الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتفاضة والمجلس المركزي وغياب القرار التاريخي

نشر بتاريخ: 18/12/2017 ( آخر تحديث: 18/12/2017 الساعة: 10:54 )

الكاتب: د.أحمد الشقاقي

كشف قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" عن الانحياز الدائم للولايات المتحدة مع دولة الاحتلال، وجعل من مسألة الإدعاء بأن هناك مشروع تسوية ضرب من الجنون، وتسويق لأوهام سلام يعجز أصحابه عن الدفاع عنه، وسط العربدة الإسرائيلية تجاه الشرعيات الدولية التي تدعي أنها مع أصحاب الحق.
ومنذ اللحظة الأولى التي أعلنت الولايات المتحدة موقفها، والخطوات الفلسطينية الرسمية غير منضبطة الإيقاع، وتذهب في مسارات من العمل البرتوكولي الخالي من التعامل الجدي مع القرار الفارق في التاريخ والصراع. وقدمت السلطة الفلسطينية ودوائر القرار في منظمة التحرير أداءً هزيلاً لا يرقى لمستوى الأزمة، بل ويتعامل مع المشهد وكأن ظرفاً مؤقتاً وقع ويتم احتوائه بعد أيام.
اللحظة التاريخية التي أعقبت مؤتمر ترامب والتي أعلن فيها موقفه المنحاز كانت تنتظر موقفا من الرئيس عباس أكثر جرأة في التعامل مع القضية، واقتراباً بشكل أكبر نحو الموقف الداخلي بالتوازي مع نشاطه على الصعيد الخارجي، وفي سياق تنسيقه مع الأنظمة العربية الرسمية، والدولية الصديقة.
غير أن اللجوء الى التصرف المنفرد دون وجود اطار داخلي حاضن لموقف القيادة الفلسطينية، جعل من مسألة الدعوة الشكلية لحضور جلسة المجلس المركزي عديمة النفع، فالاختيار الرسمي لعقد المجلس المركزي يجعل من استحضاره في هذا الوقت دوناً عن الأطر الأخرى مثار نقاش، والتغييب الواضح للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، يعني استمرار رفض قبول المكونات الحقيقة للشارع الفلسطيني بشكل يعبر عن القوى الحية في سياق معركة النضال الوطني المستمرة مع الاحتلال.
المجلس المركزي الفلسطيني ومنذ تأسيسه عام 1977 كان حلقة وصل مباشرة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، وأهم القرارات التي خرج بها جاءت في دورته المنعقدة بتونس في ديسمبر 1993، والتى أنشأ بموجبها السلطة الفلسطينية، حيث كلف المجلس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتشكيل مجلس السلطة الفلسطينية في المرحلة الانتقالية.
ان الدعوة للقاء يجمع الأطر والقوى الفلسطينية كافة مهم، ولكن هذه الدعوة يجب أن تكون جادة في عنوانها وجدول أعمالها، والخيارت التى سيبحثها المجتمعون ينبغي أن تكون بوزن التغيير السياسي الذي يحاول الاحتلال وحليفه الاستراتيجي فرضه على أرض الواقع، ومطالبات الرئيس لدول العالم بسحب الاعتراف باسرائيل أولى بها أن تكون موجهة لمنظمة التحرير في مرحلتها الأولى. غير أن اللجوء لعقد المجلس المركزي بعيداً عن اطار شامل تلتقي فيه كافة القوى الوطنية بما فيها حماس والجهاد الإسلامي بأعلى هيئاتها القيادية هو هروب الى الأمام، دون قراءة متأنية للمستقبل الذي باتت تفاصيله محددة المعالم، وبالتحديد قضية القضاء على مشروع الدولتين، وأفق التسوية السلمية للصراع. والأجدى تفعيل الاطار القيادي المؤقت للمنظمة حتى يمكن التعويل على صدور قرارت تدعم القيادة الفلسطينية في موقفها الرافض للانحياز الأمريكي.
المطلوب من الرئيس عباس بعد أن وجهت الادارة الأمريكية ضربة قوية لمشروعه السياسي القائم على التفاوض من أجل التفاوض، أن يراجع برنامجه السياسي الذي اثبت فشله وارتطامه بحائط الانحياز للاحتلال، رغم أن سقفه أدني من الطموح الوطني. ومن الغريب أن نجد اصواتاً فلسطينية تقول أن البحث عن راعي جديد للتسوية هو الحل، وسط حالة العربدة الاسرائيلية المتمسكة بسياسية فرض أمر الواقع في ظل استهلاك الوقت لصالح مشروعها الاستعماري والاستيطاني الذي يقضي على كل الآمال في دولة بحدود67.
الجماهير الفلسطينية التي خرجت بشكل عفوي لترفض القرار الأمريكي وأعادت النبض بقوة لانتفاضة القدس تنتظر قرارات حاسمة من القيادة الفلسطينية الرسمية، والخروج الشعبي الكبير الرافض للموقف الأمريكي يعطي الرئيس عباس زخماً وغطاء شعبيا لاتخاذ قرارات تاريخية تلائم الظروف المفصلية التى تمر بها الساحة الفلسطينية. أما أن يراهن البعض على أن هذه الانتفاضة ستخبو بعد قليل فهو واهم؛ لأن كرة اللهب التى تزداد في خضم التظاهرات ومسيرات التضامن على كافة المستويات ومختلف الساحات توحي بأن القادم سينهي كل السراب الذي عاشته المنطقة طوال سنوات التسوية الماضية.
يدرك المنتفضون في القدس والضفة المحتلة وغزة، أن مسار التسوية وصل الى محطته الأخيرة، وأن تبقى القيادة الفلسطينية تنتظر فرض صفقة القرن على أرض الواقع سواء كان ذلك بموافقتها أو بدونها، فهذا يعني أنهم مشتركون في تصفية الحلم الفلسطيني في التحرير وعودة الحق الفلسطيني، صحيح أننا خسرنا الكثير من الوقت لكن المطلوب من الجميع الآن تحدي الاحتلال، واعلان أننا نعيش مرحلة تحرر وطني والبحث في الخيارات الفلسطينية للاستعداد لهذه المرحلة.