارس الصرفندي

في صباح يوم عادي جدًا في العام ٢٠٠٧ جاءني اتصال هاتفي من بلدة عارورة يخبرني بأن صالح العاروري سيتم الافراج عنه خلال الايام المقبلة، توجهت إلى البلدة التي أعرف أهلها وعشت بينهم في سجون الاحتلال وقمت بالاستعداد لهذه المناسبة -التي كانت بنظري سياسية بامتياز - بتقرير عمن تنتظر الضفة الغربية، غالبية الصحفيين لم يدركوا أهمية الرجل الذي كان قد أمضى خمسة عشر عامًا في سجون الاحتلال وظنوا أنه أسير عادي يغادر الأسر وذهبوا جميعًا يومها إلى الجانب الانساني، استقبل العاروري في بلدته وكانت خطيبته التي أصبحت زوجته فيما بعد تنتظره، وكانت هذه هي القصه ليس اكثر، كنت أنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على العاروري - والذي كنت أعرف عنه كل شيء لكني لم أكن قد التقيته من قبل - لاجراء مقابلة خاصة معه، وبالفعل استطعت بعد أيام إجراء لقاء مطول وكانت صدمتي أني وجدت لدى العاروري الذي كان مغيبًا عن الميدان لأكثر من خمسة عشر عامًا ما لم يكن عند الحاضرين فيه، الرجل في حواري معه كان يطرح ضرورة إنهاء الانقسام ولم يخف أن المشهد سوداوي وأن أخطاء ارتكبت من الطرفين وبأن عليهم أن يراجعوا أنفسهم، في ذلك اليوم تحديدًا توجه صالح العاروري للقاء الرئيس أبو مازن وكان واضحًا تمامًا أن الرجل يسعى إلى تبريد الملف الساخن وكان يومها قادرًا على ذلك لكن الاحتلال كما يبدو لم يكن معنيًا بتبريد ملف الانقسام فقام بعد فترة بسيطة باعادة اعتقال العاروري، اليوم تفتح حماس باب المفاجآت بإعلانها انتخاب العاروري نائبًا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اختيار يحتاج إلى قراءة دقيقة ومتأنية، فالعاروري لمن لا يعرفه يشكل رمزًا لأبناء حركة حماس في الضفة الغربية وغالبية هؤلاء يرون الرجل قائدًا ومعلمًا وصاحب تاريخ يؤهله لما وصل إليه، بالإضافة إلى أن اختيار العاروري في هذا الموقع توصل حركة حماس من خلاله رسالة إلى الداخل الفلسطيني بأن الحركة اختارت في رئاستها قادة الجناح العسكري كدليل على أنها ستواصل نهجها المقاوم لاسيما وأن العاروري تحول بعد الألفين وأربعة عشر إلى المطلوب رقم واحد للاحتلال، أيضا اختيار العاروري يضع الفصائل الفلسطينية التاريخية على المحك فهذه الحركات أصبحت أمام حماس تبدو وكأنها لا تؤمن بتدافع الأجيال وتصر على البقاء في مكانها وبأنها غير قادرة على تقديم مناضليها إلى المقدمة كما فعلت حماس التي اختارت غالبية قيادتها الجديدة ممن واجهوا الاحتلال بشكل مباشر واشتبكوا معه قبل الأسر وبعده، حتى حركة فتح بعد اختيار السنوار والعاروري ستكون مضطرة أن تمنح دورًا أكبر لمروان البرغوثي الوحيد القادر على مواجهة قادة حماس الجدد بالمعنى الشعبي.
أما إسرائيل فهي أكثر من يعرف العاروري فهي واجهته على مدار ربع قرن وفاوضته بشكل مباشر داخل السجون وفاوضته بشكل غير مباشر في قضية جلعاد شاليط وتعرف كيف يفكر الرجل الذي يمثل الضفة الغربية في المكتب السياسي لحركة حماس وإلى جانبه عدد من القادة الميدانيين في الانتفاضة الأولى والثانية أمثال زاهر جبارين وموسى دودين وحسام بدران، وعليه فتل أبيب هي أكثر من يفهم معادلة حماس وإلى أين ستتجه الحركة على الأقل في السنوات المقبلة، فاللمرة الأولى المكتب السياسي لحركة حماس يتشكل من أناس تعاملت معهم بشكل مباشر وتعرفهم كأنداد، وأعتقد أن عين إسرائيل الآن على الصفقة الجديدة وأكاد أجزم أن إسرائيل الآن أصبحت تعرف الثمن الذي ستدفعه مقابل إعادة جنودها المحتجزين في قطاع غزة، وأجزم أيضًا أن قادة الأمن الإسرائيلي قدروا مطالب حماس في هذه الصفقة من معرفتهم الدقيقة بالعاروري ورفاقه.
اقليميًا العاروري رجل مقبول لدى حلفاء حماس لا سيما التاريخيين، فالعاروري عاش لثلاثة أعوام في سوريا يوم كانت مقرًا لقيادة الحركة والرجل في الأزمة السورية لم يعلن يومًا موقفًا يؤذي القيادة السورية كما فعل قادة آخرون في حماس بل التزم الصمت وظل في تركيا يعمل على إعادة تشكيل التنظيم العسكري في الضفة ويوم اضطر أن يغادر تركيا توجه إلى الدوحة ومكث فيها لأكثر من عامين لم يدل بأي تصريح للصحفيين ولم يظهر في أي مناسبة إعلامية، اليوم وبعد أن استقر العاروري في لبنان وتحديدًا في الضاحية الجنوبية أرسل رسالة واضحة للجميع بأنه هو من يصيغ العلاقة الجديدة مع محور المقاومة بقيادة طهران وخلال تواجده في لبنان عقد لقاءات معمقة مع الإيرانيين وتوجه إلى طهران ليعلن دون أن ينبس ببنت شفة تدشين العلاقة مع طهران.
في داخل حركة حماس العاروري شخصية لها احترامها وقد يكون هناك تحالف واضح وعميق بين السنوار والعاروري فالرجلين من ذات المدرسة ويملكون صفات مشتركة وعاشوا تجربة مشتركة في السجون الاسرائيلية والرجلان لديهما خط يتقاطع في مناطق كثيرة وعليه فإن حماس بانتخابها العاروري دشنت زمن الجنرالات في قيادتها.