السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطار "الصفقة" السريع و"المصالحة" تراوح مكانها

نشر بتاريخ: 06/03/2018 ( آخر تحديث: 06/03/2018 الساعة: 11:18 )

الكاتب: د. مجدي جميل شقورة

الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" المحترم
ستكون هذه الرسالة هي الأخيرة التي أوجهها لكم، ليس تعالياً على قيمة الكتابة وأهميتها ودورها في ترشيد صنع القرار، ولكن لأن المعطيات التي ستكون متاحة في المرة القادمة، ستجعل حتى التفكير الرشيد والقرار الرشيد خارج حسابات المنطق والعقل، فهامش المناورة الزمني المتاح محدود للغاية، وخيارات الشعب الفلسطيني وقيادته أكثر محدودية، ودائرة الفعل خارج السياق الفلسطيني أعلى بكثيرٍ مما هو عليه الحال داخل هذا السياق، واللحظة التاريخية فارقة، فإما التعاطي معها لنكون جزءاً من الحاضر والمستقبل، أو إدارة الظهر لها شيئاً من الماضي على هامش التاريخ.
تعلمون أخي الرئيس أن الإعلان عما سُمّي "صفقة القرن" بات وشيكاً، وأن ملامح هذه الصفقة قد بانت للجميع، وأن المتاح أميركياً لتسوية القضية الفلسطينية لا يرقى إلى "رُبع" ما عُرض على الرئيس الشهيد ياسر عرفات ورفضه رفضاً قاطعاً واندلعت في أعقاب خيبة الأمل الفلسطينية في حينه انتفاضة بسبب ما اعتبره الفلسطينيون وقيادتهم حينها "تبخيس" في الحق الفلسطيني، وما يُعرض اليوم، بتجاوزه لمسألة القدس ومسألة اللاجئين، وازاحة ملف الأمن والحدود وجعله حقاً حصرياً لإسرائيل، وعدم التعاطي مع قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر مرجعية لعملية التسوية، والتنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته فوق الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967، والتغافل عن كل معطيات الصراع لمصلحة إسرائيل الخالصة، دون أن تقيم إدارة ترامب أدنى اعتبار للمطالب الفلسطينية، ولكفاح الشعب الفلسطيني المشروع على مدى سبعين عاماً، كل هذه المعطيات هي مجرد مؤشرات ودلالات على حالة الضعف التي يعيشها الفلسطينيون والعرب، وهو أمرٌ دفع الإدارة الأميركية إلى التقاط اللحظة واغتنامها لتتحول "الصفقة" من مجرد مقترحات للتداول إلى عملية محددة بسقف وإجراءات، وهو ما يعني أن وضعها موضع التنفيذ، شاء الفلسطينيون أم أبوا، يصبح بعد إعلانها مسألة وقت ليس إلا.
وتدركون أخي الرئيس أن إسرائيل بدأت مشروعها للتسوية، دون أن تقيم وزناً للطرف الفلسطيني، فقد بدأت فصل الضفة عن القطاع، والقدس عن الضفة، منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، ثم شرعت بتحديد ملامح الحل النهائي عندما قسمت أراضي الضفة إلى مناطق أ وب وج، وهذا يعني أن عينها منذ البداية كانت على منطقة ج من أجل ضمها لاحقاً، ولم توقف الاستيطان في أراضينا المحتلة يوماً واحداً، ومن المجنون الذي يمكنه أن يتخيل أن إسرائيل أنفقت المليات من أجل بناء المستوطنات حتى تنسحب منها لاحقاً، الحقيقة أنها زرعت المستوطنات على قاعدة أنها لن تغادرها تحت أي ظرف، وتساوى في هذا موقف اليسار الإسرائيلي قبل يمينه، ثم انسحبت إسرائيل من قطاع غزة من طرفٍ واحدٍ عام 2005، وأسست للانقسام الفلسطيني بموجب هذا الانسحاب، وهو أمره يعرفه كل من قرأ كتاب خيارات المستقبل الذي أصدره مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب عام 1988، ثم أمعنت في فصل الضفة عن القطاع عبر سلسلة طويلة من إجراءات تفتيت الوحدة الترابية الفلسطينية، ثم قرارات مكملة أو متممة من أطراف هذا الانقسام الفلسطيني لتفتيت وحدة النظام السياسي الفلسطيني ووحدة المرجعيات والمؤسسات التي تمثل الفلسطينيين جميعاً.
أخي الرئيس ماذا عساك أن تفعل عندما تنسحب إسرائيل من مناطق ب في الضفة الغربية، وتضم ما تشاء من أراضي المنطقة ج؟، هل سترفض؟ لا بأس واصل الرفض وهم سيواصلون تنفيذ خطتهم، أم عساك تقول لهم ارجعوا وعودوا لاحتلال هذه المناطق حيث إن انسحابكم منها لم يتم باتفاقٍ معنا، هل ستستنجد بإخوانك العرب؟ أنصحك ألا تفعل فكلهم في الهم سواء وكلهم يعيشون كوابيس داخلية تحول دون مناصرتك، بمن ستستعين في مواجهة الصفقة المرتقبة، بالروس والصينيين والأوروبيين؟، أظنك تعلم أن هذه المنطقة من العالم هي منطقة نفوذ ومصالح اقتصادية وأمنية، وأن أحداً لن يجازف بحصته في تقسيم المنطقة لمجرد أنك ترفض بنود الصفقة.
ستسألني أخي الرئيس عن الخيارات المتاحة بعد أن أغلقت الباب وأوصدته في وجه الخيارات التي يتوقعها البعض ممن يحيطون بك ويدفعونك إلى الجدار بعلمك أو دون علمك، الخيار الوحيد المتبقي هو الوحدة الوطنية، والمقصود هنا قيادة إنقاذٍ وطني، تأتي ببرنامج إنقاذٍ وطني، وتتخذ قرارات إنقاذٍ وطني، وتعلن عن مرجعياتٍ موحدة تمثل الكل الفلسطيني، وتتمسك بخياراتٍ تجعل العالم كله في مواجهة أميركا وإسرائيل، بدءاً من إعلان الدولة تحت الاحتلال مروراً باللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية وصولاً إلى انهاء الانقسام كلياً وتجاوز الصغائر التي تحول دونه وانتهاءً بقراراتٍ تساهم في تعزيز صمود المواطن باعتباره الصخرة التي يمكن أن تتحطم عليها المؤامرة.
أخي الرئيس إن لم تفعل هذا خلال الأسبوع القادم على أبعد تقدير، ساعتها يقول المثل الفلسطيني "لا تيجيني ولا أجيك" والباقي عندك ......