الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

يأكلون مع الذئب ويتباكون مع الراعي...

نشر بتاريخ: 04/03/2018 ( آخر تحديث: 04/03/2018 الساعة: 11:27 )

الكاتب: خالد السباتين

الغريب في الأمر أن البعض من العرب إن لم يكن معظمهم ما زالوا يراهنون على بقاء الرئيس الأمريكي الساذج دونالد ترامب على سدة الحكم في ظل سيل الإتهامات التي يتعرض لها من خيانة للأمانة وخيانة للأوطان وخيانة للشرف، ومن يتابع الشأن الأمريكي يستطيع أن يرى أن هنالك انحدار ملحوظ وغير مسبوق في شعبيته عند الجمهور الأمريكي من 66% الى نحو 30% إن لم يكن أقل أي ما يزيد على النصف، فهذا ترامب الذي لم يتوقع في يوم من الأيام أن يصل الى ساحات البيت الأبيض ويصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في يوم من الأيام، لكن خابت الظنون وشاءت الأقدار أن تنجح حملته الانتخابية وأن يصبح رئيساً، لكن الغريب أيضاً أنه ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يكون منصب الرئيس مادة للفكاهة والإستهزاء على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف العالمية.
ترامب الرئيس المثير للجدل الذي رأيناه بالأمس القريب على حلبات المصارعة، لربما يصارع اليوم من أجل البقاء في الحكم ويدفع عن نفسه كيل الاتهامات الني انهالت عليه وسط الضغوطات التي يتعرض لها والتحقيقات المتتالية، والاستقالات التي تقدم بالجملة من قبل فريقه الذي يعمل معه، فقد توقع العديد من خبراء وعرّابي السياسية الأمريكية وغيرهم منذ توليه منصبه أن فترة حكمه لن تطول لكن العرب مازالوا يرون غير ذلك ويراهنون على بقائه ويجددون ثقتهم به كونه كما يعتقدون سيكون طوق النجاة لهم أو بيده عصا موسى التي ستعيد الحياة لأوطاننا وستقضي على آلام الشعوب واهاتهم وستنهي الحروب في بلادنا متجاهلين بذلك دور بلاده الرئيسي في كل ما ذكر.
ترامب الذي طاف بالقرب من البيت العتيق برفقة زوجته وابنته التي فرش لهم السّجاد الأحمر واستقبلوا استقبال الاباطرة والقياصرة وتجوّلوا في القصور الفخمة ومنحوا أوسمة الشرف من الطراز الرفيع وقدمت لهم الهدايا الثميثة وعادوا الى بلادهم بمبالغ ضخمة لم يسبق لرئيس أمريكي أن حاز عليها من قبل ومن شدة فرحه انطلق مغرّداً على مواقع التواصل بأنه عائد يحمل مئات الملايين والمليارات والوظائف والاستثمارات للشعب الأمريكي.
لكن ماذا عنا نحن العرب؟؟ وماذا عن مستقبل أبنائنا ؟؟
بينما البطالة متفشية والخريجون يموتون قهراً في كل يوم والفقر منتشر في كل مكان والتعليم في أسواء أحواله والفساد أصبح سنّة والعلاج أصبح كذبة، شوارعنا مظلمة وطرقنا مميتة في كل بقعة ترى كارثة وفي كل دقيقة تسمع خبر عاجل وفي كل خبر عاجل تشاهد مئات القتلى والاف الجرحى، رائحة الموت في كل مكان، بعض المدن قد مسحت عن بكرة أبيها  لم تعد موجودة على الخارطة والبعض الاخر يتعرض للحصار ومن لم يقع عليه هذين الخيارين تعرض للتهجير والتنكيل، فمن لم تقتله القذائف قتله القهر والذل والألم....
