السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المشهد الاسرائيلي والانفجار القادم

نشر بتاريخ: 19/10/2017 ( آخر تحديث: 19/10/2017 الساعة: 12:47 )

الكاتب: عوني المشني

رغم الهدوء الظاهري والتنمية الاقتصادية فان المشهد الاسرائيلي مأزوم ومحتقن ، احد مظاهر الاحتقان والتأزم هو القلق المصيري والذي يتعمق بالمتغيرات التي يشهدها الإقليم ، المظهر الاخر للاحتقان هذا الحضور الفلسطيني الطاغي سواء كان الحضور المادي " الديمغرافيا " او الحضور الكياني في السياسة الدولية والذي يضاعف من القلق الوجدي لديهم ، مظهر اخر من مظاهر الاحتقان هو العنصرية المتنامية والتي تمتد لتصل ليس الفلسطينيين وحدهم بل لفئات اخرى مثل الاثيوبيين والشرقيين . وهناك ازمة سياسية لعل مظهرها يبدوا في عصر القادة الذين يمتلكون كريزما جاذبة ، وباستثناء نتنياهو فان المستوى المتدني من كريزما القيادة يؤثر بشكل كبير ليس على الجذب السياسي وإنما الحسم القيادي .
مجتمع مأزوم كهذا فانه من الطبيعي ان يتجه لليمن في نزعة لا ايرادية للدفاع عن النفس اولا وفِي محاولة للتعويض عن النقص ، حتى " اليسار الوسط " ممثلا بحزب العمل ها هو يتجه الى أقصى درجات اليمين في محاولة يائسة لكسب أصوات الجمهور في اي انتخابات قادمة ، وبدل ان يسعى حزب العمل لتغيير في المزاج الجماهيري العام ليقترب به من برنامجه تراه يغير هذا الحزب من خطابه ليدغدغ عواطف الجمهور ويقترب منه ولهذا فانه يتجه ليصبح حزبا شعوبويا عديم التأثير في السياسات . وتصريحات أفي جباي الاخيرة تعبير صارخ عن مثل هذا التوجه .
ان مراكمة القوة العسكرية بهذا الشكل تعبير عن فوبيا مرضية لدى هذا المجتمع وان كانت تلك القوة تعوض النقص في قوة المجتمع لكنها لا تقلل من منسوب القلق الوجودي .
ان حالة اليأس الاسرائيلي من إمكانية حسم الصراع بالقوة رغم التفوق الاسرائيلي الكبير هي اكثر ما يقلق الاسرائيليين ، فإذا لم يكن لهذا التفوق العسكري ان يحسم الصراع لصالح المشروع الصهيوني فما الذي سيحسمه ؟؟!!!! هذا السؤال هو جوهر الازمة الاسرائيلية ، لقد نجح الاسرائيليين في مراكمة القوة ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا في توظيفها لتحقيق الأمن الوجودي لأنهم بدلا من استخدامها كقوة ردع لتكريس الوجود فقد استخدموها كقوة لترسيخ الاحتلال والتوسع والعدوان ، هذا هو التعبير الأكثر حماقة للنخب الاسرائيلية الحمقاء التي امتلكت القوة ولم تمتلك فلسفة استخدامها بشكل صحيح ، فلسفة القوة في ذروة نجاحها ان الدول القوية تراكم القوة ليس من اجل خوض حرب بل من اجل منع تلك الحرب من الاندلاع . جانب اخر فان عدم مقدرة اسرائيل على تأمين أمن مستدام لحدودها يمثل الجانب الاخر من القلق ، تاريخيا كانت مصر هي الخطر الاستراتيجي ، بعد كامب ديفيد وتحييد القوة مصر ها هي ايران تدخل على خط التهديد المباشر عبر تطور قدراتها العسكرية واقترابها من الحدود من خلال تواجدها في سوريا واتساع دائرة نفوذها بامتلاكها حلفاء في لبنان والعراق واليمن ، وحتى لو استطاعت