الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل هناك فرصا ضائعة!!!

نشر بتاريخ: 05/12/2017 ( آخر تحديث: 05/12/2017 الساعة: 18:49 )

الكاتب: عوني المشني

كثيرا ما ينبري بعض السياسيين ورجال الفكر عند قراءة تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى توجيه اللوم الى قيادات فلسطينية لإضاعتها فرص كانت ستؤدي الى قيام دولة فلسطينية في وقتها لو اقتنص الفلسطينيين تلك الفرص ، على سبيل المثال لو وافق الفلسطينيين على قرار التقسيم عام ١٩٤٧ لكانت هناك دولة فلسطينية !!!! لو وافق الفلسطينيين على مسيرة السادات وكامب ديفيد وشاركوا بالمفاوضات لكانت هناك دولة فلسطينية !!!! وهكذا يتم قراءة السياسة بعقلية استرجاعية يتم اغفال معطيات الواقع الموضوعي في المراحل التاريخية الماضية وإسقاط معطيات الواقع الحالي على مراحل تاريخية سابقة .
لا نريد الخوض في تفاصيل تلك الفرص ومعطيات الواقع في تلك الأوقات ولا في الفكر السياسي الفلسطيني الذي حكم المواقف الفلسطينية فتلك تحتاج لما هو اكثر من مقالة ، ما نود التوقف عنده هو كيفية التعاطي مع التاريخ وبالتحديد تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، فرفض الفلسطينيين لقرار التقسيم او رفضهم لسلام السادات كان نابعا من رفض الإقرار بالواقع المهزوم وإملاءاته وهذا منطق طبيعي بل هو المنطق الثوري في تلك الأوقات ، فالتسليم بدولة اسرائيل في وقت لم تكن هناك دولة كان اكثر من استسلام واكثر من تراجع ، مثلا ماذا لو قال لنا احد الان علينا التسليم بان الاردن هو جزء من اسرائيل وعليكم الاعتراف بذلك !!! هل هذا موقف حكيم الموافقة على هذا ؟؟؟ بالتأكيد لا يتخيل احد ان واحدا فلسطينيا او عربيا يتقبل ذلك ، فلا يستطيع احد الان ان يلوم القيادة الفلسطينية على مواقفها التي تستند الى معطيات الواقع حتى لو تغير الواقع سلبا في مراحل قادمة ، كانت المواقف الفلسطينية في مراحل سابقة من تاريخ الصراع مستمدة الى حقيقتين الاولى الحقوق الفلسطينية والثانية معطيات الواقع في وقتها .
مسألة اخرى لا تغيب عن بال وهي من الذي يفترض انه في ظل موافقة فلسطينية على اي من تلك " الفرص " سيفضي الى دولة فلسطينية ؟؟!!!! واذا كانت الإجابة على سؤالنا متوفرة فإننا مسأل فقط للتأكيد ان فكرة الدولة الفلسطينية لم تكن في اي وقت معطى سياسي يمكن تحقيقه بالاتفاق مع الاسرائيليين ، فقد وافق الفلسطينيين على أوسلو والذي هو أسوأ بما لا يقارن من كل تلك " الفرص " بالنسبة للفلسطينيين ولكن لم تكن النتيجة دولة فلسطينية !!! قرار التقسيم كان لتشريع الدولة اليهودية ومفاوضات مصر وأسرائيل كانت لعزل مصر عن الصراع العربي الاسرائيلي واخراجها منه ولم تكن الدولة الفلسطينية في كلا " الفرصتين " مطروحة للتنفيذ ، ولكن ما دام الفلسطينيين لم يوافقوا لم لا نحملهم مسئولية هذا الرفض !! هذا بالضبط ما يحدث ، فالدولة الفلسطينية خارج الحسابات السياسية لاسرائيل ومن خلفها الدول المتنفذة مثل بريطانيا او أمريكيا .
