الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تيريزا وبلفور...والمالكي و"وعد جونسون"!

نشر بتاريخ: 21/10/2017 ( آخر تحديث: 21/10/2017 الساعة: 13:37 )

الكاتب: عبد اللطيف مهنا

تقترب مئوية وعد بلفور المشئوم. هذا الذي كان بمثابة صك استعماري بموجبه منح غازٍ استعماري، والذي هو بريطانيا، ما ليس له، ولا هو من حقه، كمحتل لبلد آخر عيًّن نفسه منتدباً عليه وفق موازين القوى الدولية آنذاك، أي الوطن الفلسطيني، إلى من لا يستحقونه ولا لهم من حق فيه، أي الصهاينة، وذلك عام 1917، أي بعد احتلال البريطانيين لفلسطين إثر انهيار الدولة العثمانية في الحرب الكونية الأولى.
بعد أسابيع يمر مئة عام على هذه الجريمة، أو "الخطيئة الأصلية"، وفق عنوان لمقال مطوَّل في صحيفة "الغارديان" البريطانية حول المناسبة، ومن المعلن أن رئيسة الوزراء البريطانية الحالية، تيريزا ماي، تزمع الاحتفاء بها وإحياء مرورها بأن تولم مقيمةً حفل عشاء يحضره كبار المسؤولين تكريماً لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي كان الوعد البريطاني قد أعطى إشارة البدء باصطناعه وزرعه عنوة في منطقة غريب عليها وتلفظة، وهي الآن تعيش شتى التداعيات الكارثية كنتيجة مباشرة وغير مباشرة لإقامته في القلب منها وإصرار الغرب الاستعماري، ممثلاً الآن بالولايات المتحدة الأميركية، على تثبيته والاستثمار العدوني ضدها فيه.
تيريزا ماي لم تخرج عن تقاليد السياسة البريطانية تجاه الصراع العربي الصهيوني، أي لم تأت بجديد. لم ننس بعد انتقادها لجون كيري وزير الخارجية الأميركية ومزاودتها عليه حين حذر، وحرصاً منه على هذا الكيان أكثر من مجانينه، من أن حمى التهويد في الضفة "ستؤدي إلى دولة واحدة واحتلال دائم". كما ليس بغير المتوقَّع منها، ولا من غيرها في موقعها، أن ترفض المطالبة بالاعتذار للشعب الفلسطيني لما الحقه هذا الوعد الشرير به من مآس مستدامة يكابدها...قد يكون جيرمي كوربن زعيم حزب العمال الحالي في مثل هذه الحالة استثناءً وقد يشذ عن القاعدة.
على حملة طالبت مؤخراً بمثل هذا الاعتذار ردت بقولها: "إن الحكومة فخورة بدورها في قيام دولة إسرائيل"، وإذ هذا هو حال حكومة صاحبة الجلالة، فقد تحدثت رئيستها بلغة تنضح بعتيق النكهة الاستعمارية الآفلة، وكأنما تلكم الإمبراطورية التي لا تغرب عن مستعمراتها الشمس لم تعد من الماضي، حيث تبنت بوقاحة الرواية الصهيونية وهي تدرك زيفها، حين زعمت أن "تأسيس وطن لليهود في ارض امتلكوا روابط دينية وتاريخية معها كان الأمر الصحيح والأخلاقي"!
...هي هنا، وكأنما تعطي الحق لأي قوة كاثوليكية في العالم احتلال إيطاليا نظراً لوجود الفاتيكان وكنيسة القديس بولص في روما، إلي جانب تجاهلها الصفيق كون الغرب وحده من اضطهد يهوده، وإن غير الأخلاقي هو تعويضه لهم من جيب آخرين لا علاقة لهم تاريخياً باضطهادهم، أي العرب.
بالمقابل، لا يبدو إن رياض المالكي، وزير خارجية سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال، قد استخلص ابسط دروس هذه المئوية التي ابتدأت ببلفور وانتهت بتيريزا ماي. لم يدرك العلاقة الاستعمارية العضوية بين الثكنة البلفورية المتقدمة ومركزها الاستعماري الغربي المُختلِق لها...قبل حوالي الشهرين طالب وهو يستقبل في رام الله المحتلة وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط والتنمية الدولية، اليستر بيرت، بوعد بريطاني للفلسطينيين مشابه لوعد بلفور لليهود اطلق عليه "وعد جونسون"...قال المالكي:
" لقد اصبح بلفور مشهوراً بوعده لليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وأنا أطالب أن يكون وزير خارجية بريطانيا الحالي مشهوراً بإعطاء وعد للفلسطينيين يسمى وعد جونسون عبر اعترافه بدولة فلسطينية"...لم يجد المالكي ما يعتقد أن من شأنه إقناع جونسون، الذي سوف يكون إلى جانب ماي وهي تولم مكرِّمةً لنتنياهو بمناسبة وعد حكومة صاحبة الجلالة، ويحفِّزه ليعده بالاعتراف بدولة فلسطينية إلا بتذكيره بشهرة سلفه بلفور! إنه يتحفنا بانموذج للمنطق الأوسلوي الصرف...والأدهى:
شكواه لبيرت "لقد اقنَعَنا المجتمع الدولي بأن الطريق الأفضل للوصول للدولة هي المفاوضات، ولكن بعد اربعة وعشرين عاماً من المفاوضات لم نصل إلى شيء"، وعليه، فهو يطلب "إجابةً من المجتمع الدولي على ذلك (اللا شيء) عبر التدخًّل الفاعل وفرض السلام عبر إقامة الدولة الفلسطينية"...بماذا أجابه بيرت؟!
أكد له على التزام بريطانيا، الذي وصفه ب"طويل الأمد بتحقيق حل الدولتين من خلال المفاوضات"...بمعنى أن يستعد المالكي لمفاوضات طويلة الأمد قد تستمر اربعة وعشرين عاماً أخرى قادمة وقابلة للتمديد، علماً بأن الأربعة والعشرين الأوسلوية المنقضية قد أجهز التهويد خلالها على وهم هذا الحل...هذا إذا شاء نتنياهو تفاوضاً...مثلاً:
لكي يتفاوض مع "حكومة المصالحة" التي قد تتشكل في حال نجاحها طرح شروطة الكفيلة بأفشالها والتالي: إعتراف حماس بالكيان المحتل، والتخلي عن المقاومة، واطلاق سراح اسراه لديها، وقطع علاقاتها مع إيران، وسيطرة السلطة على الأمن في قطاع غزة، ومنع تهريب السلاح إلى القطاع، وتدمير البنى التحتية التنظيمية لحماس في الضفة، وقبلها الأنفاق ومعامل صناعة السلاح في غزة، وحصر التمويل القادم لغزة بالسلطة...وأخيراً أن تكون المصالحة خطوةً باتجاه "الحل الإقليمي" لصاحبه الأميركي...لاحقاً المبعوث الأميركي غرينبلت كرر اشتراطات نتنياهو حرفياً وصادق عليها !
...ربما لهذا، تشكو السلطة انعدام تمويل المصالحةً لتبرير تباطؤها، والسر في تعاملها مع تنفيذ المتفق عليه منها، وهو حتى الآن القليل، سلحفائياً...