اسرائيل تجاوز تلك الازمة ففي ظل تطور التقنيات العسكرية من صواريخ وغيرها فان المسافات لا تلغي المخاطر فمفهوم دولة المواجهة يتغير بشكل دراماتيكي . هذا التطور اسقط اهم أركان العقيدة العسكرية الاسرائيلية القائمة على ابقاء المعركة في ارض العدو ، وما المبالغة في أسلحة اعتراض الصواريخ مثل القبة الحديدية الا تعبير جلي عن سقوط هذا الركن ، لكن يمكن التعويض عن هذا بأسلوب مختلف وهو الحرب بالوكالة ، بمعنى ان طرفا اخر يخوض الصراع وإسرائيل تبقى مساندة وفِي الظل ، لهذا فان اسرائيل تعمل في هذا الموضوع على جبهتين ، الاولى دفع أمريكيا للتخلي عن الاتفاق مع ايران والدخول في مواجهة معها ، والثانية المساعدة في تأزيم العلاقة السعودية الإيرانية بالتزامن مع ترسيخ التحالف الإيراني الخليجي وربما مصر والأردن ايضا ، وفِي ظل هذا التفكير فان السعي لحرب شاملة ربما هو الأرجح ، الا في حالة واحدة يمكن ان تعيد بعثرة كل الأوراق وهي تفجر الازمة الكورية قبيل الانفجار هذا ، حينها فان الوضع جميعه قد يتغير وهذا ما لا تتمناه اسرائيل .
ان تحميل الأزمات على اجنحة الشعور بالقوة المبالغ فيها قد تدفع اسرائيل الى مغامرات غير محسوبة ، ويمكن ان تكون الجبهة الشمالية هي الاتجاه المرشح ليس لتسخين بل لانفجار كبير ، لان هناك مشاعر متنامية ان القوة وحدها تستطيع ان تنهي تلك الأزمات وتوفر اجابات للأسئلة القلقة وربما تساعد في توفير " الأمن المطلق " لكيان لا يمكن باي حال ان يكون آمنا . ان حلولا عقلانية لهذا التأزم هو خارج العقل الجمعي الاسرائيلي الاسرائيلي ، بل وهذا هو الاخطر ان تطور الواقع الموضوعي على الارض قد جعل مثل هذه الحلول العقلانية غير واقعية فقد عمل اليمين الحاكم في اسرائيل على اعادة تركيب الواقع بما يجعل تكييفه لحل سياسي عقلاني أمرا صعبا وربما يقترب من الاستحالة . وما كل ما يقال عن مسيرة سياسية او إطلاق مفاوضات او حلول ما هي الا علاقات دولية عامة وكسب للوقت للتهيئة لهذا الانفجار ، فالانتظار الطويل على هذا الوضع خطر كبير على الاسرائيليين كما يعتقدون ، لان هذا الانتظار في تجربة سابقة مكن ايران من الوصول الى تقنية السلاح النووي ومكن حزب الله من تشكيل جبهة عسكرية يحسب حسابها حتى بالمفهوم الاستراتيجي ، بينما السرعة في الحسم العسكري ازال التهديدات الوجودية عن اسرائيل عام ١٩٦٧ لهذا فان توقيت الانفجار يتناقص بسرعة كبيرة ويكاد يصل لنقطة الصفر .
ان ما يمنع الانفجار هذا احد أمرين : قيادة إسرائيلية عقلانية ، وهذا امر مستبعد على المدى المنظور ، او ادراك القيادة الحالية ان كلفة اي مغامرة عسكرية ستكون باهظة جدا لدرجة لا يمكن احتمالها ، وهذا الامر اصبح مدركا بشكل جزئي عند القيادة الاسرائيلية ، ولكن النقاش محتدم الان بين اصحاب وجهة النظر هذه واخرون يعتقدون ان كلفة الانتظار ستكون اكثر خطورة من كلفة الحرب . وجهات نظر ربما حدث بسيط وعابر سيساهم في تغليب احدها على الاخر ، فالحروب كثيرا ما تنشأ من مبررات سخيفة .
لقد خط اليمين الحاكم مسيرة اسرائيل للسنوات القادمة ،