والان يعاد مرة اخرى لطرح مشروع تطبيع عربي مع اسرائيل ، لتنفيذه يعاد طرح اننا امام فرصة ويجب اغتنامها ، فرفض المشروع الضبابي هذا سيؤدي لضياع " فرصة تاريخية " ، وفِي واقع الحال انها فرصة تاريخية لاسرائيل لتطبيع علاقتها العربية بدون ان تدفع اي ثمن .
دون تحديد واضح غير قابل للتأويل لدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وحق الفلسطينيين في العودة وفق قرار ١٩٢ ، دون تنفيذ ذلك - وليس الإقرار بذلك من اجل التمويه - ، دون ذلك فان اي مفاوضات ستكون ذَر للرماد في العيون ، وقنبلة دخانية لتمرير التطبيع العربي . لكن وحتى لا نبيع احدا الوهم فان الدولة الفلسطينية هي خارج الفكر الاسرائيلي والأمريكي على حد سواء ، لهذا فالمشاريع المطروحة سواء صفقة القرن او غيرها ما هي شكل من أشكال كسب الوقت وإدارة الصراع .
المسألة ليست في فرص ضائعة او فرص لم تضيع ، المسألة ان هناك صراع على الارض وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تحد من سياسة التوسع الاسرائيلية بل وتوقفها . هذا يعني انه لم تتوفر فرصة واحدة لإقامة دولة فلسطينية وتم اضاعتها .
ان شروط تحقيق الدولة الفلسطينية لا تكمن في تغييرات على الموقف الفلسطيني وإنما تكمن في تغييرات تفرض هذه الدولة ، تغييرات في معطيات الصراع وليس في المواقف ، وهذا ما يفترض ان يكون واضحا ، فحتى لو قبل الفلسطينيين بكل الاشتراطات الاسرائيلية فلن يؤدي ذلك الى دولة ، لان المحصلة النهائية لكل تلك الاشتراطات ان لا تكون دولة فلسطينية ، وعندما تصبح فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة مقبولة اسرائيليا ستختفي تلك الاشتراطات ومعها ستختفي أساليب ادارة الصراع والالتفاف على فكرة الدولة ذاتها عبر صيغ مختلفة .
ان المتغيرات التي تسارع اسرائيل في إجراءها ومنذ زمن طويل تهدف الى وضع كل المعيقات امام إقامة الدولة الفلسطينية ، وربما استطاعت اسرائيل الى حد كبير في خلق واقائع كافية لإعاقة مثل هذه الدولة ، امام هذا الوضع يصبح السؤال : كيف لنا كفلسطينيين ان نتجاوز هذه العوائق وصولا ان جعل الدولة الفلسطينية ممكنة التحقيق ؟؟؟ وكيف سنغيّر المعطيات على الارض لتصبح الدولة الفلسطينية أمرا لا مفر منه في الفكر الاسرائيلي ؟؟؟
لكن وفِي معالجة كلا السؤالين لن يكون استرجاع تاريخ الصراع باستخدام أدوات الندم مثل " لو " هو السياق الصحيح لإيجاد دولة فلسطينية ، في ذات الوقت لن يكون الخضوع للاشتراطات الاسرائيلية سبيلا لمثل تلك الدولة ، وإعادة تجربة تعويم المفاوضات هو إعطاء وقت إضافي لاستمرار سياسة الاستيطان والتهويد ، صحيح ان الاستيطان والتهويد متواصلان بمفاوضات او بدونها ، ولكن صحيح ايضا ان المفاوضات تخفف الضغط عن الجانب الاسرائيلي وتعطيهم مساحة اكبر للحركة .
اذا كان هناك ما هو ضائع فإنها ليست فرص وإنما اليات الفعل هو الضائعة وهي التي يجب استحضارها وتفعيلها في سياق استراتيجي قادر على احداث متغيرات تجعل من الدولة الفلسطينية الخيار الوحيد .