الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

خطبة الجمعة فرصة للقيلولة هذه الايام؟!

نشر بتاريخ: 15/02/2018 ( آخر تحديث: 15/02/2018 الساعة: 12:26 )

الكاتب: وليد الهودلي

عضو اتحاد الكتاب والادباء الفلسطينيين
الخطابة في المساجد هذه الايام كارثية في اغلب حالاتها: فهل هناك أدوات قياس لقياس أثر الخطبة على من يستمعون اليها؟ من يقيّم أثر خطبة الجمعة على تعديل سلوك او زراعة فضيلة أو صناعة رأي عام او مساهمة نوعية قي ثقافة المجتمع؟ هل تحدث هذه الخطبة حراكا هادفا او حتى مجرد نقاش يثار بين الناس؟ هل رأيتم خطيبا او دائرة اوقاف تعمل استبيانا تسأل الناس فيه عن مدى تفاعلهم مع خطبة الجمعة وأثرها عليهم؟ أين مشاركة الناس في الخطبة؟ هل هم مجرد متلق فقط لا يحق لهم اقتراح عنوان او اسداء نصيحة او توجيه نقد..
لا بد من لمحة تاريخية: كانت الخطابة عند العرب والمسلمين في عصور النهضة والصعود الحضاري تجيّش الجيوش وتعلي الهمم وتشحذ النفوس وتحفز الارادات وتوقظ الغافلين، وكانت مصدر الاعلام الرشيد والتوجيه الحكيم والنبض الصادق لما يريده وينشده الناس، والاهم أنها كانت تتويجا لمسار طويل من العمل التربوي والتثقيفي والمعرفي، تأتي الخطبة بكلمات صادقة بليغة موجزة لتضع النقاط على الحروف ولتسلط الضوء على نقاط هامة وحساسة في نفوس تمتلك شبكة جاهزة لتلقي هذه الكهرباء فسرعان ما تشتعل نورا وضياء واستجابة للخير والفضيلة والتوجه للمطلوب القيام به عمليا، تستجيب مسارعة دون اي تلكؤ او تردد. فالعمل التربوي والتعبوي الطويل والمتراكم ما بين البعثة ومعركة بدر كان لا يحتاج الا الى كلمات موجزة توجت هذا المسار الطويل من العمل لتشعل ارادة صادقة فتنتصر على جيش فاقها عددا وعدة اضعافا مضاعفة، وبالمقابل كانت خطبة ابو جهل صخب دون رصيد من البناء الذي ينجز الهدف فلم ينفعه عدده وعتاده وخسر المعركة.
وهكذا جرى معنا في حروبنا مع الحركة الصهيونية عندما اقامت كيانا لها في قلب العالم العربي، اذ كانت تعمل عملا تراكميا طويلا ولم تحتج اصلا للخطابة حتى تنتصر على قوم يجيدون صخب الخطابة من غير رصيد وبناء تراكمي مسبق بل اعمال ارتجالية وردود افعال وهبات متفرقة عاطفية.
أضحت خطبة الجمعة بعقد ثلاثي: الخطيب يعرف حدوده بما يرضي ولي الامر والناس من غير ازعاج او احتجاج، وولي الامر يريد من الخطيب ان لا يخرج عن سياسته العامة او ان يبتعد عن السياسة، والطرف الثالث ما عليه الا ان يصفق او يقول لا فض فوك يا شيخ. وكان كنتيجة لهذا العقد غير المعلن ان فقدت الخطبة روحها، اصبحت ظاهرة صوتية لا أثر لها في حياة الناس واصبحت لاغلب الناس فرصة للقيلولة اثناء الخطبة ثم يمرون عليها مرور الكرام بلا اية مبالاة. غير مستعدين لمناقشة الخطيب أو نقده مهما قال.
ثم العنوان الذي تختاره الاوقاف عليه مائة سؤال وسؤال؟ من الذي يحدد وكيف؟ هل هم لجنة او هيئة ام فرد؟ لم لا يفصح عن هويته فان كان من اهل العلم زادت ثقة الناس به.. وان كان غير ذلك دعونا نقترح من العلماء من يحظون بثقة الناس. 