فهل سيأتي يوم ننزع فيه عن أنفسنا غطاء الولايات المتحدة ؟؟
ومتى سوف نصبح قادرين على ادارة شؤوننا بأنفسنا؟؟ ألم نبلغ سنّ الرّشد بعد؟؟
للأسف فقد أصبحنا نطوف حول البيت الأبيض وأصبحنا نسعى بين موسكو وباريس وأصبحت واشنطن هي قبلتنا الأولى فنحن لا نستطيع التخلي عن الذي يلدغنا من جحرنا مرتين وثلاث لا وبل مائة مرة فنحن أمة مصرة على أن تطلق الرصاص على قدميها وتعوّق مسيرتها نحو التقدم، أميركا كانت وما زالت سبب كل دمار في الوطن العربي وهي سبب التمزق الذي يحدث والفرقة بين الشعوب، اليست هي من دمّرت العراق وقتلت نصف شعبه وهجرت نصفه الاخر ورحبت بقرار إعادة الإعمار دون أن تتكفل بدفع دولار واحد ثمن فعلتها ؟؟ أم أن عليها الدمار ومن ثم تقديم الفاتورة للعرب لإعادة الاعمار، وكذلك الوضع في ليبيا واليمن و سوريا، أليست هي السبب في دبّ الخلاف الخليجي الواقع حالياً، اليست هي من تدعم الاكراد وتمدهم بالسلاح ليؤسسوا دولتهم التي ستقوم على حساب السوريين والاتراك، أليست من تدعم اسرائيل وتكرّس هذا الاحتلال وتعطيه الضوء الأخضر لكل تصرفاته العنصرية ليقيم دولته المزعومة، اما بالنسبة لمن يعتقد ان هناك عداء ايراني اسرائيلي امريكي بإعتقادي يكون مخطئ، فمن يريد معرفة مدى جدية العداء لينظر على ارض الواقع اليوم ايران تتقاسم دور العداء العربي الاسرائيلي وحملت عن اسرائيل جزء كبير من ذلك العداء فاليوم ايران تتقاسم الوطن العربي بينها وبين الولايات المتحدة فأميركا تسيطر على النفط والغاز والثروات العربية وايران تسيطر على عدة عواصم عربية هذا ما أوصلتنا اليه أميركا وهذا ما أوصلتنا له الثقة بأميركا ورؤساءها ..
حاولنا الوحدة فتفرقنا، استوردنا السلاح فاقتتلنا، اجتمعنا لنتفق فاختلفنا، دولنا العربية تنفق على السلاح اكثر من الدول التي تصنعه ولكن لماذا ! وهناك سباق للتسلح غير مسبوق بحجة القضاء ومحاربة الارهاب الذي تغذيه أميركا، حتى لا تتوقف مصانع السلاح عن الانتاج يجب أن يكون هناك حروب والحروب تحتاج الى خلق الفتن ونشر الارهاب والجماعات المزيفة التي تدّعي أنها تحارب بإسم الإسلام وكم هو مسكين هذا الاسلام كل شيء يلقى على عاتقه ...
صعد ترامب على قمة الشجرة والقى حجراً في المياه الراكدة نسبياً الى ان أحدث فوضى في كل العالم بس قراره الأحادي تجاه مدينة القدس ظناًّ منه أن المسألة ستكون بتلك السهولة التي تحدث عنها وأن ازاحة القدس عن طاولة المفاوضات لم يتطلب منه ذلك الجهد العظيهم واعتبر نفسه حقق انجازاً عظيماً في هذه القضية، والان السيد ترامب يبحث عن طريقة لينزل عن الشجرة التي تسلّق اليها عالياً دون ان يكسر هيبة وعظمة أميركا بغبائه لكنه وللأسف حوّل البيت الأبيض الى كنيست ثانٍ وأصبحنا نجد في الكونغرس الأمريكي ليبرمان اخر ونفتالي بينيت اخر ونتنياهو اخر وأصبحوا صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم وهذا مأزق حقيقي لدى الادارة الأمريكية وكيفية ادارة شؤونها السياسية والتعامل مع القضية الفلسطينية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة ...
