الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

في ذكرى السبعين للنكبة - إبراهيم طوقان الطائر المغرّد بالنور..والنار

نشر بتاريخ: 13/03/2018 ( آخر تحديث: 13/03/2018 الساعة: 19:06 )
في ذكرى السبعين للنكبة - إبراهيم طوقان الطائر المغرّد بالنور..والنار
في ذكرى السبعين للنكبة - إبراهيم طوقان الطائر المغرّد بالنور..والنار
1905-1941 م
د. زياد غانم بني شمسه
أستاذ الأدب والنقد / جامعة بيت لحم
أ. أسيل أبو الهوى/جامعة بيت لحم
كفكف دموعك فليس ينفعك البكاء ولا العويل؛ صرخة طوقان قبل 48، وبين الوعي واللاوعي لقضيته يمرّ على الفلسطينيّ سبعون عاما على النكبة، يسجل فيها الذاكرة الأدبية والوطنية " طوقان زرقاء اليمامة" عشق تراب فلسطين وهواءها وسماءها، تغنى للحياة والوجدان،كتب سطورا من ذهب،وغنى للعروبة:
موطني
الجمال والجلال والسناء والبهاء في رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك
هل أراك
سالما منعما وغانما مكرما
هل أراك في علاك
تبلغ السماك
موطني
طوقان علامة أدبية:
شاعر النور والنار، عاش حياته الوجدانية لقلبه المحترق وجسده المضني حبا للحب؛ لا سعيا وراء المرأة؛ أنشد وطنياته كما أراد؛ حبا والتزاما وتمجيدا للبطولة؛ عاش للإنسانية جمعاء في رائعته "ملائكة الرحمة". طوقان الموسوعة؛ ناثرا وباحثا وأديبا وإعلاميا، ومعلما ثائرا .
أولا- الطفوله والشاعرية:
كانت طفولة طوقان ناعمة في كنف أسرة عريقة في نابلس، حظي الطفل الصغير باهتمام ودلال؛ تربى في جوقة نسائية،عاش مع جدته التركية، وهي صاحبة تندر وفكاهة، فأخذ منها طوقان الدراما الساخرة في شاعريته، وأورثته عمته الحكمة، أما أمّه كانت تصطحبه معها إلى الحمام التركي في البلدة القديمة، يقول المتوكل طه في كتابه الساخر والجسد" لقد تعرف طوقان على الجسد والروح"، ورسم طوقان المرأة في مخيلته رسما جماليا ورسما جسديا، فأبقى على الروح وأسقط خريطة الجسد.
هذه النشأة الأرستقراطية أنتجت نمطين متضادين في سلوك إبراهيم؛ ترفعا واستعلاء وتربية وحسن الخلق. وبفطرته تخلص من الأولى "الاستعلائية مدركا زيفها، وبحسن خلقه أحس بالضعفاء ونبض شارعه ومدنه وقراه. أما مرضه الذي أطفأ شمعة عمره كان ثالثة الأثافي؛ "تصب الزيت على لهيب الجسد"؛ فأشعلت شاعرية الوطن والحب والإنسانية .
ثانيا: مرحلة الشباب " شاعر الوجدان " :
رحلاته: أنهى تحصيله الثانوي في القدس، وانتقل في مرحلته الجامعية في بيروت،وهناك مس الحب قلبه فكان له الأثر الكبير على حياته وشعره.ومن بيروت الجمال إلى دمشق العروبة، التقى بشعراء وأدباء قوميّين، على رأسهم نخلة زريق، فكتب بحس ذاتي ووطني وقومي في آن واحد.
الوجدانيات