نعلم ان الابداع يحتاج الى حرية فان اعطي الامام هامشا واسعا من الحرية فكر وقدم افضل ما لديه أما ان يقيد ويحصر في هامش ضيق ثم يراد له ان يبدع !! أذكر في سبعينات القرن الماضي كان للخطابة وزن كبير وتأثير عظيم، رغم انف سلطات الاحتلال كان هناك من الائمة من يتحدون رغبات الاحتلال فكان الناس يأتونهم من أماكن بعيدة وكانت الخطب الثورية التي تأتي على تداعيات السياسة فتفند مزاعم الاحتلال وتضع الناس في همهم الوطني لتعيد لهم توازنهم وترفع من قدراتهم على الصمود وتحدي غطرسة الاحتلال .. كانت هذه الخطب الناجحة التي تثمر في الناس ونرى أثرها بشكل واضح. وكنا أيضا في السجون ومع استماع ادارة السجن وضباط الامن لخطبة الجمعة والعيد الا ان الخطيب يأتي بخطبة تشحذ الهمم وترفع راية فلسطين وتحدي السجان عاليا وكان الخطيب مستعدا بعدها للزنزانة الانفرادية دون اية مبالاة.
لقد قُتلت الخطبة ومات تأثيرها هذه الايام الا قليلا، نحوا من يمتلك روحها او نفسها الثوري واستبدلوه بالنفس التقليدي الذي يردد ما يقوله أئمته في بلدان لا علاقة لها بفلسطين او ولاة أمرهم هناك يتاجرون بفلسطين، أئمة كأنهم غير فلسطينيين لا يعنيهم كثيرا الشأن الفلسطيني كما تعنيهم بدعة المسبحة او التوسل بالاضرحة، وهناك من لا يعمل عقله فقط ينقل للناس الاية والحديث ويشرق ويغرب، حتى اذا سألت احد ماذا خطب امامكم لا يدري ما يقول الا انه خطب في الدين والديانة قدس الله سره. وتذهب الالوف المؤلفة الى المسجد الاقصى خاصة في رمضان، تتجشم مشاق السفر وتتخطى الحواجز وهي جاهزة نفسيا لتتلقف ما يقوله الامام بعقولها وقلوبها فتصدم بخطبة ارتجالية لا تزيد ولا تنقص مما سمعته في الاعوام الماضية مع بعض الاستثناءات النادرة.
الخطبة تتويج لعمل تراكمي يقوم به الامام في مسجده، هناك مسائل هامة اجتماعية لا تقل شأنا عن الهوم العامة والسياسية، هناك قيم وفضائل وأخلاق، هناك مشاكل اقتصادية وهموم معيشية تقض مضاجع الناس وهناك وهناك، الامام العامل يجعل من المسجد مؤسسة اصلاح شاملة لان دور المسجد ليس فقط مكانا للصلاة بل هو منطلق لكل نواحي الاصلاح.. الخطبة تأتي لتضع النقاط على الحروف ولتحدثت تحفيزا وتثويرا لافكار ومشاعر تنتج سلوكا ايجابيا في المجتمع.
لنشارك الناس في الخطبة من عنوان يريده الناس ومضمون يشاركون في اعداده ومواقع التواصل الاجتماعي تتيح للناس المشاركة هذه الايام وهم في بيوتهم، فمثلا -وهذه قمت بتجريبها- يطلب الخطيب على صفحته الفيس بوك مشاركة جمهوره في اقتراح عنوان وافكار للخطبة وسيصله ما لم يخطر بباله .. ديننا اسس العمل الجماعي وهذا يسبقه التفكير الجماعي .. ما هو حال المصلي عندما يأتي للمسجد وهو يشعر ان امامه شاركه التفكير وان جزءا من افكاره قد يستخدم في الخطبة؟
من المفترض في الخطيب ان يلتصق بهموم من يخطب بهم، ان يشعر بمشاكلهم واحاسيسهم وطرائق تفكيرهم، لا ان يأتيهم من فوق وكأنه جاء من كوكب اخر، قيل لي ان احد الخطباء لغته ركيكية وبسيطة جدا انتقده احد الناس فقال: انه يحب ان ينزل لمستوى الناس .. الله الله في خطيب يشعر ان مستواه اعلى من الناس .. قيل لمالك بن دينار لو نادى مناد ليخرج شر من في هذا المسجد لخرجت أنا .. قالوا بهذا الخلق اصبح مالك مالك ( للعلم ) .