ألقى الرئيس عبّاس وصفة العلاج وروشيتة الحل قبل عدة أيام في مجلس الأمن وكانت وصفة شمولية لعلاج التصلب الحادث في عملية السلام وبقي محافظاً على موقفه ورفضه لتفرد الولايات المتحدة في قيادة المفاوضات او عملية السلام وطالب بلجنة دولية لرعاية ملف السلام وتطبيق المبادرة العربية وأكد أنه لن يكون هناك تطبيع عربي اسرائيلي دون إنهاء قضية فلسطين مما يعني ذلك وضع العصا في دواليب صفقة القرن وتجميدها عن الحركة وهو ما يحدث حالياً، فالصفقة لم تلق ترحيباً وتصفيقاً دولياً الا عند نتنياهو أما بقية دول العالم فرفضت التعامل مع هذه الصفقة أو القبول بها مما أحرج ذلك الولايات المتحدة التي باتت تبحث عن أي دولة تقف الى جانبها وتؤيدها بقراراتها الفردية والأحادية مقابل دفع الأموال وزيادة الدعم لكن جاء الرد كما سمعنا أن العالم ليس للبيع.
ترامب الذي وجّه عدة دعوات للرؤساء والحكام العرب في الأسابيع القليلة القادمة من ضمنهم الرئيس عبّاس الذي رفض الدعوة قبل وصولها محاولاً أن يدفع بصفقة القرن ويضغط على الدول العربية لتمريرها والقبول بها لكن بفضل الله أن هناك بعض الدول قد حسمت أمرها تجاه هذه الصفقة كالأردن ومصر والسعودية ولا أعتقد أن هذه الدول سوف تتنازل عن موقفها ونأمل أن يكون موقف بقية الدول العربية نفسه ولكن المطلوب أيضاً عدم الاكتفاء بالشجب والاستنكار ويجب ان نرفع السقف حتى ولو قليلاً، بالتأكيد نحن لا نطالب بالاستطدام أو محاربة الولايات المتحدة لكن نحن كعرب لدينا أوراق يمكن الضغط على الولايات المتحدة من خلالها واستخدامها ضدهم لأن الحال اذى بقى على ما هو عليه فوقاحة ترامب سوف تتمادى أكثر وأكثر وستزداد صفقاته وصفعاته لنا فآخر تلك الصفعات هي تحديده لتاريخ نقل سفارة بلاده في 15 ايار وهو تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني وكأنه يريد استفزازهم واستفزاز جميع العرب والمسلمين.
لمن قرأ ما تم تسريبه من هذه الصفقة المجحفة بحق الفلسطينيين وتمحّص جيّداً ما بين السطور يدرك تماماً مدى انصهاراها وانحيازها لاسرائيل ومستوطنيها وكأن من يحبك هذه الصفقة هم وليس الأمريكان لكنهم وللأسف وجهان لعملة واحدة فهم يسعون لتصفية القضية الفلسطينية وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم وعاصمتهم الأبدية القدس الشريف ومن سيادتهم على الاراضي الفلسطينية المقررة لهم حسب الشرعية الدولية وقرارات المجتمع والقانون الدولي.
يجب أن ندرك أن واشنطن هي الذئب بحد ذاته وأنها أصبحت طرفاً في الصراع العربي الاسرائيلي ولم تعد جزءاً من الحل ويجب أن نستيقظ من غفلتنا هذه وعلينا بذل الجهد لتعطيل مسير هذه الصفقة مهما كلف الأمر وعدم السماح بتمريرها فالولايات المتحدة قررت عزل نفسها عن العالم ويجب علينا أن نقف بصف العالم لا بصف الولايات المتحدة حتى لا تجد صديق أو حليف قد يؤيدها في مواقفها وخططها التدميرية.