شاب انفتح على مجتع جديد في بيروت:
أولُّ عهدي بفنونِ الهوى بيروت أنعمْ بالهَوى الأولِ
وجدانياته من أجل الحب وليس من أجل المرأة، لم تكن المرأة دمية بل حرك عواطفها؛ والمرأة تعجب بشاعرية وإحساسه، كيف لا وهي شرارة شاعرية مرهفة؛ فمرة يكتب قصيدة عند "الشباك" ينتظر إطلالتها وشروقها مع الشمس:
بُكُوري عندَ شباكي لأَنشقَ طيبَ ريّاكِ
وأخشى أن يرفَّ الجف نُ فيَحرمنِي مُحيّاك
ولولا رحمةُ العينيْن قلباً بات يهواكِ
ومرة يكتب (غريرة المكتبة)، يقول:
وَغَرِيـرَةٍ في المَكْتَبَــهْ بِجَمَالِـهَا مُتَنَقِّـبَهْ
أَبْصَرْتُهَا عِنْدَ الصَّبَـاحِ الغَضِّ تُشْبِـهُ كَوْكَبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْـ ـتُبَ مَا المُعَلِّـمُ رَتَّبَـهْ
فَدَنَوْتُ أَسْتَرِقُ الخُطَـى حَتَّى جَلَسْتُ بِمَقْرُبَهْ
وَحَبَسْـتُ حَتَّى لا أُرَى أَنْفَاسِـيَ المُتَلَهِّبَـهْ
هي شاعرية الحب وليس شاعرية المرأة، فالمرأة تتعدد في شعر طوقان، فأحب طوقان نساء عدة، منهم: ماريا الصفوري و مارغريتا الإسبانية، وأحب سامية عبد الهادي وتزوجها وأنجب منها طفلين: جعفر وعريب.
من أشعاره بمحبوبته فوز قائلا:
يا "فوز" ويلي منك يا قاسيهْ عذبتني ظلما كفى ما بيهْ
أراك في اليوم ثلاثا ولا أنال إلا النظرة الجافيه
والله لو تدرين ما قصتي ؟ ما كنت عن حالي إذن راضيه
غزلياته قطرات ندى في صيف قائظ: أخذ إبراهيم يضرب على قيثارة الغزل، فيطرِب سمّاعه، ويهزّ متلقه؛ فغزلياته شرارة شاعرية، ووجدان صادق يذيب فتيل العمر، لينفذ إلى باب الوطنيات والتغني بجماليات الوطن.
ثالثا= طوقان شاعرية وطنية:
الاتجاه الشعبي:طوقان تحسس أعضاءه وتحسس هموم شعبه البسطاء، يستثيره للدفاع عن الوطن فهم سياجه الأمين، ونبضه المشتعل:
عجبــاً لقومي مُقعَديـن ونُوّمــَا وعَدوٌهم عن سحقِهم لا ينثني
لِمَ يُوجسون من الحقيقة خِيفةٌ؟ لِمَ يصدفون عن الطريق البيَّن؟‏
يتحدث عن الألم والأمل، فهو إن بكى؛ سرعان ما يجفف الدمع:
كفكف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العــــويلُ
وانهض ولا تشك الزمان فما شكا إلا الكــــسولُ
واسلك بهمتك السبيل ولا تقل كيف الســـــبيلُ؟
ما ضل ذو أمل سعى يومًا وحكمتُه الدليـــــلُ
طوقان علامة مقاومة المقاوم: تمثل هذا الاتجاه في شعره الثوري؛ يدعو فيه إلى الثورة واقتحام هول الحياة:
عَبَسَ الخَطبُ فابتَسَمْ و طَغى الهَولُ فاقتَحَمْ
رابِطُ الجأشِ و النُهى ثابِتُ القَلبِ و القَدَم
لَم يُبالي الأذى و لَم يُثنِهِ طارِئُ الألم
وملحمته الدرامية الحماسية "الثلاثاء الحمراء"؛ الموشح الغنائي تغنى فيه للشهادة قائلا:
لما تعرّضَ نجمُك المنحوسُ وترنّحت بعُرى الحبالِ رؤوس
ناح َالأذان وأعول الناقوس فالليلُ أكدُر والنهارُ عبوسُ

طوقان يفضح المؤامرات ويعرّي السياسات، وينبذ التخاصم على كرسي أو ولاية:
قال طوقان:
إنَّ قلبي لبلادي لا لحزبٍ أو زعيم
لم أَبعْهُ لشقيقٍ أو صديقٍ لي حميم
يعرّي طوقان الانتهازيين أصحاب الأبواق و"القروش والكروش":
وطنٌ يباعُ ويُشترى وتصيحُ فليحيا الوطن
لو كنتَ تبغى خيرَه لبذلتَ من دمكِ الثمن
ولقمتَ تُضمد جرحه لو كنت من أهلِ الفطن
ويخاطب طوقان زعماء العرب بسخرية لاذعة قائلا:
أنتم المخلصون للوطنيــــــة أنتم الحاملون عبء القضيــــــــة
أنتم العاملون من غير قـــولٍ باركَ الله في الزنود القويــــــــــة
وبيانُ منكم يردُّ علينــــــــــا غابرَ المجدِ من فتوحِ اميــــــــــــة
في يدينا بقيةٌ من بـــــــلاد فاستريحوا كيلا تضيع البقيـــــــــة
شهد إبراهيم ما يجري في وطنه، وما ابتليت به فلسطين إبان كفاحها ضد التهويد، إلى تشريد الأهل وحكم المستعمر، وتفتحت عيونه على الأحداث الجارية في البلدان العربية وما قامت بها من ثورات في بلدان عربية مختلفة، ولم يكن أمام طوقان خيارا إلا أن يستمر في التهكم على أولئك وكشف أعمالهم، الذين نصّبوا أنفسهم زعماء؛ وهم في حقيقة أمرهم ليسوا إلا سماسرة، يبيعون الأرض،وأخذ يصب عليهم جامّ سخطه ونقمه؛ في قصيدته المشهورة بعنوان "رجال البلاد" قائلا:
وطني مُبتلى بعصبةِ دلّالين لا يتقــون فيــه اللــــــه
يا رجالَ البلادِ يا قادة الأمةِ ماذا دهاكم ودهاها؟
رحمَ اللهُ مخلصا لبلادِه ساموه الدّنيا فأباها
فاضت شاعرية طوقان بالوجدانيات والقوميات والوطنيات، وأنشد قصائد شغلت شباب زمانه، كما جادت شاعريته بغزلياته الرقيقة. كان مجددا في موضوعاته وقصائده وأناشيده التي رددها الشعب وحفظها تغريبة هلالية:
لا تَسلْ عن سلامتِه روحُه فوق راحَتِه
بَدلتُه همُومُه كفَنا من وسادتِه
صامتٌ لو تكلّما لفظ َالنار والدّما
قل لمن عابه صمته خلق الحزم أبكما
لم يمهله القدر ليكمل رسالته؛ أو ربما أشفق عليه لكيلا يرى نكبة بلاده؛ يخطفه الموت في ريعان شبابه1941؛ تقول أخته فدوى: لمّا أغمض عينه وُجد مصحف تحت وسادته؛ ولا تزال إلى اليوم ثنية ثناها في سورة التوبة؛ وكان آخر ما تلاه في نزاعه الأخير" الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ".