الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

تبقى سورية أم المعارك الشرق أوسطية

نشر بتاريخ: 02/12/2017 ( آخر تحديث: 02/12/2017 الساعة: 10:38 )

الكاتب: فادي أبو بكر

يتزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن إمكانية نشوب حرب إسرائيلية سعودية ضد "حزب الله" في لبنان وسورية قد تتطور إلى حرب مع إيران، خصوصاً مع تبني الرئيس الأمريكي ترامب إستراتيجية جديدة لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ومع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية في التدخل المباشر في سوريا أو اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
من الناحية النظرية، إن الوحدات الدولية حين تمارس أدواراً خارجية، تعاونية كانت، صراعية، توسعية أم طامحة للهيمنة، فإنها تمارسها في ضوء حجم قدراتها القومية المتاحة، ومحددات أدوارها الداخلية والخارجية، ومدى سماح الظرف الإقليمي والدولي بتلك الأدوار. وعليه فإنه لا يمكن الحديث عن هذه الحروب إلا عبر قراءة الظرف الإقليمي والدولي ومحددات القوى الداخلية والخارجية.
أربك صعود الفاعل غير الدولتي المتمثل في داعش وحزب الله وأنصار الله (الحوثيون) وغيرها، الحسابات السياسية لمختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية، وشكلت هذه الفواعل الغير دولتية تحدي لمنطق الدولة التي تعتبر نفسها فاعل دولتي وأساسي في النظام الدولي. ومن هنا فإن وجود المؤشرات لحروب مقبلة لا يعني بالضرورة نشوبها، لأن نتائجها قد تختلف تماماً عن رغبة من يخططون لها من القوى الدولية ولا يمكن السيطرة عليها، كونها ليست مواجهة بين دول وجيوش نظامية.
جاء ازدياد الدعم الأمريكي لقوات سورية الديمقراطية ورفع عدد القوات الأمريكية في سوريا، مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض استعجالاً منه لتغيير الوقائع على الأرض السورية، حيث أن الانتصار العسكري في الرقة يمثل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مرحلة مهمة على طريق السياسة الاستعمارية الأمريكية التي تهدف إلى الحفاظ على أمن "اسرائيل" و التقسيم العرقي والطائفي لسوريا إلى دويلات كردية، سنية، شيعية وعلوية.
لا يمكن فصل التحركات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية عن قمة سوتشي الروسية، حيث يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر هذه القمة العمل على قاعدة "العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد"، وذلك عبر الالتفاف على مؤتمر جنيف واختطاف نصر سياسي.
تستضيف سوتشي اجتماعاً للحوار الوطني السوري بداية كانون الأول، لتحاول ترسيخ ما بدأت العمل عليه منذ منتصف العام 2012 على يد النظام السوري من محاولة إنجاز مصالحات في المناطق المتوترة، وتحويل هذا الحراك الشعبي إلى مؤسسة عبر وزارة مخصصة للمصالحة الوطنية . وتعكس خارطة المصالحات هذه إستراتيجية التفكير العسكري للنظام السوري وحلفاءه الرافض لتطبيق النظام الفدرالي في سوريا.
تبقى المكاسب التي حققتها جميع الأطراف بطيئة ومكلفة، الأمر الذي يشير إلا أن نهاية الحرب السورية ما زالت بعيدة. كما أن احتمال نشوب حروب مقبلة بعيد جداً في ظل استمرار الحرب السورية، خصوصاً وأن القوى الدولية الفاعلة لم تعد بقادرة على السيطرة على حروب من هذا النوع. وإن حدث فإنها ستكون محدودة بقدر الإمكان لأنه بالرغم من كل شيء مازال من المهم للولايات المتحدة وروسيا والقوى الدولية الفاعلة أن تحاول أن تكون قادرة على تشكيل الأحداث على الأرض.
تبقى سوريا أم المعارك الشرق أوسطية، والعالم كله يمر اليوم عبر سوريا بمرحلة انتقالية من نظام عالمي أمريكي أحادي القطب، إلى نظام جديد تشارك في صياغته قوى كثيرة في أوروبا والعالم. وما سيخرج من تسوية في سوريا سيكون بمثابة التسوية الشرق أوسطية والوضع العام في المنطقة.