الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عام على تقرير الإسكوا

نشر بتاريخ: 07/03/2018 ( آخر تحديث: 07/03/2018 الساعة: 13:45 )

الكاتب: حيدر عيد

قامت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، المعروفة باسم إسكوا، التابعة للأم المتحدة قبل عام بتكليف كل من البروفسور ريتشارد فولك، الذي عمل كمقرر لحقوق الإنسان الفلسطيني لمدة ست سنوات، وأستاذة القانون الدولي، بروفسورة فرجينيا تيللي، بكتابة دراسة حول سؤال محدد: إن كان تعريف الأبارثهيد، كما اتفق عليه في القانون الدولي، ينطبق على إسرائيل وسياساتها بحق الشعب الفلسطيني أم لا. وبمجرد صدور التقرير والتوصيات التي رافقته، قامت هستيريا غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة، ورئاسة الأمم المتحدة، وبالطبع إسرائيل وكل أصدقائها الذين يرفضون رؤية الفيل كبير الحجم في الغرفة الصغيرة! وقام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بمجرد صدور التقرير بالطلب من الإسكوا سحبه من على صفحة المنظمة، وذلك على الرغم من وجود جملة في نهايته توضح أن التقرير يعبر عن وجهة نظر الباحثين وليس بالضرورة الأمم المتحدة أو حتى الإسكوا.
والتساؤل هو عن مدى استفادة الطرف الفلسطيني من هذا التقرير التاريخي، والتوصيات الواضحة في نهايته. فكما حصل مع تقرير جولدستون، الصادر عن لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في حرب عام 2009 على غزة، لم يتم ملاحقة إسرائيل قضائياً ولا حتى التبني الواضح لحملة تدعو لفرض عقوبات عليها على نمط تلك التي فرضها المجتمع الدولي على نظام الأبارثهيد الجنوب أفريقي وعلى كل الشركات التي تعاملت معه.
إن جريمة الأبارثهيد التي تم التعامل معها عام 1973 على أنها جريمة تحتوي على التفرقة العنصرية المتعمدة و التي تهدف للحفاظ على نظام هيمنة و سيطرة عرق على آخر، تنطيق حرفيا على إسرائيل في تعاملها مع كل مكونات الشعب الفلسطيني, أولئك الواقعين تحت احتلال عسكري مباشر و استعمار استيطاني يميز بينهم و بين المستوطنين اليهود في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة, فلسطينيو ال48 و الذين يعاملون كمواطني درجة ثالثة لا يتمتعون بنفس حقوق الإسرائيليين اليهود, و المقادسة الذين يعاملون بطريقة مختلفة و يتعرضون لتطهير عرقي ممنهج، و أخيراً اللاجئون الذين ينطيق عليهم قرار الأمم المتحدة 3236 الذي يمنحهم الحق في العودة "غير قابل للتصرف."
وعليه، فإن إسرائيل متهمة بارتكابها جريمة ضد الإنسانية، بل ثاني أكبر جريمة بعد الإبادة، ويتحتم على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات عقابية بحقها شبيهه بتلك التي تبناها بحق نظام الأبارثهيد الأم.
تكمن أهمية إعادة قراءة هذا التقرير بعد عام من صدوره في عدم وجود أي حل سلمي في الأفق، حل يقوم على أساس واضح من العدالة التي تأخذ بعين الاعتبار حقوق كل مكونات الشعب الفلسطيني بعين الاعتبار دون تمييز، أي تجنب الحلول التجميلية التي كان نظام الأبارثهيد الأم أيضاً يطرحها مثل التكرم بمنح الأفارقة، أي سكان الأرض الأصليين، “أوطان مستقلة" على جزء من أرض جنوب أفريقيا، أو الادعاء بوجود "حوارات بناءة" مع بعض الممثلين للسكان مدعومة من بعض الدول الغربية، مع التأكيد على أولوية "أمن السكان البيض."
إذاً يكمن الحل، وكما يخلص التقرير، في منح الشعب الفلسطيني بمكوناته الأربع، حق تقرير المصير، كما يوجد مسئولية ليست فقط أخلاقية، بل أيضاً قانونية تحتم على المجتمع الدولي برمته مقاطعة نظام الأبارثهيد الإسرائيلي، عدم الاستثمار به والعمل على فرض عقوبات دولية عليه حتى يستجيب للشرعية الدولية. كما أن النتيجة المتوقعة إذا ما تم تطبيق توصيات التقرير ستؤدي بالضرورة إلى تفكيك البنية العنصرية، أي الصهيونية لإسرائيل، دون الإشارة لأي حلول سياسية على نمط حل الدولة أو الدولتين. ولكن، ومن خلال المواقف السياسية التي يتبناها كاتبا التقرير، ريتشارد فولك وفرجينيا تيللي، كناشطين قبل كونهما أكاديميين وباحثين، نستطيع أن نستنتج أن ذلك يعني التخلص نهائيا من سراب حل الدولتين العنصري. فالقضاء على نظام الأبارثهيد بالكامل من خلال عملية ديمقراطية طبقت الشعار الذي ناضل من أجله المضطهَد الأفريقي، أي صوت لكل مواطن، لم يؤد إلى قيام دويلات مستقلة منزوعة السلاح على أجزاء من أرض جمهورية جنوب أفريقيا، بل إلى إقامة دولة ديمقراطية واحدة يتساوى الجميع بها بغض النظر عن العرق واللون والجندر والإثنية والدين، أي دولة لكل مواطنيها. وهكذا يمكن فهم الهستيريا الإسرائيلية من تقرير الإسكوا، وبالتالي ضرورة البناء عليه فلسطينياً.